فمن نماذج رحمته ~ صلى الله عليه و سلم ~ في التربية ما رواه مُعَاوِيَةَ بنِ الْحَكَمِ السّلَمِيّ قال: صَلّيْتُ مَع رسولِ الله ~ صلى الله عليه و سلم ~فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ. فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله, فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَيّاهُ ! مَا شَأْنُكُم تَنْظُرونَ إلَيّ؟ ! قال:
فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأيْدِيهِمْ عَلَى أفْخَاذِهِمْ فَعَرَفْتُ أنّهُمْ يُصَمّتُونِي، فَلَمّا رَأيْتُهُمْ يُسكّتُونِي سكَتّ، فَلَمّا صَلّى رسولُ الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ - بِأبِي وَأُمّي - مَا ضَرَبَني وَلا قهَرَني وَلا سَبّنِي. ثُمّ قال:"إنّ هَذِهِ الصّلاَةَ لا يَحِلّ فيها شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النّاسِ هَذَا. إنّمَا هُوَ التّسْبِيحُ وَالتّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" [1] .
ومن أعاجيب المواقف التي تدل على سعة صدره ورحمته للمتعلمين، قصة الأعرابي الذي بال في المسجد.. فعن أنس قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ إذ جاء أعرابي [2] فقام يبول في المسجد وأصحاب الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~ يصيحون به: مه مه! (أي اترك)، فقال رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~: "لا تزرموه دعوه!" (لا تقطعوا عليه بولته)، فترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله، ثم دعا الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~ الأعرابي، فقال رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ للأعرابي: " إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر؛ إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن". وهنا قال رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ لإصحابه: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه دلوا من الماء". فقال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا!!! فقال الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~: "لقد تحجرت واسعًا، (أي ضيقت واسعًا)" [3] .
وهكذا نرى نبي الرحمة ~ صلى الله عليه و سلم ~ في مثل هذه المواقف، التي يغلب عليها الجانب التربوي السمح، لا الجو العسكري الصارم . وإن كان رسول الله~ صلى الله عليه و سلم ~ هو "الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد" [4] في آن واحد .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح - أخرجه مسلم في الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ماكان من إباحة.
[2] هو ذو الخويصرة اليماني رضي الله عنه.
[3] متفقٌ عليه، صحيح البخاري، باب صب الماء على البول في المسجد، رقم 217
[4] هذه العبارة لفيليب حتي: الإسلام منهج حياة ، ص 56
المقال السابق
المقال التالى