عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 
فصل في حكمه في قسمة الأموال


الأموال التي كان النبي يقسمها ثلاثة الزكاة والغنائم والفيء ..فأما الزكاة والغنائم فقد تقدم حكمهما وبينا أنه لم يكن يستوعب الأصناف الثمانية كان ربما وضعها في واحد


وأما حكمه في الفيء فثبت في الصحيح أنه قسم يوم حنين في المؤلفة قلوبهم من ولم يعط الأنصار شيئا فعتبوا عليه فقال لهم ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء وتنطلقون برسول الله تقودونه إلى رحالكم فوالله لما تنقلبون به خير مما به وقد تقدم ذكر القصة وفوائدها في موضعها والقصة هنا أن الله سبحانه أباح لرسوله من الحكم من مال الفيء ما لم يبحه لغيره الصحيح عنه إني لأعطي أقواما وأدع غيرهم والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ..وفي الصحيح عنه إني لأعطي أقواما أخاف ظلعهم وجزعهم وأكل أقواما إلى ما جعل الله قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب قال عمرو بن تغلب فما أحب أن لي رسول الله حمر النعم ..وفي الصحيح أن عليا بعث إليه بذهيبة من اليمن فقسمها أرباعا فأعطى الأقرع بن حابس زيد الخيل وأعطى علقمة بن علاثة وعيينة بن حصن فقام إليه رجل غائر العينين الجبهة كث اللحية محلوق الرأس فقال يا رسول الله اتق الله فقال رسول الله   أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله الحديث .. وفي السنن أن رسول الله وضع سهم ذي القربى في بني هاشم وفي بني المطلب وترك بني وبني عبد شمس فانطلق جبير بن مطعم وعثمان بن عفان إليه فقالا يا رسول الله لا فضل بني هاشم لموضعهم منك فما بال إخواننا بني عبد المطلب أعطيتهم وتركتنا نحن وهم بمنزلة واحدة فقال النبي إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه ..وذكر بعض الناس أن هذا الحكم خاص بالنبي وأن سهم ذوي القربى يصرف بعده في بني شمس وبني نوفل كما يصرف في بني هاشم وبني المطلب قال لأن عبد شمس وهاشما ونوفلا إخوة وهم أولاد عبد مناف

 

 

 ويقال إن عبد شمس وهاشما توأمان والصواب استمرار هذا الحكم النبوي وأن سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب حيث رسول الله بهم وقول هذا القائل إن هذا خاص بالنبي باطل فإنه بين مواضع الذي جعله الله لذوي القربى فلا يتعدى به تلك المواضع ولا يقصر عنها ولكن لم يقسمه بينهم على السواء بين أغنيائهم وفقرائهم ولا كان   قسمة الميراث للذكر مثل حظ الانثيين بل كان يصرفه فيهم بحسب المصلحة والحاجة منه عزبهم ويقضي منه عن غارمهم ويعطي منه فقيرهم كفايته .. وفي سنن أبي داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ولاني رسول الله خمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله وحياة أبي بكر رضي الله عنه وحياة عمر رضي عنه وقد استدل به على أنه كان يصرف في مصارفه الخمسة ولا يقوى هذا الاستدلال إذ غاية فيه أنه صرفه في مصارفه التي كان رسول الله يصرفه فيها ولم يعدها إلى سواها تعميم الأصناف الخمسة به والذي يدل عليه هدي رسول الله وأحكامه أنه كان مصارف الخمس كمصارف الزكاة ولا يخرج بها عن الأصناف المذكورة لا أنه يقسمه كقسمة الميراث ومن تأمل سيرته وهديه حق التأمل لم يشك في ذلك .. وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كانت أموال بني النضير مما أفاء على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله خاصة منها على أهله نفقة سنة وفي لفظ يحبس لأهله قوت سنتهم ويجعل ما بقي في الكراع عدة في سبيل الله ..

 

 

 وفي السنن عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول   إذا أتاه الفيء قسمه من يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظا .. فهذا تفضيل منه للآهل بحسب المصلحة والحاجة وإن لم تكن زوجه من ذوي القربى ، وقد اختلف الفقهاء في الفيء هل كان ملكا لرسول الله يتصرف فيه كيف يشاء أو لم ملكا له على قولين في مذهب أحمد وغيره والذي تدل عليه سنته وهديه أنه كان يتصرف فيه بالأمر فيضعه حيث أمره الله ويقسمه من أمر بقسمته عليهم فلم يكن يتصرف فيه تصرف المالك بشهوته وإرادته يعطي من ويمنع من أحب وإنما كان يتصرف فيه تصرف العبد المأمور ينفذ ما أمره به سيده فيعطي من أمر بإعطائه ويمنع من أمر بمنعه وقد صرح رسول الله بهذا فقال إني لا أعطي أحدا ولا أمنعه إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت فكان عطاؤه ومنعه بمجرد الأمر فإن الله سبحانه خيره بين أن يكون عبدا رسولا وبين أن يكون ملكا فاختار أن يكون عبدا رسولا

 


والفرق بينهما أن العبد الرسول لا يتصرف إلا بأمر سيده ومرسله والملك الرسول له يعطي من يشاء ويمنع من يشاء كما قال تعالى للملك الرسول سليمان ( هذا عطاؤنا أو أمسك بغير حساب ) ص 39 أي أعط من شئت وامنع من شئت لا نحاسبك وهذه المرتبة التي عرضت على نبينا فرغب عنها إلى ما هو أعلى منها وهي مرتبة    المحضة التي تصرف صاحبها فيها مقصور على أمر السيد في كل دقيق وجليل

