عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 
فصل ذكر حكم رسول الله في الولد من أحق به في الحضانة


روى أبو داود في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو بن أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء له حواء وإن أباه طلقني فأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله أنت أحق ما لم تنكحي ، وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وجعفر وزيد علي أنا أحق بها وهي ابنة عمي وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي وقال زيد ابنة فقضى بها رسول الله لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم

 


وروى أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله خير غلاما بين وأمه قال الترمذي حديث صحيح وروى أهل السنن أيضا عنه أن امرأة جاءت فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله استهما عليه فقال من يحاقني في ولدي فقال رسول الله هذا أبوك وهذه أمك وخذ بيد أيهما شئت بيد أمه فانطلقت به قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي سنن النسائي عن عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده أن جده أسلم وأبت أن تسلم فجاء بابن له صغير لم يبلغ قال فأجلس النبي الأب هاهنا والأم ثم خيره وقال اللهم اهده فذهب إلى أبيه ورواه أبو داود عنه وقال أخبرني جدي رافع بن سنان أنه أسلم   امرأته أن تسلم فأتت النبي فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي له رسول الله اقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية فأقعد الصبية بينهما ثم قال فمالت إلى أمها فقال النبي اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها

 

 


الكلام على هذه الأحكام


أما الحديث الأول فهو حديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب ولم يجدوا بدا من هنا به ومدار الحديث عليه وليس عن النبي حديث في سقوط الحضانة بالتزويج هذا وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم وقد صرح بأن الجد هو عبدالله بن عمرو قول من يقول لعله محمد والد شعيب فيكون الحديث مرسلا وقد صح سماع شعيب من جده بن عمرو فبطل قول من قال إنه منقطع وقد احتج به البخاري خارج صحيحه ونص صحة حديثه وقال كان عبدالله بن الزبير الحميدي وأحمد وإسحاق وعلي بن عبدالله بحديثه فمن الناس بعدهم هذا لفظه

 

 

وقال إسحاق بن راهويه هو عندنا كأيوب عن نافع عن ابن عمر وحكى الحاكم في علوم له الإتفاق على صحة حديثه وقال أحمد بن صالح لا يختلف على عبدالله أنها وقولها كان بطني وعاء إلى آخره إدلاء منها وتوسل إلى  به كما اختص بها في هذه المواطن الثلاثة والأب لم يشاركها في ذلك فنبهت هذا الإختصاص الذي لم يشاركها فيه الأب على الإختصاص الذي طلبته بالإستفتاء وفي هذا دليل على اعتبار المعاني والعلل وتأثيرها في الأحكام وإناطتها بها وأن أمر مستقر في الفطر السليمة حتى فطر النساء وهذا الوصف الذي أدلت به المرأة سببا لتعليق الحكم به قد قرره النبي ورتب عليه أثره ولو كان باطلا ألغاه ترتيبه الحكم عقيبه دليل على تأثيره فيه وأنه سببه واستدل بالحديث على القضاء على الغائب فإن الأب لم يذكر له حضور ولا مخاصمة ولا فيه لأنها واقعة عين فإن كان الأب حاضرا فظاهر وإن كان غائبا فالمرأة إنما مستفتية أفتاها النبي بمقتضى مسألتها وإلا فلا يقبل قولها على الزوج إنه حتى يحكم لها بالولد بمجرد قولها

 

 

فصل


ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب ما لم بالأم ما يمنع تقديمها أو بالولد وصف يقتضي تخييره وهذا ما لا يعرف فيه نزاع قضى به خليفة رسول الله أبو بكر على عمر بن الخطاب ولم ينكر عليه منكر فلما عمر قضى بمثله فروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن يقول كانت عند عمر بن الخطاب رضي الله  امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم إن عمر فارقها فجاء عمر قباء فوجد عاصما يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال عمر ابني وقالت ابني فقال أبو بكر رضي الله عنه خل بينها وبينه فما راجعه عمر الكلام قال ابن عبد البر هذا خبر مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه أهل العلم بالقبول وزوجة عمر أم ابنه عاصم هي جميلة ابنة عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري قال وفيه دليل على أن عمر كان مذهبه في ذلك خلاف أبي بكر ولكنه سلم للقضاء ممن له والإمضاء ثم كان بعد في خلافته يقضي به ويفتي ولم يخالف أبا بكر في شيء منه دام الصبي صغيرا لا يميز ولا مخالف لهما من الصحابة وذكر عبدالرزاق عن ابن جريج أنه أخبره عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال طلق عمر الخطاب امرأته الأنصارية أم ابنه عاصم فلقيها تحمله بمحسر وقد فطم ومشى فأخذ لينتزعه منها ونازعها إياه حتى أوجع الغلام وبكى وقال أنا أحق بابني منك إلى أبي بكر فقضى لها به وقال ريحها وفراشها وحجرها خير له منك حتى يشب لنفسه ومحسر سوق بين قباء والمدينة   وذكر عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال خاصمت امرأة عمر عمر إلى أبي بكر رضي الله وكان طلقها فقال أبو بكر رضي الله عنه الأم أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف هي بولدها ما لم تتزوج وذكر عن معمر قال سمعت الزهري يقول إن أبا بكر قضى على عمر في ابنه مع أمه وقال أحق به ما لم تتزوج فإن قيل فقد اختلفت الرواية هل كانت المنازعة وقعت بينه وبين الأم أولا ثم بينه الجدة أو وقعت مرة واحدة بينه وبين إحداهما قيل الأمر في ذلك قريب لأنها إن كانت من الأم فواضح وإن كانت من الجدة فقضاء رضي الله عنه لها يدل على أن الأم أولى

 

 

 

