المقـــدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله صحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الإنس والجن لغاية عظيمة ومقصد جليل وهو تحقيق العبودية الاختيارية له سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56) ولما كانت العقول البشرية قاصرة وغير مستقلة بمعرفة صفات الخالق ومعرفة حقوقه على عباده، وما أعده الله لمن يطيعه، أو توعد به من خالف أمره، كان من كمال علمه وحكمته سبحانه أن اختار لتبليغ رسالاته وتأدية أماناته أكمل الناس خلقا وخلقا، وأشرفهم طبعا ومعدنا، قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: من الآية124).
هذا، ولم يبعث الله إلى خلقه ملكا لا يفتر في عبادة، ولا خلقا آخر من عنده لا يشبع من لهو أو لعب، لأن مقاصد الرسالة الإلهية ترمي إلى تأهيل الإنسان لأداء دور الخلافة في الأرض التي هي عبادة الله وتعمير الأرض على مقتضى المنهج الرباني.
ولذلك كان رسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ورجالا لهم أزواج وذرية، ومتصفين بكل كمال بشري ممكن، ومتجردين عن كل نقص ورذيلة، ولم يكن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل ولا استثناء منهم في شيء من ذلك قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف: من الآية110) بل كان عليه السلام أكملهم جميعا على الإطلاق، إذ جمع الله في شخصه من الكمالات ما لم يجتمع لأحد منهم، فعلم البشرية دينها بكمال إيمانه بالله وعظيم تقواه إياه، وأرشدهم إلى مكارم الأخلاق بنقاء شمائله، وهداهم إلى مصالح الدنيا بحسن سياسته وعدالة أحكامه.
غير أن بعض الناس قد يقع ضحية تضليل إعلامي، أو يصدق من يمتهن الكتابة والتأليف وهو عار عن الإنصاف والموضوعية، فيؤمن بما يثير حول هذا النبي الكريم من شبهات، وما يلصق بعرضه من نقائص، فيعمى بصره عن جمال سيرته، ويحال دون أنفه من طيب خصاله، وبالتالي يصرف عن هديه، وقد كان سهلا عليه أن يدرك الحقيقة وأن يزيل عن بصره الغشاوة، لو سأل المحققين من أهل العلم من المسلمين، أو راجع المنصفين من الكتاب من غيرهم، ليجد الحقائق التاريخية والشرعية متضافرة لتبرئة النبي الكريم من كل رذيلة وفضيحة.
التمهيد:
الواقع والواجب في الواقع
مناسبة كتابة هذا البحث هي تنامي ظاهرة الإساءة إلى الإسلام، وتتابع حملات الطعن في مقدسات المسلمين، والسخرية من شعائرهم وشرائعهم، في حملات مسعورة يقودها ساسة ورجال دين، تساندهم وسائل إعلام متنوعة، إلى أن وصلت هذه الحملات للتعرض لرسول الله r بالإساءة إلى شخصه الكريم، وتناول زوجاته الطاهرات، والتشويه لجهاده في سبيل الله...
حيث نشرت صحيفة (jyllads-posten ) الدنمركية صورا كركتيرية تمثل رسول الله r في صورة الشهواني اللاهث وراء النساء، والسفاح المتعطش للدماء، والهمجي المتجرد من كل قيم الإنسانية والحضارة!!
وتبعتها صحف أخرى نرويجية، ثم فرنسية، وهلم جرا...
وانفجر الشارع الإسلامي غضبا وغيظا، وتعالت الأصوات بالإدانة والاستنكار، فنظمت المظاهرات، وتليت الخطب الحماسية، بل وأحرقت الأعلام والسفارات، ونودي للمؤتمرات، غير أن الكثير من هذه الأعمال بغض النظر عن مدى شرعية بعضها و جدواها أو عدمهما، تفتقد إلى أبسط مواصفات النصرة الحقيقية للمصطفى r، إذ أن نصرته ليست غضبة عارمة لا تلبث أن تهدأ، ولا مظاهرة شاغبة لا ترمي إلى هدف، ولا ترتيل لقائمة اللعنات المهلكة لليهود والنصارى، وتارة لحكام المسلمين وغيرهم...
إن النصرة الحقيقية لرسول الله r ينبغي أن تكون نصرة علمية تخاطب في الناس عقولهم وفطرهم، وليست عاطفية تفقد البصيرة ولا تهدي الخصم.
ويجب أن تكون نصرة عملية تسلك المنهج الشرعي في الانتصار، وتستفيد من الأساليب والوسائل الفعالة، وتسعى لتحصيل المصالح وتكثيرها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وليست مثالية تحلق في خيال جانح، لا تراعي قاعدة شرعية، ولا مصلحة إنسانية، فتجني على نفسها قبل عدوها.
ولا بد أن تكون هذه النصرة شاملة تنتظم كل غيور من الأمة وكل منصف من البشر، لا يقوم بها فئة دون أخرى، فللعلماء دورهم في توعية الجماهير وإرشادهم، وللأمراء دورهم في حماية مقدسات الإسلام بما في أيديهم من سلطة ونفوذ، كما للتجار دورهم في نصرة المصطفى ليس فقط في مقاطعة بضائع الأعداء، ولكن أيضا في دعم كل مشروع جاد لنصرة النبي الكريم r، فنصرة المصطفى r فريضة على كل مسلم ومسلمة(1).
وأخيرا يجب أن تكون نصرة دائمة تستغرق كل حياتنا، فلا ننصر رسول الله في يوم دون يوم، ولا في شهر دون شهر، ولا سنة دون أخرى، فننصره أولا في أنفسنا بعد الإيمان به باتباع سنته وهديه وعدم التقدم بين يديه في شيء، وترك البدع والمحدثات في الدين، حتى يأتينا اليقين ونحشر يوم القيامة معه r ومع صحابته الكرام رضي الله عنهم، فنحظى بشفاعته r، ونسقى من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا.
هذا، وإليكم مشاركة متواضعة في النصرة الحقيقية للمصطفي ، تشتمل على تحقيق علمي حول ما أثير من شبهات حول تعدد زوجاته، وحول جهاده، وحول أخلاقه وشمائله، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبلها قبولا حسنا، ويثقل بها موازين أعمالنا يوم القيامة، وأن ينيلنا بها ووالدينا وجميع المسلمين شفاعة رسوله الكريم، آمين.
المقال التالى