 

 


والمقصود أن تصرفه في الفيء بهذه المثابة فهو ملك يخالف حكم غيره من المالكين كان ينفق مما أفاء الله عليه مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب على وأهله نفقة سنتهم ويجعل الباقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل النوع من الأموال هو السهم الذي وقع بعده فيه من النزاع ما وقع إلى اليوم ، فأما الزكاوات والغنائم وقسمة المواريث فإنها معينة لأهلها لا يشركهم غيرهم فيها يشكل على ولاة الأمر بعده من أمرها ما أشكل عليهم من الفيء ولم يقع فيها من ما وقع فيه ولولا إشكال أمره عليهم لما طلبت فاطمة بنت رسول الله ميراثها تركته وظنت أنه يورث عنه ما كان ملكا له كسائر المالكين وخفي عليها رضي الله حقيقة الملك الذي ليس مما يورث عنه بل هو صدقة بعده ولما علم ذلك خليفته البار الصديق ومن بعده من الخلفاء الراشدين لم يجعلوا ما خلفه من الفيء يقسم بين ورثته بل دفعوه إلى علي والعباس يعملان فيه عمل رسول الله حتى فيه وترافعا إلى أبي بكر الصديق وعمر ولم يقسم أحد منهما ذلك ميراثا ولا منه عباسا وعليا وقد قال الله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله العقاب للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون     تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ) إلى قوله (   والذين من بعدهم ) إلى آخر الآية الحشر 7 - 10

 

 

فأخبر سبحانه أن ما أفاء على رسوله لمن ذكر في هذه الآيات ولم يخص منه خمسة بالمذكورين بل عمم وأطلق واستوعب على المصارف الخاصة وهم أهل الخمس ثم على المصارف العامة وهم المهاجرون وأتباعهم إلى يوم الدين فالذي عمل به هو وخلفاؤه الراشدون هو المراد من الآيات ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه أحمد رحمه الله وغيره ما أحد أحق بهذا المال من أحد وما أنا أحق به من أحد والله ما من المسلمين أحد وله في هذا المال نصيب إلا عبد مملوك ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا رسول الله فالرجل وبلاؤه في الإسلام والرجل وقدمه في الإسلام والرجل وغناؤه الإسلام والرجل وحاجته ووالله لئن بقيت لهم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من المال وهو يرعى مكانه فهؤلاء المسمون في آية الفيء هم المسمون في آية الخمس ولم المهاجرون والأنصار وأتباعهم في آية الخمس لأنهم المستحقون لجملة الفيء وأهل لهم استحقاقان استحقاق خاص من الخمس واستحقاق عام من جملة الفيء فإنهم في النصيبين وكما أن قسمته من جملة الفيء بين من جعل له ليس قسمة الأملاك التي يشترك فيها كقسمة المواريث والوصايا والأملاك المطلقة بل بحسب الحاجة والنفع والغناء الإسلام والبلاء فيه فكذلك قسمة الخمس في أهله فإن مخرجهما واحد في كتاب الله على الأصناف    يفيد تحقيق إدخالهم وأنهم لا يخرجون من أهل الفيء بحال وأن الخمس لا يعدوهم غيرهم كأصناف الزكاة لا تعدوهم إلى غيرهم كما أن الفيء العام في آية الحشر فيها لا يتعداهم إلى غيرهم ولهذا أفتى أئمة الإسلام كمالك والإمام أحمد أن الرافضة لا حق لهم في الفيء لأنهم ليسوا من المهاجرين ولا من الأنصار من الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا وهذا مذهب أهل المدينة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وعليه يدل القرآن رسول الله وخلفائه الراشدين وقد اختلف الناس في آية الزكاة وآية الخمس فقال الشافعي تجب قسمة الزكاة والخمس الأصناف كلها ويعطي من كل صنف من يطلق عليه اسم الجمع

 

 

 


وقال مالك رحمه الله وأهل المدينة بل يعطي في الأصناف المذكورة فيهما ولا يعدوهم غيرهم ولا تجب قسمة الزكاة ولا الفيء في جميعهم ..وقال الإمام أحمد وأبو حنيفة بقول مالك رحمهم الله في آية الزكاة وبقول الشافعي الله في آية الخمس ..ومن تأمل النصوص وعمل رسول الله وخلفائه وجده يدل على قول أهل المدينة فإن الله جعل أهل الخمس هم أهل الفيء وعينهم اهتماما بشأنهم وتقديما لهم ولما كانت خاصة بأهلها لا يشركهم فيها سواهم نص على خمسها لأهل الخمس ولما كان الفيء يختص بأحد دون أحد جعل جملته لهم وللمهاجرين والأنصار وتابعيهم فسوى بين الخمس الفيء في المصرف وكان رسول الله يصرف سهم الله وسهمه في مصالح الإسلام أخماس الخمس أهلها مقدما للأهم فالأهم والأحوج فالأحوج فيزوج منه عزابهم ويقضي منه ديونهم ذا الحاجة منهم ويعطي عزبهم حظا ومتزوجهم حظين ولم يكن هو ولا أحد من خلفائه اليتامى والمساكين وأبناء السبيل وذوي القربى ويقسمون أربعة أخماس الفيء على السوية ولا على التفضيل كما لم يكونوا يفعلون ذلك في الزكاة فهذا هديه وهو فصل الخطاب ومحض الصواب


 

 




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق