الحياة في ضوء الأخلاق القرآنية من أهمّ الفروق بين المسلمين والكافرين، فالمؤمنون يخافون الله ويحكّمون ضمائرهم وعقولهم لتجلّي طريق الإيمان والتيقّن من أنّ الّذين يُرجعون وجود المخلوقات إلى المصادفة أو ينكرون الحقيقة، هم في غفلة من أمرهم. المؤمن الحق يعي جيّدا أنّ الأعمال التي يقوم بها والأحداث التي يعيشها خلال اليوم منذ استيقاضه صباحا هي في الحقيقة انعكاس لما ذكره الله تعالى في آياته القرآنية، تلك الآيات تناولت الحديث عن المخلوقات على أنّها الدّليل البيّن على وجود الله ووحدانيّته وجلال صفاته وعظمة قدرته تعالى، ذلك ما نقصده بما أسميناه "حقائق الايمان". وحقائق الايمان هي العناصر الدّافعة للإيمان والوسائل المثبتة له.
المؤمن الذي يهتدي بالأخلاق القرآنية يجدد إيمانه ويكتشف الحقائق، فمع مطلع كل يوم جديد يفتح الإنسان عينيه ويرى النعم التي أسبغها الله على الإنسان، فيدرك أنه من الضروري شكر هذا المنعم العظيم. فنحن نفيق بعد ليلة كلملة من النوم ننفصل فيها عن العالم الموضوعي، وقد لا يتذكلر الواحد منا سوى ثلاث أو خمس ثوان من الأحلام التي قد لا نتذكرها بتفاصيلها. وخلال تلك الفترة الزمنية تنفصل الروح عن البدن، فلحظات النوم إنما هي في الحقيقة ضرب من ضروب الموت لذلك قال الله تعالى: "الله يَتَوَفَّى اْلآنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرسِلُ اْلأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى..." ( الزمر 42 ) كما يقول تعالى: "وَهْوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَي أَجَلٌ مُسَمًًّى...." ( الأنعام 60 )
هذه الآيات دليل على أنّ الروح تنفصل عن الجسد أثناء النوم ثمّ تعود إليه ليبدأ الحياة من جديد إلى أن يأتي أجل الموت الحقيقي فتخرج الروح من الجسد تماما دون رجعة. إذن يفقد الانسان قسما كبيرا من وعيه بالوجود والشعور بما حوله من الأشياء أثناء فترة النوم، ويعود له ذلك الشعور كاملا عند الاستيقاظ، و هذه حادثة على الانسان أن يفكّر فيها باعتبارها معجزة من معجزات الله تعالي.
يأوي الانسان إلأى فراشه ليلا ويتمتع بنعمة النوم، لكنه لا يضمن استيقاظه من الغد رغم خلاء جسمه من الأمراض ودون أن يتعرض إلى أيّ كارثة طبيعية أو حادث، لذلك على المؤمن أن يفكر في ذلك كلما استفاق صباحا، ويشكر الله على نعمة الحياة التي يهبه إياها مع مطلع كلّ صباح جديد، وعليه استغلال الفرصة الجديدة للتقرب إلى الله و الفوز بجنته، و ذلك بأن يبدأ يومه بالدعاء إلى الله ويقوم بالأعمال اليوميّة موقنا بأن الله يراقب أعماله وهو شاهد عليها فيسعى إلى مرضاته و يحرص على تطبيق أوامره، فيكون المؤمن بذلك قريبا من الله تعالى فتقلّ ذنوبه و يعي بأن الله يمتحنه في هذه الدنيا وعلى أساس ذلك يختار أعماله و أقواله.
هكذا خلق الله الإنسان ومنحه نعمه التي لا تحصى ولا تعد، وعلى الإنسان أن لا يغتر، وعليه أن يتأكد بأنه لا أحد غير الله عز وجل قادر على منحه تلك النعم، قال تعالى: "قُلْ آرَآيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِه انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ " ( الأنعام 46 )
لا ريب أنّ الله تعالى هو القادر على منح الانسان القدرة على النّوم وهو القادر على إرجاع الحياة مع مطلع كلّ يوم جديد للتمتّع بنعمة الحياة.
الّذين يعون هذه الحقيقة يبدؤون يومهم بإحساسهم أنّهم قريبون من الله تعالي ويحسّون بالسّعادة بفضل ما أنعم الله عليهم من النعم. أمّا الجاحدون فإنه لا يمكنهم بأيّ حال من الأحوال الوعي بقيمة هذه النّعم، ولا يستطيعون تذوق السّعادة مثلما يتذوقها المؤمن الحق، هم عادة يقومون في الصباح متثاقلين يودّون البقاء في فرشهم الساخنة وقتا أطول، وهم يحسّون بالقلق عند بداية كل يوم جديد لأنهم مقدمون على أعمال روتينيّة تبعث فيهم الملل، لذلك يحرصون على التمتّع بكل دقيقة في النّوم والراحة. العديد من الناس ينهضون من النوم متوتّرى الأعصاب، عبوسي الوجوه، وكل ذلك ناتج عن خلل في إيمانهم.
إن المنكرين المحرومين من نعمة الإيمان يدورون في حلقة مفرغة منذ قيامهم صباحا وحتى انتهاء يومهم لأنهم يغفلون عن حقيقة مهمة وهي أنه يومهم ذاك ربما كان الفرصة الأخهيرة التي يمنحها الله لهم للتوبة والرجوع إلى طريق الحق. إنهم يحرصون على جمع المال وينسون هذه الحقائق المهمة، ونصب حرصهم على البحث عن الشهرة ونيل إعجاب الآخرين. إنهم يبدأون يومهم بنوع من اللامبالاة غافلين عن أن من واجبهم التفكير في خالقهم الذي سوف يسـألهم لا محالة عما قدمت أيديهم. نعم إن كل يوم جديد هو فرصة عظيمة للتوبة والعودة إلى الله والسعي في إرضائه: "اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَ هُمْ فِى غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ " ( الأنبياء، 1)
إنّ هؤلاء الناس في غفلة كبيرة و هم يرتكبون خطأ كبيرا. علينا أن لا ننسى أنّ كلّ صباح يمكن أن يكون بداية نهاية كلّ إنسان، قد تختلف أسباب الموت، كأن يموت الإنسان بحادث مرور أو نوبة قلبيّة أو بأيّ سبب من الأسباب، الموت يمكن أن يداهم الانسان في كلّ لحظة، لذلك على الانسان مثلما بيّنّا سابقا أن يبدأ يومه بالسعي إلى مرضاة الله و القيام بالأعمال الصالحة.
المقال التالى