فصل


والولاية على الطفل نوعان نوع يقدم فيه الأب على الأم ومن في جهتها وهي ولاية والنكاح ونوع تقدم فيه الأم على الأب وهي ولاية الحضانة والرضاع وقدم كل من فيما جعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد وتوقف مصلحته على من يلي ذلك من وتحصل به كفايته    ولما كان النساء أعرف بالتربية وأقدر عليها وأصبر وأرأف وأفرغ لها لذلك قدمت الأم على الأب
ولما كان الرجال أقوم بتحصيل مصلحة الولد والإحتياط له في البضع قدم الأب فيها الأم فتقديم الأم في الحضانة من محاسن الشريعة والإحتياط للأطفال والنظر لهم الأب في ولاية المال والتزويج كذلك إذا عرف هذا فهل قدمت الأم لكون جهتها مقدمة على جهة الأبوة في الحضانة فقدمت الأمومة أو قدمت على الأب لكون النساء أقوم بمقاصد الحضانة والتربية من فيكون تقديمها لأجل الأنوثة ففي هذا للناس قولان وهما في مذهب أحمد يظهر في تقديم نساء العصبة على أقارب الأم أو بالعكس كأم الأم وأم الأب والأخت الأب والأخت من الأم والخالة والعمة وخالة الأم وخالة الأب ومن يدلي من الخالات بأم ومن يدلي منهن بأب ففيه روايتان عن الإمام أحمد إحداهما تقديم أقارب على أقارب الأب والثانية وهي أصح دليلا واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية تقديم الأب وهذا هو الذي ذكره الخرقي في مختصره فقال والأخت من الأب أحق من الأخت الأم وأحق من الخالة وخالة الأب أحق من خالة الأم وعلى هذا فأم الأب مقدمة على الأم كما نص عليه أحمد في إحدى الروايتين عنه وعلى هذه الرواية فأقارب الأب من الرجال مقدمون على أقارب الأم والأخ للأب أحق من للأم والعم أولى من الخال هذا إن قلنا إن لأقارب الأم من الرجال مدخلا في وفي ذلك وجهان في  أحمد والشافعي أحدهما أنه لا حضانة إلا لرجل من العصبة محرم أو لامرأة وارثة مدلية بعصبة أو وارث

 

 

والثاني أن لهم الحضانة والتفريع على هذا الوجه وهو قول أبي حنيفة وهذا يدل على جهة الأبوة على جهة الأمومة في الحضانة وأن الأم إنما قدمت لكونها أنثى لا جهتها إذ لو كانت جهتها راجحة لترجح رجالها ونساؤها على الرجال والنساء من الأب ولما لم يترجح رجالها اتفاقا فكذلك النساء وما الفرق المؤثر وأيضا فإن أصول الشرع وقواعده شاهدة بتقديم أقارب الأب في الميراث وولاية النكاح الموت وغير ذلك ولم يعهد في الشرع تقديم قرابة الأم على قرابة الأب في حكم الأحكام فمن قدمها في الحضانة فقد خرج عن موجب الدليل

 

 

فالصواب في المأخذ هو أن الأم إنما قدمت لأن النساء أرفق بالطفل وأخبر بتربيته على ذلك وعلى هذا فالجدة أم الأب أولى من أم الأم والأخت للأب أولى من الأخت والعمة أولى من الخالة كما نص عليه أحمد في إحدى الروايتين وعلى هذا فتقدم أم على أب الأب كما تقدم الأم على الأب وإذا تقرر هذا الأصل فهو أصل مطرد منضبط لا تتناقض فروعه بل إن اتفقت القرابة واحدة قدمت الأنثى على الذكر فتقدم الأخت على الأخ والعمة على العم على الخال والجدة على الجد وأصله تقديم الأم على الأب وإن اختلفت القرابة قدمت قرابة الأب على قرابة الأم فتقدم   للأب على الأم للأم والعمة على الخالة وعمة الأب على خالته وهلم جرا وهذا هو الإعتبار الصحيح والقياس المطرد وهذا هو الذي قضى به سيد قضاة الإسلام كما روى وكيع في مصنفه عن الحسن بن عقبة عن سعيد بن الحارث قال اختصم عم وخال شريح في طفل فقضى به للعم فقال الخال أنا أنفق عليه من مالي فدفعه إليه شريح

 

 

ومن سلك غير هذا المسلك لم يجد بدا من التناقض مثاله أن الثلاثة وأحمد في إحدى يقدمون أم الأم على أم الأب ثم قال الشافعي في ظاهر مذهبه وأحمد في عنه تقدم الأخت للأب على الأخت للأم فتركوا القياس وطرده أبو حنيفة وابن سريج فقالوا تقدم الأخت للأم على الأخت للأب قالوا لأنها تدلي بالأم للأب بالأب فلما قدمت الأم على الأب قدم من يدلي بها على من يدلي به ولكن أشد تناقضا من الأول لأن أصحاب القول الأول جروا على القياس والأصول في تقديم الأب على قرابة الأم وخالفوا ذلك في أم الأم وأم الأب وهؤلاء تركوا القياس الموضعين وقدموا القرابة التي أخرها الشرع وأخروا القرابة التي قدمها ولم تقديمها في كل موضع فقدموها في موضع وأخروها في غيره مع تساويهما ومن ذلك الشافعي في الجديد الخالة على العمة مع تقديمه الأخت للأب على الأخت للأم قياسه في تقديم أم الأم على أم الأب فوجب تقديم الأخت للأم والخالة على الأخت والعمة وكذلك من قدم من أصحاب أحمد الخالة على العمة وقدم الأخت للأب على للأم كقول القاضي وأصحابه وصاحب المغني  تناقضوا فإن قيل الخالة تدلي بالأم والعمة تدلي بالأب فكما قدمت الأم على الأب قدم من بها ويزيده بيانا كون الخالة أما كما قال النبي فالعمة بمنزلة الأب قيل قد بينا أنه لم يقدم الأم على الأب لقوة الأمومة وتقديم هذه الجهة بل لكونها فإذا وجد عمة وخالة فالمعنى الذي قدمت له الأم موجود فيهما وامتازت العمة تدلي بأقوى القرابتين وهي قرابة الأب والنبي قضى بابنة حمزة لخالتها وقال أم حيث لم يكن لها مزاحم من أقارب الأب تساويها في درجتها فإن قيل فقد كان لها عمة وهي صفية بنت عبد المطلب أخت حمزة وكانت إذ ذاك موجودة المدينة فإنها هاجرت وشهدت الخندق وقتلت رجلا من اليهود كان يطيف بالحصن الذي فيه وهي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين وبقيت إلى خلافة عمر رضي الله عنه النبي الخالة عليها وهذا يدل على تقديم من في جهة الأم على من في جهة الأب قيل إنما يدل هذا إذا كانت صفية قد نازعت معهم وطلبت الحضانة فلم يقض لها بها بعد وقدم عليها الخالة هذا إذا كانت لم تمنع منها لعجزها عنها فإنها توفيت سنة عن ثلاث وسبعين سنة فيكون لها وقت هذه الحكومة بضع وخمسون سنة فيحتمل أنها لعجزها عنها ولم تطلبها مع قدرتها والحضانة حق للمرأة فإذا تركتها انتقلت غيرها وبالجملة فإنما يدل الحديث على تقديم الخالة على العمة إذا ثبت  صفية خاصمت في ابنة أخيها وطلبت كفالتها فقدم رسول الله الخالة وهذا لا سبيل

