غيرته الشديدة على محارمه:
قيل: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم قال سعد بن معاذ: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة؟! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني. وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة هذا نحو معناها.
سيد في قومه، محبب إلى أهله وعشيرته:
- يظهر هذا الملمح واضحا جليا حين قدم سعد متشتّما على مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة؛ نتيجة خوفه على قومه منهما، حيث قال أسعد لمصعب: "أي مصعب، جاءك والله سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان"، وقبلها كان قد قال أسيد بن حضير - وهو سيد في قومه - لمصعب بن عمير وأسعد بن زرارة حين أعلن إسلامه: "إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه"، يقصد بذلك سعد بن معاذ.
- وكذلك يظهر هذا الملمح حين أعلن إسلامه ووقف على قومه فقال: "يابني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم"؟ حينئذ رد عليه قومه بما يرونه فيه فقالوا: "سيدنا، وأوصلنا، وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة"، وفي ذات اليوم الذي أسلم فيه تبعه كل قومه وعشيرته وقبيلته (بنو عبد الأشهل)، فأسلموا جميعا بإسلام سعد بن معاذ.
- وكذلك يظهر أيضا حين قال لهم في دعوته إياهم إلى الإسلام: "فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله"، فلو لم يعرف هو نفسه مكانته وقدره عندهم، وأفضليته عليهم، وأنهم لن يقدروا على مقاطعته ورفض طلبه، بل سيستجيبوا على الفور ما كان قال هذه المقولة يجازف ويخاطر بها.
- ويشهد على ذلك أيضا رواية السيدة عائشة رضي الله عنها - سترد موثقة قريبا -: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن أحد أفضل منهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر.
متجرد للحق أيا كان موقعه:
فبالرغم من أنه كان ذاهبا إلى أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير مغضبا متشتّما، يريد أن يردهما عن داره وقبيلته وأخذ معه رمحه لذلك، نراه وقد رجع بغير الوجه الذي كان قد جاء به، وما كان ذلك منه إلا إنصافا للحق وبعدا عن العنجهية والكبر رغم أنها كانت تليق به.
فحين ذهب قال لأسعد بن زرارة: "يا أبا أمامة، أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارينا بما نكره"؟ - وفي هذه المقولة ما فيها من تقديره وصلته لقرابته - حينئذ رد عليه مصعب فقال: "أوتقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره".
وجاء التجرد للحق في رد سعد الذي كان بسببه إسلامه حيث قال: "أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس"، وتابع ذلك بأن قال بعد أن عُرض عليه الإسلام، "كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين"؟ وكان نتيجة ذلك كله أن أسلم، وأسلم بإسلامه قبيلة.
إيجابي يحب الإسلام ويحرص على تبليغه من أول يوم أسلم فيه:
وذلك أيضا في قصة إسلامه؛ فمن أول يوم أسلم فيه لم يتكاسل ولم يتوانى، بل أعلن المقاطعة على قومه وأهله وعشيرته إن لم يسلموا وهو عمل جد قاسي.
ينصر الله ورسوله:
عن محمد بن عمرو الليثي عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال: كيف ترون؟ قال أبو بكر: يا رسول الله، بلغنا أنهم بكذا وكذا، قال: ثم خطب الناس فقال: كيف ترون؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر، ثم خطب فقال: ما ترون؟ فقال سعد بن معاذ: إيانا تريد، فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى من بني إسرائيل: [اذهب أنت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون] ولكن: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون، ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له، فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت؛ فنزل القرآن على قول سعد: [كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين] إلى قوله: [ويقطع دابر الكافرين] وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غنيمة ما مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال.
صاحب رأي حكيم ظهر عند توزيع غنائم بدر:
قال ابن إسحق: لما نزلت: { لولا كتاب من الله سبق} الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله: يا نبي الله، كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال.
ومثل هذه الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وردت أيضا في سيدنا عمر رضي الله عنه، ولا مانع من أن يكون لهما نفس الرأي فترد لهما نفس الرواية، ويؤيد هذا الكلام أن هناك رواية ثالثة تجمعهما الاثنين وهي:
قال ابن إسحاق: لم يكن من المؤمنين أحد ممن أحضر إلا حب الغنائم إلا عمر بن الخطاب؛ فإنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسرى، وسعد بن معاذ قال: يا رسول الله، كان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ.
ومن تبعات ذلك: كان حكمه يوافق حكم الله:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أناسا (هم أهل قريظة) نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه فجاء على حمار فلما بلغ قريبا من المسجد قال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى خيركم أو سيدكم فقال: يا سعد، إن هؤلاء نزلوا على حكمك قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، قال: حكمت بحكم الله أو بحكم الملك.
