وفي نظام الزكاة رحمة عملية للفقراء ..
فالحكومة الإسلامية تحّصل زكاة المال من الأغنياء لتردها إلى فقراء الشعب..
فلما بَعث النبيُ ~ صلى الله عليه و سلم ~ معاذَ بن جبل إلى اليمن ، أوصاه الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~ قائلاً : " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" [1] ..
وتعرف الزكاة بأنها الجزء المخصص للفقير والمحتاج من أموال الغنى . وتحسب الزكاة كنسبة 2.5% من المدخرات السنوية إذا تعدت قيمة معينة تعرف بالنصاب .
والزكاة مشتقة في اللغة العربية من زكا والتى تعنى النماء والطهارة والبركة. فإخراج الزكاة طهرة لأموال المسلم وقربة إلى الله تعالى يزداد بها ومجتمعه بركة وصلاحًا .
إذ ينظر الإسلام إلى مال المسلم الغني كأمانة استأمنه الله عليها ينبغي عليه أن يؤدى حقها ويستعملها فيما يرضى الله تعالى .
والزكاة في الإسلام هى أول نظام عرفته البشرية لتحقيق الرعاية للمحتاجين والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع حيث يعاد توزيع جزء من ثروات الأغنياء على الطبقات الفقيرة والمحتاجين .
وخول "الفقراء حق أخذها إذا امتنع الأغنياء من دفعها طوعاً"، كما بين "ليورودتن" [2] .
وتؤدى الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع وتكافل أفراده والقضاء على الفقر وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية واقتصادية وأخلاقية إذا أحسن استغلال أموال الزكاة وصرفها لمستحقيها .
وفي الزكاة يقول "ول ديورانت" :
".. لسنا نجد في التاريخ كله مصلحًا فرض على الأغنياء من (الضرائب) [3] ما فرضه عليهم محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ لإعانة الفقراء.." [4] .
ويفصِّل "جاك ريسلر" القول في فضائل الزكاة فيقول :
"كانت الزكاة قبل كل شيء عملاً تعاونيًا حرًا وإداريًا ينظر إليه على أنه فضيلة كبرى. "وفي تنظيم جماعة (المدينة) اعتد النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ هذا العمل الخير كضريبة شرعية إجبارية لصالح الفقراء والمعوزين. وسيتحول فيما بعد هذا النظام وسيتولد عنه هيئة من موظفين وبيت مال.. لكن إذا كانت الدولة قد صنعت هذا العمل الخيّر مصدرًا لمواردها، فإن مبدأ الزكاة ظل – بفضل القرآن – فضيلة مارسها المسلمون تلقائيًا بوصفه واجبًا دينيًا. وينبغي أن نزجي الثناء لمحمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ فقد كان أول من شرع ضريبة تجبى من الأغنياء للفقراء، هكذا أوجد القرآن الرحمة الإجبارية !" [5] .
وما أجمل ما قاله بنكمرت [6] في وصفه لنظام الزكاة، حين قال : "لم أجد دينًا وضع للزكاة تشريعًا شاملاً كالإسلام. والمجتمع الإسلامي الذي يحرص على إخراج الزكاة يخلو من الفقر والحرمان والتشرد.. إنني أتصور لو أن العالم كله اهتدى إلى الإسلام لما بقي على ظهر الأرض جائع أو محروم ! ! والمجتمع المسلم الذي يلتزم بأحكام الإسلام وآدابه مجتمع نظيف سعيد تنعدم فيه الجرائم بكافة ألوانها." [7]
من ناحية أخرى ، فقد حذر سيدنا محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ من مغبة منع الزكاة وتوعد مانع الزكاة بالعذاب الشنيع يوم القيامة، فقال ~ صلى الله عليه و سلم ~
"من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع [ نوع من الثعابين ] له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ( يعني شدقيه ) ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ".. ثم تلا النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة [ [آل عمران : الآية 180] " [8] .
وقال مرغبلاً في فريضة الزكاة :"من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره" [9] .
وقال ~ صلى الله عليه و سلم ~ "ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان : من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره" [10] .
وقال ~ صلى الله عليه و سلم ~ : "من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله غرمة من غرمات ربنا . لايحل لآل محمد منها شيء" [11].
------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح ـ وهو في الإرواء، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر، ص 36.
[2] انظر: محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، ص176
[3] الصحيح : الزكاة والصدقات
[4] ول ديورانت : قصة الحضارة ، 13 / 59.
[5] جاك ريسلر : الحضارة العربية، ص43
[6] بريشا بنكمرت (عثمان عبد الله ) : تربوي ، بمملكة تايلاند، نشأ في أسرة بوذية، راح يبحث، بعد إكمال دراسته، عن دين يجدر أن يكون "دين البشرية ودين الحياة"، كما يصفه، وفي مطلع عام 1971 أعلن إسلامه، وغير اسمه إلى عثمان عبد الله.
[7] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 3 / 115
[8] صحيح ـ أخرجه البخاري، برقم 1315، والنسائي برقم 8307 وأحمد، برقم 8307 عن أبي هريرة.
[9] حسن لغيره - رواه الطبراني في الأوسط واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم مختصرا: " إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره " وقال صحيح على شرط مسلم، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، صحيح لغيره، برقم 743.
[10] صحيح لغيره – رواه ابو داوود، برقم 1349، والبيهقي في شعب الإيمان يرقم 3148، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب :صحيح لغيره، برقم 750
[11] حسن – رواه النسائي برقم 2401، وأحمد برقم 19183، وحسنه الألباني في تخريج مشكلة الفقر، برقم 64.