 

 

فصل


ومن ذلك أن مالكا لما قدم أم الأم على أم الأب قدم الخالة بعدها على الأب وأمه أصحابه في تقديم خالة الخالة على هؤلاء على وجهين فأحد الوجهين تقديم خالة على الأب نفسه وعلى أمه وهذا في غاية البعد فكيف تقدم قرابة الأم وإن بعدت الأب نفسه وعلى قرابته مع أن الأب وأقاربه أشفق على الطفل لمصلحته من قرابة الأم فإنه ليس إليهم بحال ولا ينسب إليهم بل هو أجنبي منهم نسبه وولاؤه إلى أقارب أبيه وهم أولى به يعقلون عنه وينفقون عليه عند ويتوارثون بالتعصيب وإن بعدت القرابة بينهم بخلاف قرابة الأم فإنه لا يثبت ذلك ولا توارث فيها إلا في أمهاتها وأول درجة من فروعها وهم ولدها فكيف تقدم القرابة على الأب ومن في جهته ولا سيما إذا قيل بتقديم خالة الخالة على الأب وعلى أمه فهذا القول مما تأباه أصول الشريعة وقواعدها وهذا نظير إحدى عن أحمد في تقديم الأخت على الأم والخالة على الأب وهذا أيضا في غاية ومخالفة القياس وحجة هذا القول أن كلتيهما تدليان بالأم المقدمة على الأب فتقدمان عليه وهذا ليس فإن الأم لما ساوت الأب في الدرجة وامتازت عليه بكونها أقوم بالحضانة وأقدر وأصبر قدمت عليه وليس كذلك الأخت من الأم والخالة مع الأب فإنهما لا   وليس أحد أقرب إلى ولده منه فكيف تقدم عليه بنت امرأته أو أختها وهل جعل الشفقة فيهما أكمل منه ثم اختلف أصحاب الإمام أحمد في فهم نصه هذا على ثلاثة أوجه أحدها إنما قدمها على الأب لأنوثتها فعلى هذا تقدم نساء الحضانة على كل رجل فتقدم الخالة وإن علت وبنت الأخت على الأب الثاني أن الخالة والأخت للأم لم تدليا بالأب وهما من أهل الحضانة فتقدم نساء على كل رجل إلا على من أدلين به فلا تقدمن عليه لأنهن فرعه فعلى هذا الوجه تقدم أم الأب على الأب ولا الأخت والعمة عليه وتقدم عليه أم الأم والخالة للأم وهذا أيضا ضعيف جدا إذ يستلزم تقديم قرابة الأم البعيدة على الأب وأمه أن الأب إذا قدم على الأخت للأب فتقديمه على الأخت للأم أولى لأن الأخت مقدمة عليها فكيف تقدم على الأب نفسه هذا تناقض بين الثالث تقديم نساء الأم على الأب وأمهاته وسائر من في جهته قالوا فعلى هذا فكل في درجة رجل تقدم عليه ويقدم من أدلى بها على من أدلى بالرجل فلما قدمت الأم الأب وهي في درجته قدمت الأخت من الأم على الأخت من الأب وقدمت الخالة على هذا تقرير ما ذكره أبو البركات ابن تيمية في محرره من تنزيل نص أحمد على هذه الثلاث وهو مخالف لعامة نصوصه في تقديم الأخت للأب على الأخت للأم وعلى وتقديم خالة الأب على خالة الأم وهو الذي لم يذكر الخرقي في مختصره غيره الصحيح وخرجها ابن عقيل على الروايتين في أم الأم وأم الأب ولكن نصه ما ذكره وهذه الرواية التي حكاها صاحب المحرر   مرجوحة فلهذا جاءت فروعها ولوازمها أضعف منها بخلاف سائر نصوصه في جادة

 

 

فصل
وقد ضبط بعض أصحابه هذا الباب بضابط فقال كل عصبة فإنه يقدم على كل امرأة هي أبعد ويتأخر عمن هي أقرب منه وإذا تساويا فعلى وجهين فعلى هذا الضابط يقدم الأب على وعلى أم الأم ومن معها ويقدم الأخ على ابنته وعلى العمة والعم على عمة الأب أم الأب على جد الأب وفي تقديمها على أب الأب وجهان وفي تقديم الأخت للأب الأخ للأب وجهان وفي تقديم العمة على العم وجهان والصواب تقديم الأنثى مع التساوي كما قدمت الأم على الأب لما استويا فلا وجه الذكر على الأنثى مع مساواتها له وامتيازها بقوة أسباب الحضانة والتربية واختلف في بنات الإخوة والأخوات هل يقدمن على الخالات والعمات أو تقدم الخالات عليهن على وجهين مأخذهما أن الخالة والعمة تدليان بأخوة الأم والأب وبنات والأخوات يدلين ببنوة الأب فمن قدم بنات الإخوة راعى قوة البنوة على الأخوة ذلك بجيد بل الصواب تقديم العمة والخالة لوجهين أحدهما أنها أقرب إلى الطفل من بنات أخيه فإن العمة أخت أبيه وابنة الأخ ابنة ابن وكذلك الخالة أخت أمه وبنت الأخت من   أو لأب بنت أمه أو أبيه ولا ريب أن العمة والخالة أقرب إليه من هذه القرابة الثاني أن صاحب هذا القول إن طرد أصله لزمه ما لا قبل له به من تقديم بنت بنت وإن نزلت على الخالة التي هي أم وهذا فاسد من القول وإن خص ذلك ببنت الأخت من سفل منها تناقض واختلف أصحاب أحمد أيضا في الجد والأخت للأب أيهما أولى فالمذهب أن الجد أولى وحكى القاضي في المجرد وجها أنها أولى منه وهذا يجيء على أحد التأويلات التي عليها الأصحاب نص أحمد وقد تقدمت

 

 


فصل


ومما يبين صحة الأصل المتقدم أنهم قالوا إذا عدم الأمهات ومن في جهتهن انتقلت إلى العصبات وقدم الأقرب فالأقرب منهم كما في الميراث فهذا جار على القياس لهم هلا راعيتم هذا في جنس القرابة فقدمتم القرابة القوية الراجحة على المرجوحة كما فعلتم في العصبات

