باب القناعة والقفاف والاقتصاد
في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
قال الله تعالى: { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ((هود: 6)) وقال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} ((البقرة:273)) وقال تعالى: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} ((الفرقان:67)) وقال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} ((الذاريات:56،57)).
وأما الأحاديث، فتقدم معظمها في البابين السابقين، ومما لم يتقدم:
522- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس" ((متفق عليه)). "العرض" بفتح العين والراء: هو المال.
523- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه" ((رواه مسلم)).
524- وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم قال: "يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى" قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئاً ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبله. فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي. ((متفق عليه)).
"يرزأ" براء ثم زاى ثم همزة، أي: لم يأخذ من أحد شيئاً، وأصل الرزء: النقصان، أي: لم ينقص أحداً شيئاً بالأخذ منه. و"إشراف النفس": تطلعها وطمعها بالشيء. "سخاوة النفس": هي عدم الإشراف إلى الشيء، والطمع فيه، والمبالاة به والشره.
525- وعن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت أظافري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق قال أبو بردة: فحدث أبوموسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال: كأنه كره أن يكون شئياً من عمله أفشاه. ((متفق عليه))
526- وعن عمرو بن تغلب - بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالا، وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ؛فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال، أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني إنما أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب” قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم ((رواه البخاري)).
"الهلع": هو أشد الجزع، وقيل: الضجر.
527- وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله” ((متفق عليه)).
((وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر)).
528- وعن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شئياً، فتخرج له مسألته مني شئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته" ((رواه مسلم)).
529- وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: "ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس وتطيعوا" وأسر كلمة خفية: "ولا تسألوا الناس شيئاً" فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل احداً يناوله اياه. ((رواه مسلم)).
530- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم" ((متفق عليه)).
"المزعة" بضم الميم وإسكان الزاى وبالعين المهملة: القطعة.
531- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: "اليد العليا خير من اليد السفلى. واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة" ((متفق عليه)).
532- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً؛ فليستقل أو ليستكثر" ((رواه مسلم)).
533- وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه" ((رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح)).
"الكد" :الخدش ونحوه.
534- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل"
((رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن))
"يوشك" بكسر الشين: أي يسرع.
535- وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً، وأتكفل له الجنة؟" فقلت: أنا؛ فكان لا يسأل أحداً شيئاً، ((رواه أبو داود بإسناد صحيح)).
536- وعن أبي بشر قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: تحملت حمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" ثم قال: "يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قوماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوى الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحملت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سداداً من عيش. فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتاً" ((رواه مسلم)).
"الحمالة" بفتح الحاء: أن يقع قتال ونحوه بين فريقين، فيصلح إنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه. و"الجائحة" : الآفة تصيب مال الإنسان. و"القوام" بكسر القاف وفتحها: هو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه. و"السداد" بكسر السين: ما يسد حاجة المعوز ويكفيه، و"الفاقة" : الفقر. و"الحجى": العقل.
537- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له، فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس" ((متفق عليه)).