فصل في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وما هم المنافقون به من الكيد به وعصمة الله إياه
ذكر أبو الأسود في مغازيه عن عروة قال ورجع رسول الله قافلا من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله ناس من المنافقين فتآمروا أن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فلما غشيهم رسول الله أخبر خبرهم فقال من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم وأخذ رسول الله العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين هموا بالمكر برسول الله لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم وأمر رسول الله حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوة فغضب رسول الله وأمر حذيفة أن يردهم وأبصر حذيفة غضب رسول الله فرجع ومعه محجن واستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن وأبصر القوم وهم متلثمون ولا يشعر إلا أن ذلك فعل المسافر فأرعبهم الله سبحانه حين أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله فلما أدركه قال اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار فأسرعوا حتى استووا بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي لحذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا قال حذيفة عرفت راحله فلان وفلان وقال كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون فقال رسول الله هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا قالوا لا والله يا رسول الله قال فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها قالوا أولا تأمر بهم يا رسول الله إذا فنضرب أعناقهم قال أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما وقال اكتماهم
وقال ابن إسحاق في هذه القصة إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله غدا عند وجه الصبح فانطلق حتى إذا أصبحت فاجمعهم فلما أصبح قال ادع عبدالله بن أبي وسعد بن أبي سرح وأبا خاطر الأعرابي وعامرا وأبا عامر والجلاس بن سويد بن الصامت وهو الذي قال لا ننتهي حتى نرمي محمدا من العقبة الليلة وإن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي ولا عقل لنا
وهو العاقل وأمره أن يدعو مجمع بن حارثة ومليحا التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام وانطلق هاربا في الأرض فلا يدري أين ذهب وأمره أن يدعو حصن بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه وقال له رسول الله ويحك ما حملك على هذا فقال حملني عليه أني ظننت أن الله لا يطلعك عليه فأما إذا أطلعك الله عليه وعلمته فأنا أشهد اليوم أنك رسول الله وإني لم أؤمن بك قط قبل هذه الساعة فأقال رسول الله عثرته وعفا عنه وأمره أن يدعو طعيمة بن أبيرق وعبدالله بن عيينة وهو الذي قال لأصحابه اسهروا هذه الليلة تسلموا الدهر كله فوالله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل فدعاه فقال ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت فقال عبد الله فوالله يا رسول الله لا نزال بخير ما أعطاك الله النصر على عدوك إنما نحن بالله وبك فتركه رسول الله وقال ادع مرة بن الربيع وهو الذي قال نقتل الواحد الفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين فدعاه رسول الله فقال ويحك ما حملك على أن تقول الذي قلت فقال يا رسول الله إن كنت قلت شيئا من ذلك إنك لعالم به وما قلت شيئا من ذلك فجمعهم رسول الله وهم اثنا عشر رجلا الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله فأخبرهم رسول الله بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم وأطلع الله سبحانه نبيه على ذلك بعلمه ومات الاثنا عشر منافقين محاربين لله ولرسوله وذلك قوله عز وجل ( وهموا بما لم ينالوا ) ( التوبة 74 ) وكان أبو عامر رأسهم وله بنوا مسجد الضرار وهو الذي كان يقال له الراهب فسماه رسول الله الفاسق وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة فأرسلوا إليه فقدم عليهم فلما قدم عليهم أخزاه الله وإياهم فانهارت تلك البقعة في نار جهنم
فصل
قلت وفي سياق ما ذكره ابن إسحاق وهم من وجوه أحدها أن النبي أسر إلى حذيفة أسماء أولئك المنافقين ولم يطلع عليهم أحدا غيره وبذلك كان يقال لحذيفة إنه صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ولم يكن عمر ولا غيره يعلم أسماءهم وكان إذا مات الرجل وشكوا فيه يقول عمر انظروا فإن صلى عليه حذيفة وإلا فهو منافق منهم الثاني ما ذكرناه من قوله فيهم عبدالله بن أبي وهو وهم ظاهر وقد ذكر ابن إسحاق نفسه أن عبدالله بن أبي تخلف في غزوة تبوك الثالث أن قوله وسعد بن أبي سرح وهم أيضا وخطأ ظاهر فإن سعد بن أبي سرح لم يعرف له إسلام البتة وإنما ابنه عبد الله كان قد أسلم وهاجر ثم ارتد ولحق بمكة حتى استأمن له عثمان النبي عام الفتح فأمنه وأسلم فحسن إسلامه ولم يظهر منه بعد ذلك شيء ينكر عليه ولم يكن مع هؤلاء الاثني عشر البتة فما أدري ما هذا الخطأ الفاحش الرابع قوله وكان أبو عامر رأسهم وهذا وهم ظاهر لا يخفى على من دون ابن إسحاق بل هو نفسه قد ذكر قصة أبي عامر هذا في قصة الهجرة عن عاصم بن عمر بن قتادة أن أبا عامر لما هاجر رسول الله إلى المدينة خرج إلى مكة ببضعة عشر رجلا فلما افتتح رسول الله مكة خرج إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الشام فمات بها طريدا وحيدا غريبا فأين كان الفاسق وغزوة تبوك ذهابا وإيابا
المقال السابق
المقال التالى