شدته على الكافرين ولا يخشى في الله لومة لائم:
وظهر هذا الملمح بصورة واضحة حين ارتضوه بنو قريظة ليحكم فيهم، حيث قالوا له: "يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، فلا يرجع إليهم قولا"، وهم الذين كانوا قد آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلم يخنع ولم يجبن ولم يتلكأ، ولم يحابي أو يجامل، بل قال بملئ فيه: " قد آن لسعد أن لا يبالي في الله لومة لائم... فإني أحكم فيهم: أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم"، وهنا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله"، وسيرد هذا الموقف لاحقا.
كذلك كان موقفه مع أبي جهل السابق حين أراد أن يمنعه من الطواف بالبيت وقال له: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه؟! فرد عليه بنعم وتلاحى معه حتى قال له: "والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام".
وأيضا حين سمع اليهود الذين كانوا يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: "أرعنا" أي: "اسمع لا سمعت" - في مرادهم - حيث كانوا يوارون بذلك ويقولون: "كنا نسبّه سرا فالآن نسبّه جهرا"، وكان هو يعرف لغتهم فقال لهم: "عليكم لعنة الله، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه".
يُجل الرسول صلى الله عليه وسلم ويقدره:
وظهر ذلك حين حين ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم أمر مواليه (بني قريظة) ليحكم فيهم حيث قال:
"عليكم بذلك عهد الله وميثاقه؟ قالوا: نعم، قال: وعلى من ها هنا"؟ وهو بذلك يريد الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، ولم يرد أن يذكر ذلك صراحة؛ إجلالا وتعظيما لقدر رسول الله صلى الله علي وسلم ومكانته، وهنا فهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "نعم" فقال سعد: "أحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري".
حبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفه الشديد عليه:
عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم: أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم - لما التقى الناس يوم بدر -: يا رسول الله، ألا نبني لك عريشا فتكون فيه وننيخ إليك ركائبك، ونلقى عدونا فإن أظفرنا الله وأعزنا فذاك أحب إلينا، وإن تكن الأخرى تجلس على ركائبك فتلحق بمن وراءنا؟ فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له، فبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه أبو بكر ما معهما غيرهما.
- وأيضا مقالته السابقة لليهود الذين كانوا يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم: "عليكم لعنة الله، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه".
ومن مناقبه ما يلي:
1) اهتز لموته عرش الرحمن:
عن جابر رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ. وعن الأعمش حدثنا أبو صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير فقال: إنه كان بين هذين الحيين (الأوس والخزرج) ضغائن، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدمنا من سفر فتلقونا بذي الحليفة، وكان غلمان الأنصار يتلقون بهم إذا قدموا، فلقوا أُسَيْد بن حضير فنعوا إليه امرأته فتقنع يبكي، قالت: فقلت له: سبحان الله، أنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك في السابقة ما لك تبكي على امرأة، فكشف عن رأسه فقال: صدقت، لعمرو الله والله ليحق لي أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، قالت له: وما قال؟ قال: قال: لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ، قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
2) وفتحت لوفاته أبواب السماء:
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: هذا الرجل الصالح الذي فتحت له أبواب السماء شدد عليه ثم فرج عنه.
3) وشيعه سبعون ألف ملك لم يطئوا الأرض قبل اليوم:
عن سعد بن أبي وقاص قال:... فقال قائل من المنافقين: ما رأينا كاليوم، ما حملنا نعشا أخف منه قط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعد ابن معاذ ما وطئوا الأرض قبل ذلك اليوم.
4) وصاحب ضغطة القبر التي كشفها الله عنه:
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ.
وعن ابن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره - يعني سعد بن معاذ - فاحتبس، فلما خرج قيل: يا رسول الله، ما حبسك؟ قال: ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله فكشف عنه.
5) مناديله في الجنة أحسن من الحرير:
عن أنس رضي الله عنه قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال: والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا.
6) داره من أول دور الأنصار في الخير:
عن أبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله أنهما سمعا أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: دار بنى عبد الأشهل وهم رهط سعد بن معاذ، قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: ثم بنو النجار، قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: ثم بنو الحارث بن الخزرج، قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: ثم بنو ساعدة، قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: في كل دور الأنصار خير.
فبلغ ذلك سعد بن عبادة فقال: ذكرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر أربعة أدور؛ لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال له رجل: أما ترضى أن يذكركم رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأربعة؟ فوالله لقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أكثر ممن ذكر، قال: فرجع سعد.
7) وهو من أفضل داره:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن أحد أفضل منهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر... قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
8) وصاحب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة:
عن معمر عن صاحب له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن معاذ: اللهم سدد رميته وأجب دعوته.
وعن عبد الله بن شداد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد وهو يكيد بنفسه: جزاك الله خيرا من سيد قوم صدقت الله ما وعدته وهو صادقك ما وعدك. |