وأيضا فإن الصحيح في الأخوات عندكم أنه يقدم منهن من كانت لأبوين ثم من كانت لأب من كانت لأم وهذا صحيح موافق للأصول والقياس لكن إذا ضم هذا إلى قولهم بتقديم الأم على قرابة الأب جاء التناقض وتلك الفروع المشكلة المتناقضة وأيضا فقد قالوا بتقديم أمهات الأب والجد على الخالات والأخوات   وهو الصواب الموافق لأصول الشرع لكنه مناقض لتقديمهم أمهات الأم على أمهات ويناقض تقديم الخالة والأخت للأم على الأب كما هو إحدى الروايتين عن أحمد الله والقول القديم للشافعي ولا ريب أن القول به أطرد للأصل لكنه في غاية من قياس الأصول كما تقدم ويلزمهم من طرده أيضا تقديم من كان من الأخوات لأم من كان منهن لأب وقد التزمه أبو حنيفة والمزني وابن سريج ويلزمهم من طرده أيضا بنت الخالة على الأخت للأب وقد التزمه زفر وهو رواية عن أبي حنيفة ولكن أبو استشنع ذلك فقدم الأخت للأب كقول الجمهور ورواه عن أبي حنيفة ويلزمهم أيضا من طرده تقديم الخالة والأخت للأم على الجدة أم الأب وهذا في غاية والوهن وقد التزمه زفر ومثل هذا من المقاييس التي حذر منها أبو حنيفة أصحابه لا تأخذوا بمقاييس زفر فإنكم إن أخذتم بمقاييس زفر حرمتم الحلال وحللتم

 

 

فصل


وقد رام بعض أصحاب أحمد ضبط هذا الباب بضابط زعم أنه يتخلص به من التناقض فقال في الحضانة بالولادة المتحققة وهي الأمومة ثم الولادة الظاهرة وهي الأبوة الميراث قال ولذلك تقدم الأخت من الأب على الأخت من الأم وعلى الخالة لأنها إرثا منهما قال ثم الإدلاء فتقدم الخالة على العمة لأن الخالة تدلي بالأم تدلي بالأب فذكر أربع أسباب للحضانة مرتبة الأمومة ثم بعدها الأبوة ثم الميراث ثم الإدلاء وهذه طريقة صاحب المستوعب   زادته هذه الطريقة إلا تناقضا وبعدا عن قواعد الشريعة وهي من أفسد الطرق وإنما فسادها بلوازمها الباطلة فإنه إن أراد بتقديم الأمومة على الأبوة تقديم من جهتها على الأب ومن في جهته كانت تلك اللوازم الباطلة المتقدمة من تقديم الأخت وبنت الخالة على الأب وأمه وتقديم الخالة على العمة وتقديم خالة الأم على وأمه وتقديم بنات الأخت من الأم على أم الأب وهذا مع مخالفته لنصوص إمامه فهو لأصول الشرع وقواعده وإن أراد أن الأم نفسها تقدم على الأب فهذا حق لكن الشأن في مناط هذا التقديم هل لكون الأم ومن في جهتها تقدم على الأب ومن في جهته أو لكونها أنثى في درجة ذكر أنثى كانت في درجة ذكر قدمت عليه مع تقديم قرابة الأب على قرابة الأم وهذا هو كما تقدم وكذلك قوله ثم الميراث إن أراد به أن المقدم في الميراث مقدم في فصحيح وطرده تقديم قرابة الأب على قرابة الأم لأنها مقدمة عليها في فتقدم الأخت على العمة والخالة وقوله وكذلك تقديم الأخت للأب على الأخت والخالة لأنها أقوى إرثا منهما فيقال لم يكن تقديمها لأجل الإرث وقوته ولو لأجل ذلك لكان العصبات أحق بالحضانة من النساء فيكون العم أولى من الخالة وهذا باطل

 


فصل


وقد ضبط الشيخ في المغني هذا الباب بضابط آخر فقال فصل في بيان الأولى فالأولى من الحضانة عند اجتماع الرجال والنساء   وأولى الكل بها الأم ثم أمهاتها وإن علون يقدم منهن الأقرب فالأقرب لأنهن نساء متحققة فهن في معنى الأم وعن أحمد أن أم الأب وأمهاتها يقدمن على أم الأم هذه الرواية يكون الأب أولى بالتقديم لأنهن يدلين به فيكون الأب بعد الأم ثم والأولى هي المشهورة عند أصحابنا فإن المقدم الأم ثم أمهاتها ثم الأب ثم ثم الجد ثم أمهاته ثم جد الأب ثم أمهاته وإن كن غير وارثات لأنهن يدلين من أهل الحضانة بخلاف أم أب الأم وحكي عن أحمد رواية أخرى أن الأخت من الأم والخالة أحق من الأب فتكون الأخت من أحق منه ومنهما ومن جميع العصبات والأولى هي المشهورة من المذهب فإذا الآباء والأمهات انتقلت الحضانة إلى الأخوات وتقدم الأخت من الأبوين ثم من الأب ثم الأخت من الأم وتقدم الأخت على الأخ لأنها امرأة من أهل الحضانة على من في درجتها من الرجال كالأم تقدم على الأب وأم الأب على أب الأب وكل في درجة جد تقدم عليه لأنها تلي الحضانة بنفسها والرجل لا يليها بنفسه وفيه وجه آخر أنه يقدم عليها لأنه عصبة بنفسه والأول أولى وفي تقديم الأخت من أو من الأب على الجد وجهان وإذا لم تكن أخت فالأخ للأبوين أولى ثم الأخ ثم ابناهما ولا حضانة للأخ من الأم لما ذكرنا فإذا عدموا صارت الحضانة للخالات على الصحيح وترتيبهن فيها كترتيب الأخوات ولا للأخوال فإذا عدموا صارت للعمات ويقدمن على الأعمام كتقديم الأخوات على ثم للعم للأبوين  

 

