أولاً : ترسيخ قيم العمل والانتاج
لقد رسخ سيدنا محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ في المجتمع بتعاليمه الغزيرة قيمًا اجتماعية وتنموية جليلة كالانتاجية والعمل.
فكرس في نفوس المسلمين بغض العطلة، وحب التكسب من عرق الجبين..
فكان رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ يمقت أن يرى الرجل لا شغل له، وقد فضل ~ صلى الله عليه و سلم ~ ثواب العامل من أجل لقمة العيش على العابد العاكف في المسجد، بل عد الساعي على إطعام بطنه وبطون أهله من الحلال كالخارج في سبيل الله . ونراه في أكثر من موضع يحبذ لكل مسلم فقير أن يحفظ ماء وجهه من سؤال الناس والأفضل له أن يخرج يتكسب من أي وسيلة مشروعة، ولو في جمع الحطب ..
فقال ~ صلى الله عليه و سلم ~ - مشجعاً على العمل منفرًا من البطالة ـ :"لأن يأخذ أحدكم أحبله، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره؛ فيبيعها فيكف بها وجهه؛ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه" [1] .
قال العلامة القرضاوي :
"فبين الحديث أن مهنة الاحتطاب على ما فيها من مشقة، وما يحوطها من نظرات الازدراء، وما يرجى منها من ربح ضئيل، خير من البطالة وتكفف الناس" [2] .
ثانيًا : قضاء حوائج العاطلين
تجده ~ صلى الله عليه و سلم ~ يفكر ويخطط لشاب فقير بحيث يوفر له ~ صلى الله عليه و سلم ~ فرصة عمل يتكسب منها ..
فعن أنس بن مالك: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ يسأله (الصدقة)، فقال " أما في بيتك شىء ؟ " قال: بلى ، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء . قال " ائتني بهما " قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ بيده وقال " من يشتري هذين " ؟ قال: رجل أنا آخذهما بدرهم. قال :" من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلاثا . قال رجل :" أنا آخذهما بدرهمين ". فأعطاهما إياه ، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري. وقال " اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما فأتني به " فأتاه به. فشد فيه رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ عودًا بيده ثم قال له: "اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يومًا " . فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا . فقال رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ : " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة . إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع [ الفقر الشديد ] أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع " [3] .
فانظر كيف خطط النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ لهذا الشاب ، بحيث يوفر له النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ فرصة عمل يتكسب منها.
ثالثًا: تحريمه ~ صلى الله عليه و سلم ~ البطالة
هذا، ولقد حارب سيدنا محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ كل مظاهر البطالة، والإخفاق عن التكسب، بشتى الطرق، ليسد كل باب أمام انتشار الفقر في المجتمع ..
فقلد حرم النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ البطالة مع القدرة على العمل، والحاجة إلى الكسب لقوته وقوت من يعوله، وفي هذا يقول النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ : "إن الله يكره الرجل البطال"، " والبطالة تقسي القلب" [4] .
رابعًا: ترغيبه ~ صلى الله عليه و سلم ~ في الزراعة
ونراه يرغب في الزراعة في أحاديث مباركة ، مثل قوله :
"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعًا أَوْ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ" [5] .
خامسًا: ترغيبه ~ صلى الله عليه و سلم ~ في الصناعة
ويرغب في الصناعة، فيقول:
" مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ- عَلَيْهِ السَّلَام -كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ" [6] .
سادسًا: ترغيبه ~ صلى الله عليه و سلم ~ في التجارة
ويرغب في التجارة، قائلاً:
" التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ" [7] .
وقد صنف الإمام البخاري باباً، تحت عنوان : بَاب الْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى" فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ " .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح البخاري، رقم 1933، وابن ماجه برقم 1826
[2] يوسف القرضاوي: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، 40
[3] رواه أبو داود، برقم 1398، وابن ماجه 2189 ، وضعفه الألباني .
[4] رواه القضاعي، في مسند الشهاب من حديث عبد الله بن عمرو، برقم 278..
[5] صحيح – رواه أحمد 12038 عن أنس ، قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين
[6] صحيح – رواه البخاري 1930 عن الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَاب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ.
[7]حسن - رواه الترمذي عن أبي سعيد، برقم 1130 وحسنه . .