تولى سعد بن أبي وقاص مهمة الجبهة على العراق وقيادة جيش المسلمين في خلال أصعب مرحلة من مراحل الحرب، وكانت هذه الجبهة تحتل المرتبة الثانوية بعد جبهة الشام، وعندما تولى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر المسلمين، عين سعداً لحرب العراق ونقل ثقل الهجوم.
إلى تلك الجبهة، ولا سيما أن الحرب على جبهة الشام قد تقررت بانتصار المسلمين في معركة اليرموك، وفتح دمشق، فبدأ الإمدادات في التوجه إلى العراق من الشام ومن الجزيرة العربية.ز
وكان أمير المؤمنين يشرف بنفسه على قيادة الجيش، ويعمل على توجيهها، ويحدد واجباته، وكان سعد بن أبي وقاص يعود في أموره كلها إلى أمير المؤمنين، ويعلمه بتطورات الموقف، وينفذ تعليماته بدقة بالغة..
لقد اصطدم المسلمون بجيوش الفرس وهي جيوش لديها خبرات قتالية واسعة بحكم صراعها الدائم وهي أيضاً متفوقة في ميزان القوى..
وكان تنظيم المعركة عند الفرس يعتمد على قوة الصدمة بالدرجة الأولى، ويظهر ذلك من خلال اقتران 30 ألفاً بالسلاسل، لتكوين جدار تتحطم على جبهته هجمات العرب المسلمين، وكانت بقية القوات الفارسية تدعم " جدار الصدمة"..
واستفاد سعد بن أبي وقاص من سلبيات القوات الفارسية وابتكر الأسلوب المناسب لمواجهة الفرس.
اعتمد سعد بن أبي وقاص على النظام البديل وهو نظام الجيوش المتمفصلة ) وكان هذا النظام يستجيب في الواقع لطبيعة قوات العرب ( الخفيفة والمرنة ) كما يتوافق مع ما تتطلبه مجابهة التنظيم الفارمي ( الثقيل والمحروم من حرية العمل ) وبرزت ميزات هذا النظام من خلال المناورات العميقة والقوية لقوات العرب المسلمين » وهي المناورات التي وصل بها القعقاع بن عمرو في ليل الهرير المؤخرة الفرس كما برزت من خلال حرية العمل إلى كانت تسمح للمسلمين هجماتهم التعبوية بمرونة، ثم الانسحاب بسرعة، وإعادة التنظيم من أجل هجوم جديد.
وأخيراً فقد برزت ميزات هذا التنظيم أيضاً من خلال المطاردة السريعة والحاسمة لقوات الفرس. بعد إلحاق الهزيمة بهم..
لقد كان من الغريب ألا يكتشف الفرس الخطأ الكبير في تنظيمهم القتإلى، وأن يتجاهلوا نقاط ضعفه، لا سيما بعد هزيمة قواتهم على أيدي القائد الروماني بيلزير..ولكن من المحتمل أن يكون استهتار الفرس بقوة العرب، وعدم تقويمهم الصحيح لما صار عليه العرب بعد الاسلام، ثم اعتداد الفرس بتفوقهم الكبير بالقوى والوسائط هو الذي دفعهم الى زج قواتهم في المعركة وفقاً لأسإلىبهم التقليدية في حين كان العرب يخوضون حروبهم بأسإلىب ثورية حقيقية تتدز بالتجديد والابداع حتى أبعد الحدود.
إن كفاءة سعد بن أبي وقاص وقدرته القيادية لا تقف عند حدود التنفيذ الرائع لأوامر الخليفة، والتوفيق بين ما هو مطلوب وبين القوي والوسائط المتوفرة.
وقد يكون من الصعب في كل الأحوال إرجاع النصر في القادسية إلى كفاءة القائد سعد بن أبي وقاص وحدها، وتجاهل تلك الأسس والقواعد التي وضع الرسول القائد صلى الله عليه وسلم حجر الأساس فيها وأقام بنيانا على مبادئ ثابتة حددتها العقيدة الدينية الإسلامية.
كما أنه من الصعب أيضاً إرجاع النصر ونسبه إلى السياسة الاستراتيجية التي طورها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوضحها عبر أوامره ووصاياه.
إذ كان من المحال لهذه العوامل وحدها تنفيذ تلك المنجزات الرائعة والقيام بتلك الأعمال الخالدة، لولا وجود طبقة ـ أو جيل ـ من المؤمنين المسلمين الذين أفنوا ذاتهم من أجل رسالة أمتهم وحملوا الأمانة فأخلصوا لها، واندفعوا في سبيلها فأضاءت بهم الدنيا وأضاءت لهم..
وكانت الانتصارات الرائعة ثمرة تلك العوامل كلها..
لقد كانت شجاعة سعد متميزة بعدد من الخصائص أبرزها قوة الفكر وقوة الشخصية، والصمود، والحزم وهي مكونات قيادية تساعد على تجاوز صعوبات مناخ الحرب وهي الصعوبات التي تتمثل فيالجهد البدني والخطر والشك، والمصادفة، وقد عرف التاريخ الحرب أعداداً لا يمكن حصرها من القادة الذين تتوافر فيهم بعض الصفات لمجابهة بعض المواقف ولكنهم قلة هم الذين يجمعون كل الصفات لمجابهة كل المواقف.
القرارات الصحيحة:
كان أول قرار صحيح اتخذه سعد أثناء قيادته للجيش هو اختياره لموقع القادسية من أجل المعركة الحاسمة مع الفرس، فقد توافرت فى هذا الموقع:
عزلته عن أهل البلاد الذين لم يكن سعد ليشعر بالطمأنينة إلىهم، وذلك بسبب علاقتهم القديمة مع الفرس.
وقوع القادسية بين حاجزين جغرافيين ـ الخندق و العتيق ـ بحيث يستطيع الاستناد إليهما لحماية قواته.
قرب الموقع من الموارد الحياتية. المياه والطعام. مما يضمن له سهولة التأمين الإداري لقوات المسلمين.
عدم وجود حاجز طبيعي يعوق حركة القوات إذا ما أرادت الانسحاب وإعادة تجميعها، لاستئناف القتال.
حصر الفرس عند القتال بحاجز طبيعي (نهر الفرات)..
وقد برهنت مسيرة الأعمال القتالية على صحة انتقاء الموقع، ودوره في تقرير مصير المعركة.
وقد كان من قرارته الصحيحة أثناء المعركة في ميدان القتال إرسال قوات لحماية النقاط الضعيفة، والتوغل والالتفاف من حول القوات ثم تحديد بداية المعركة مع موعد الظهر اليوم، حيث تكون حدة الشمس قد ارتفعت عن أعين المقاتلين، وكذلك تنظيم عملية القتال الليلية (ليلة هرير ) التي قررت مصير المعركة الحاسمة
لم يشترك فيما حدث من فتنة بعد مقتل عثمان ولم يحضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم، فقد بصره في نهاية حياته.
وفاته:
ما أصدق قول سعد لابنه وهو على فراش الموت.
"لا تبك عليّ، فإن الله لا يعذبني أبدا، وإني من أهل الجنة. إن الله ليدين المؤمنين بحسناتهم ما عملوا لله.
توفى سعد رضي الله عنه في قصره بالعقيق على بعد 5 أميال من المدينة..
وذلك عام 55 هجرية، وقد تجاوز الثمانين وهو أخر من مات من المهاجرين. |