 و للعم للأب ولا حضانة للعم من الأم ثم ابناهما ثم إلى خالات الأب على قول الخرقي القول الآخر إلى خالات الأم ثم إلى عمات الأب ولا حضانة لعمات الأم لأنهن بأب الأم ولا حضانة له وإن اجتمع شخصان أو أكثر من أهل الحضانة في درجة قدم منهم بالقرعة انتهى كلامه وهذا خير مما قبله من الضوابط ولكن فيه تقديم أم الأم وإن علت على الأب وأمهاته طرد تقديم من في جهة الأم على من في جهة الأب جاءت تلك اللوازم الباطلة وهو لم وإن قدم بعض من في جهة الأب على بعض من في جهة الأم كما فعل طولب بالفرق التقديم وفيه إثبات الحضانة للأخت من الأم دون الأخ من الأم وهو في درجتها ومساو لها من وجه فإن كان ذلك لأنوثتها وهو ذكر انتقض برجال العصبة كلهم وإن كان ذلك لكونه من العصبة والحضانة لا تكون لرجل إلا أن يكون من العصبة قيل فكيف جعلتموها ذوي الأرحام مع مساوات قرابتهن لقرابة من في درجتهن من الذكور من كل وجه أن تعتبروا الأنوثة فلا تجعلوها للذكر أو الميراث فلا تجعلوها لغير وارث أو فلا تمنعوا منها الأخ من الأم والخال وأبا الأم أو التعصيب فلا تعطوها عصبة فإن قلتم بقي قسم آخر وهو قولنا وهو اعتبار التعصيب في الذكور والقرابة في النساء قيل هذا مخالف لباب الولايات وباب الميراث والحضانة ولاية على الطفل فإن سلكتم مسلك الولايات فخصوها بالأب والجد   سلكتم بها مسلك الميراث فلا تعطوها لغير وارث

 

 وكلاهما خلاف قولكم وقول الناس وفي كلامه أيضا تقديم ابن الأخ وإن نزلت درجته على الخالة التي هي أم وهو في غاية وجمهور الأصحاب إنما جعلوا أولاد الإخوة بعد أب الأب والعمات وهو الصحيح فإن أخت الأم وبها تدلي والأم مقدمة على الأب وابن الأخ إنما يدلي بالأخ الذي بالأب فكيف يقدم على الخالة وكذا العمة أخت الأب وشقيقته فكيف يقدم ابن ابنه وقد ضبط هذا الباب شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية بضابط آخر فقال أقرب ما يضبط به الحضانة أن يقال لما كانت الحضانة ولاية تعتمد الشفقة والتربية والملاطفة كان الناس بها أقومهم بهذه الصفات وهم أقاربه يقدم منهم أقربهم إليه وأقومهم بصفات فإن اجتمع منهم اثنان فصاعدا فإن استوت درجتهم قدم الأنثى على الذكر فتقدم الأم الأب والجدة على الجد والخالة على الخال والعمة على العم والأخت على الأخ فإن ذكرين أو انثيين قدم أحدهما بالقرعة يعني مع استواء درجتهما وإن اختلفت من الطفل فإن كانوا من جهة واحدة قدم الأقرب إليه فتقدم الأخت على ابنتها على خالة الأبوين وخالة الأبوين على خالة الجد والجدة والجد أبو الأم على للأم هذا هو الصحيح لأن جهة الأبوة والأمومة في الحضانة أقوى من جهة الأخوة وقيل يقدم الأخ للأم لأنه أقوى من أب الأم في الميراث والوجهان في مذهب أحمد وفيه وجه ثالث أنه لا حضانة للأخ من الأم بحال لأنه ليس من العصبات   من نساء الحضانة وكذلك الخال أيضا فإن صاحب هذا الوجه يقول لا حضانة له ولا أن أبا الأم وأمهاته أولى من الخال وإن كانوا من جهتين كقرابة الأم وقرابة مثل العمة والخالة والأخت للأب والأخت للأم وأم الأب وأم الأم وخالة الأب الأم قدم من في جهة الأب في ذلك كله على إحدى الروايتين فيه هذا كله إذا درجتهم أو كانت جهة الأب أقرب إلى الطفل وأما إذا كانت جهة الأم أقرب وقرابة أبعد كأم الأم وأم أب الأب وكخالة الطفل وعمة أبيه فقد تقابل الترجيحان ولكن الأقرب إلى الطفل لقوة شفقته وحنوه على شفقة الأبعد ومن قدم قرابة الأب فإنما مع مساواة قرابة الأم لها فأما إذا كانت أبعد منها قدمت قرابة الأم القريبة لزم من تقديم القرابة البعيدة لوازم باطلة لا يقول بها أحد فبهذا الضابط يمكن جميع مسائل هذا الباب وجريها على القياس الشرعي واطرادها وموافقتها لأصول فأي مسألة وردت عليك أمكن أخذها من هذا الضابط مع كونه مقتضى الدليل ومع من التناقض ومناقضة قياس الأصول وبالله التوفيق

 

 


فصل


وقوله أنت أحق به ما لم تنكحي فيه دليل على أن الحضانة حق للأم وقد اختلف هل هي للحاضن أم عليه على قولين في مذهب أحمد ومالك وينبني عليهما هل لمن الحضانة أن يسقطها فينزل عنها على قولين وأنه لا يجب عليه خدمة الولد أيام   بالأجرة إن قلنا الحق له وإن قلنا الحق عليه وجب خدمته مجانا وإن كان الحاضن فله الأجرة على القولين وإذا وهبت الحضانة للأب وقلنا الحق لها لزمت الهبة ولم ترجع فيها وإن قلنا الحق فلها العود إلى طلبها والفرق بين هذه المسألة وبين ما لم يثبت بعد كهبة الشفعة قبل البيع حيث لا تلزم أحد القولين أن الهبة في الحضانة قد وجد سببها فصار بمنزلة ما قد وجد وكذلك إذا المرأة نفقتها لزوجها شهرا ألزمت الهبة ولم ترجع فيها هذا كله كالأم أصحاب وتفريعهم والصحيح أن الحضانة حق لها وعليها إذا احتاج الطفل إليها ولم يوجد وإن اتفقت هي وولي الطفل على نقلها إليه جاز والمقصود أن في قوله أنت أحق دليلا على أن الحضانة حق لها

 


فصل


وقوله ما لم تنكحي اختلف فيه هل هو تعليل أو توقيت على قولين ينبني عليهما ما لو وسقطت حضانتها ثم طلقت فهل تعود الحضانة فإن قيل اللفظ تعليل عادت الحضانة لأن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها وعلة سقوط الحضانة التزويج فإن طلقت العلة فزال حكمها وهذا قول الأكثرين منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ثم اختلفوا فيما إذا كان الطلاق رجعيا هل يعود حقها بمجرده أو يتوقف عودها على العدة على قولين وهما في مذهب أحمد   أحدهما تعود بمجرده وهو ظاهر مذهب الشافعي والثاني لا تعود حتى تنقضي وهو قول أبي حنيفة والمزني وهذا كله تفريع على أن قوله ما لم تنكحي تعليل قول الأكثرين وقال مالك في المشهور من مذهبه إذا تزوجت ودخل بها لم يعد حقها الحضانة وإن طلقت قال بعض أصحابه وهذا بناء على أن قوله ما لم تنكحي للتوقيت أي من الحضانة موقت إلى حين نكاحك فإذا نكحت انقضى وقت الحضانة فلا تعود بعد وقتها كما لو انقضى وقتها ببلوغ الطفل واستغنائه عنها وقال بعض أصحابه يعود إذا فارقها زوجها كقول الجمهور وهو قول المغيرة وابن أبي حازم قالوا لأن لحقها من الحضانة هو قرابتها الخاصة وإنما عارضها مانع النكاح لما يوجبه إضاعة الطفل واشتغالها بحقوق الزوج الأجنبي منه عن مصالحه ولما فيه من تغذيته في نعمة غير أقاربه وعليهم في ذلك منة وغضاضة فإذا انقطع النكاح بموت أو زال المانع والمقتضي قائم فترتب عليه أثره وهكذا كل من قام به من أهل الحضانة منها ككفر أو رق أو فسق أو بدو فإنه لا حضانة له فإن زالت الموانع عاد حقهم الحضانة فهكذا النكاح والفرقة وأما النزاع في عود الحضانة بمجرد الطلاق الرجعي أو بوقفه على انقضاء العدة كون الرجعية زوجة في عامة الأحكام فإنه يثبت بينهما التوارث والنفقة ويصح الظهار والإيلاء ويحرم أن ينكح عليها أختها أو عمتها أو خالتها أو أربعا وهي زوجة فمن راعى ذلك لم تعد إليها الحضانة بمجرد الطلاق الرجعي حتى تنقضي فتبين حينئذ ومن أعاد الحضانة بمجرد الطلاق قال  عزلها عن فراشه ولم يبق لها عليه قسم ولا لها به شغل والعلة التي سقطت الحضانة قد زالت بالطلاق وهذا هو الذي رجحه الشيخ في المغني وهو ظاهر كلام الخرقي قال وإذا أخذ الولد من الأم إذا تزوجت ثم طلقت رجعت على حقها من كفالته

 

 

فصل


وقوله ما لم تنكحي اختلف فيه هل المراد به مجرد العقد أو العقد مع الدخول وفي ذلك أحدهما أن بمجرد العقد تزول حضانتها وهو قول الشافعي وأبي حنيفة لأنه بالعقد الزوج منافع الإستمتاع بها ويملك نفعها من حضانة الولد والثاني أنها لا تزول بالدخول وهو قول مالك فإن بالدخول يتحقق اشتغالها عن الحضانة والحديث يحتمل والأشبه سقوط حضانتها بالعقد لأنها حينئذ صارت في مظنة الإشتغال عن الولد للدخول وأخذها حينئذ في أسبابه وهذا قول الجمهور

 

 

فصل


واختلف الناس في سقوط الحضانة بالنكاح على أربعة أقوال أحدها سقوطها به مطلقا سواء كان المحضون ذكرا أو أنثى وهذا مذهب الشافعي ومالك حنيفة وأحمد في المشهور عنه

قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم وقضى به شريح


والقول الثاني أنها لا تسقط بالتزويج بحال ولا فرق في الحضانة بين الأيم وذوات وحكي هذا المذهب عن الحسن البصري وهو قول أبي محمد بن حزم القول الثالث أن الطفل إن كان بنتا لم تسقط الحضانة بنكاح أمها وإن كان ذكرا سقطت إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله نص عليه في رواية مهنا بن يحيى الشامي فقال تزوجت الأم وابنها صغير أخذ منها قيل له والجارية مثل الصبي قال لا الجارية مع أمها إلى سبع سنين وعلى هذه الرواية فهل تكون عندها إلى سبع سنين أو إلى تبلغ على روايتين قال ابن أبي موسى وعن أحمد أن الأم أحق بحضانة البنت وإن إلى أن تبلغ والقول الرابع أنها إذا تزوجت بنسيب من الطفل لم تسقط حضانتها ثم اختلف أصحاب هذا على ثلاثة أقوال أحدها أن المشترط أن يكون الزوج نسيبا للطفل فقط وهذا ظاهر أصحاب أحمد الثاني أنه يشترط أن يكون مع ذلك ذا رحم محرم وهو قول أصحاب أبي الثالث أنه يشترط أن يكون بين الزوج وبين الطفل إيلاد بأن يكون جدا للطفل قول مالك وبعض أصحاب أحمد فهذا تحرير المذاهب في هذه المسألة فأما حجة من أسقط الحضانة بالتزويج مطلقا فثلاث حجج إحداها حديث عمرو بن شعيب المتقدم ذكره الثانية اتفاق الصحابة على ذلك وقد تقدم الصديق لعمر هي أحق به ما لم تتزوج وموافقة عمر له على ذلك ولا مخالف لهما من ألبتة وقضى به شريح والقضاة بعده إلى اليوم في سائر الأعصار والأمصار

 


الثالثة ما رواه عبدالرزاق حدثنا ابن جريج حدثنا أبو الزبير عن رجل صالح من أهل عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال كانت امرأة من الأنصار تحت رجل من الأنصار عنها يوم أحد وله منها ولد فخطبها عم ولدها ورجل آخر إلى أبيها فأنكح الآخر إلى النبي فقالت أنكحني أبي رجلا لا أريده وترك عم ولدي فيؤخذ مني ولدي رسول الله أباها فقال أنكحت فلانا فلانة قال نعم قال أنت الذي لا نكاح لك فانكحي عم ولدك فلم ينكر أخذ الولد منها لما تزوجت بل أنكحها عم الولد لتبقى الحضانة ففيه دليل على سقوط الحضانة بالنكاح وبقائها إذا تزوجت بنسيب من الطفل أبو محمد ابن حزم على هذا الإستدلال بأن حديث عمرو بن شعيب صحيفة وحديث أبي هذا مرسل وفيه مجهول وهذان الإعتراضان ضعيفان فقد بينا احتجاج الأئمة بعمرو تصحيحهم حديثه وإذا تعارض معنا في الإحتجاج برجل قول ابن حزم وقول البخاري وابن المديني والحميدي وإسحاق بن راهويه وأمثالهم لم يلتفت إلى سواهم وأما حديث أبي سلمة هذا فإن أبا سلمة من كبار التابعين وقد حكى القصة عن ولا ينكر لقاؤه لها فلا يتحقق الإرسال ولو تحقق فمرسل جيد له شواهد وموقوفة وليس الإعتماد عليه وحده وعنى بالمجهول الرجل الصالح الذي شهد له الزبير بالصلاح ولا ريب أن هذه الشهادة لا تعرف به ولكن المجهول إذا عدله عنه الثقة ثبتت عدالته وإن كان واحدا على أصح القولين فإن التعديل من باب  

 


والحكم لا من باب الشهادة ولا سيما التعديل في الرواية فإنه يكتفي فيه ولا يزيد على أصل نصاب الرواية هذا مع أن أحد القولين إن مجرد رواية العدل غيره تعديل له وإن لم يصرح بالتعديل كما هو إحدى الروايتين عن أحمد وأما إذا عنه وصرح بتعديله فقد خرج عن الجهالة التي ترد لأجلها روايته لا سيما إذا لم معروفا بالرواية عن الضعفاء والمتهمين وأبو الزبير وإن كان فيه تدليس فليس بالتدليس عن المتهمين والضعفاء بل تدليسه من جنس تدليس السلف لم يكونوا عن متهم ولا مجروح وإنما كثر هذا النوع من التدليس في المتأخرين واحتج أبو محمد على قوله بما رواه من طريق البخاري عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس قدم رسول الله المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي وانطلق بي إلى رسول فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر الخبر

 


قال أبو محمد فهذا أنس في حضانة أمه ولها زوج وهو أبو طلحة بعلم رسول الله وهذا في غاية السقوط والخبر في غاية الصحة فإن أحدا من أقارب أنس لم ينازع أمه إلى النبي وهو طفل صغير لم يثغر ولم يأكل وحده ولم يشرب وحده ولم يميز وأمه فحكم به لأمه وإنما يتم الإستدلال بهذه المقدمات كلها والنبي لما قدم كان لأنس   العمر عشر سنين فكان عند أمه فلما تزوجت أبا طلحة لم يأت أحد من أقارب أنس في ولدها ويقول قد تزوجت فلا حضانة لك وأنا أطلب انتزاعه منك ولا ريب أنه يحرم على المرأة المزوجة حضانة ابنها إذا اتفقت هي والزوج وأقارب الطفل على ذلك ريب أنه لا يجب بل لا يجوز أن يفرق بين الأم وولدها إذا تزوجت من غير أن من له الحضانة ويطلب انتزاع الولد فالإحتجاج بهذه القصة من أبعد الإحتجاج ونظير هذا أيضا احتجاجهم بأن أم سلمة لما تزوجت برسول الله لم تسقط كفالتها بل استمرت على حضانتها فيا عجبا من الذي نازع أم سلمة في ولدها ورغب عن أن في حجر النبي واحتج لهذا القول أيضا بأن رسول الله قضى بابنة حمزة لخالتها وهي مزوجة بجعفر ريب أن للناس في قصة ابنة حمزة ثلاث مآخذ أحدها أن النكاح لا يسقط الحضانة الثاني أن المحضونة إذا كانت بنتا فنكاح أمها لا حضانتها ويسقطها إذا كان ذكرا الثالث أن الزوج إذا كان نسيبا من الطفل لم حضانتها وإلا سقطت فالإحتجاج بالقصة على أن النكاح لا يسقط الحضانة مطلقا لا إلا بعد إبطال ذينك الإحتمالين الآخرين

 


فصل


وقضاؤه بالولد لأمه وقوله أنت أحق به مالم تنكحي لا يستفاد منه عموم القضاء لكل حتى يقضي به للأم وإن كانت كافرة   رقيقة أو فاسقة أو مسافرة فلا يصح الإحتجاج به على ذلك ولا نفيه فإذا دل دليل على اعتبار الإسلام والحرية والديانة والإقامة لم يكن ذلك تخصيصا ولا مخالفة الحديث وقد اشترط في الحاضن ستة شروط اتفاقهما في الدين فلا حضانة لكافر على مسلم لوجهين أحدهما أن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه وأن ينشأ عليه ويتربى عليه فيصعب كبره وعقله انتقاله عنه وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده فلا أبدا كما قال النبي كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه يمجسانه فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم فإن قيل الحديث إنما جاء في الأبوين خاصة قيل الحديث خرج مخرج الغالب إذ الغالب المعتاد نشوء الطفل بين أبويه فإن فقد أو أحدهما قام ولي الطفل من أقاربه مقامهما الوجه الثاني أن الله سبحانه قطع الموالاة بين المسلمين والكفار وجعل المسلمين أولياء بعض والكفار بعضهم من بعض والحضانة من أقوى أسباب الموالاة التي الله بين الفريقين وقال أهل الرأي وابن القاسم وأبو ثور تثبت الحضانة لها مع وإسلام الولد واحتجوا بما روى النسائي في سننه من حديث عبد الحميد بن جعفر أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم على النبي فقالت ابنتي وهي فطيم أو يشبهه وقال رافع ابنتي فقال النبي اقعد وقال لها اقعدي ناحية وقال لهما ادعواها فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها قالوا ولأن الحضانة لأمرين الرضاع وخدمة الطفل وكلاهما يجوز من الكافرة قال الآخرون هذا الحديث من رواية عبد الحميد بن جعفر بن عبدالله بن الحكم بن رافع سنان الأنصاري الأوسي وقد ضعفه إمام العلل يحيى بن سعيد القطان وكان سفيان يحمل عليه وضعف ابن المنذر الحديث وضعفه غيره وقد اضطرب في القصة فروى أن كان بنتا وروى أنه كان ابنا

 

 

 وقال الشيخ في المغني وأما الحديث فقد روي على هذا الوجه ولا يثبته أهل النقل وفي إسناده مقال قاله ابن المنذر ثم إن الحديث قد يحتج به على صحة مذهب من اشترط الإسلام فإن الصبية لما مالت إلى دعا النبي لها بالهداية فمالت إلى أبيها وهذا يدل على أن كونها مع الكافر هدى الله الذي أراده من عباده ولو استقر جعلها مع أمها لكان فيه حجة بل أبطله سبحانه  رسوله ومن العجب أنهم يقولون لا حضانة للفاسق فأي فسق أكبر من الكفر وأين الضرر المتوقع الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقع من الكافر مع أن الصواب أنه تشترط العدالة في الحاضن قطعا وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم واشتراطها غاية البعد ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم ولعظمت المشقة على واشتد العنت ولم يزل من حين قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم الأكثرين ومتى وقع في الإسلام انتزاع من أبويه أو أحدهما بفسقه وهذا في الحرج والعسر واستمرار العمل المتصل في الأمصار والأعصار على خلافه بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح فإنه دائم في الأمصار والأعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك ولم يزل الفسق في الناس ولم يمنع النبي ولا أحد من الصحابة فاسقا من تربية وحضانته له ولا من تزويجه موليته والعادة شاهدة بأن الرجل ولو كان من الفساق يحتاط لابنته ولا يضيعها ويحرص على الحير لها بجهده وإن قدر خلاف ذلك فهو بالنسبة إلى المعتاد والشارع يكتفي في ذلك بالباعث الطبيعي ولو كان الفاسق الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور واعتناء الأمة وتوارث العمل به مقدما على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به فكيف يجوز تضييعه واتصال العمل بخلافه ولو كان الفسق ينافي الحضانة لكان من زنى أو شرب أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره والله أعلم

 

 


العقل مشترط في الحضانة فلا حضانة لمجنون ولا معتوه ولا طفل لأن هؤلاء يحتاجون من يحضنهم ويكفلهم فكيف يكونون كافلين لغيرهم وأما اشتراط الحرية فلا ينتهض عليه دليل يركن القلب إليه وقد اشترطه أصحاب الأئمة وقال مالك في حر له ولد من أمة إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون أحق بها وهذا هو الصحيح لأن النبي قال لا توله والدة عن ولدها وقال من فرق الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وقد قالوا لا يجوز التفريق في البيع بين الأم وولدها الصغير فكيف يفرقون بينهما الحضانة وعموم الأحاديث تمنع من التفريق مطلقا في الحضانة والبيع واستدلالهم منافعها مملوكة للسيد فهي مستغرقة في خدمته فلا تفرغ لحضانة الولد ممنوع بل الحضانة لها تقدم به في أوقات حاجة الولد على حق السيد كما في البيع سواء وأما خلوها من النكاح فقد تقدم وهاهنا مسألة ينبغي التنبيه عليها وهي أنا إذا أسقطنا حقها من الحضانة بالنكاح إلى غيرها فاتفق أنه لم يكن له سواها لم يسقط حقها من الحضانة وهي أحق به الأجنبي الذي يدفعه القاضي إليه وتربيته في حجر أمه ورأيه أصلح من تربيته في أجنبي محض   قرابة بينهما توجب شفقته ورحمته وحنوه ومن المحال أن تأتي الشريعة بدفع مفسدة أعظم منها بكثير والنبي لم يحكم حكما عاما كليا أن كل امرأة تزوجت سقطت في جميع الأحوال حتى يكون إثبات الحضانة للأم في هذه الحالة مخالفة للنص وأما اتحاد الدار فإن كان سفر أحدهما لحاجة ثم يعود والآخر مقيم فهو أحق به لأن بالولد الطفل ولا سيما إن كان رضيعا إضرار به وتضييع له هكذا أطلقوه ولم سفر الحج من غيره وإن كان أحدهما منتقلا عن بلد الآخر للإقامة والبلد مخوفان أو أحدهما فالمقيم أحق وإن كان هو وطريقه آمنين ففيه قولان وهما عن أحمد إحداهما أن الحضانة للأب ليتمكن من تربية الولد وتأديبه وتعليمه قول مالك والشافعي وقضى به شريح والثانية أن الأم أحق وفيها قول ثالث أن إن كان هو الأب فالأم أحق به وإن كان الأم فإن انتقلت إلى البلد الذي كان أصل النكاح فهي أحق به وإن انتقلت إلى غيره فالأب أحق وهو قول الحنفية وحكوا أبي حنيفة رواية أخرى أن نقلها إن كان من بلد إلى قرية فالأب أحق وإن كان من إلى بلد فهي أحق وهذه أقوال كلها كما ترى لا يقوم عليها دليل يسكن القلب إليه النظر والإحتياط للطفل في الأصلح له والأنفع من الإقامة أو النقلة فأيهما أنفع له وأصون وأحفظ روعي ولا تأثير لإقامة ولا نقلة هذا كله ما لم يرد أحدهما مضارة الآخر وانتزاع الولد منه فإن أراد ذلك لم يجب إليه والله الموفق

 

 

فصل


وقوله أنت أحق به ما لم تنكحي قيل فيه إضمار تقديره ما لم تنكحي ويدخل بك الزوج الحاكم بسقوط الحضانة وهذا تعسف بعيد لا يشعر به اللفظ ولا يدل عليه بوجه ولا هو من دلالة الإقتضاء تتوقف صحة المعنى عليها والدخول داخل في قوله تنكحي عند من اعتبره فهو كقوله ( حتى تنكح زوجا غيره ) ومن لم يعتبره فالمراد بالنكاح عنده العقد وأما حكم الحاكم بسقوط الحضانة فذاك إنما يحتاج إليه عند التنازع والخصومة بين فيكون منفذا لحكم رسول الله لا أن رسول الله أوقف سقوط الحضانة على بل قد حكم هو بسقوطها حكم به الحكام بعده أو لم يحكموا والذي دل عليه هذا النبوي أن الأم أحق بالطفل ما لم يوجد منها النكاح فإذا نكحت زال ذلك وانتقل الحق إلى غيرها فأما إذا طلبه من له الحق وجب على خصمه أن يبذله فإن امتنع أجبره الحاكم عليه وإن أسقط حقه أو لم يطالب به بقي على ما كان عليه فهذه قاعدة عامة مستفادة من غير هذا الحديث

 

 

فصل
وقد احتج من لا يرى التخيير بين الأبوين بظاهر هذا الحديث ووجه الإستدلال أنه قال أحق به ولو خير الطفل لم تكن


أحق به إلا إذا اختارها كما أن الأب لا يكون أحق به إلا إذا اختاره فإن قدر أنت به إن اختارك قدر ذلك في جانب الأب والنبي جعلها أحق به مطلقا عند المنازعة مذهب أبي حنيفة ومالك ونحن نذكر هذه المسألة ومذاهب الناس فيها والإحتجاج ونرجح ما وافق حكم رسول الله منها




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق