حياة الرسل والأنبياء ليست سوى النماذج البشرية السامية لهذا السلوك الإبتلائي الحر في التجارب الإبتلائية، والمُثل الناجحة، فكل رسول وكل نبي يخوض في مختلف الأنواع من التجارب الإبتلائية الممتعة والمؤلمة، شأنه في ذلك شأن البشر أجمعين، علاوةً على أنه يتخصص في نوعٍ معين من الإبتلاءات يصبح فيه النموذج والمثال العظيم. وفي هذا تطبيق وتوضيح لقول الرسول بأنهم أشد الناس بلاء.
فإذا كان إبراهيم الخليل أبًا للمسلمين حيث قال الله تعالى فيه: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].
و قد رزقه الله ابنيه إسماعيل وإسحاق على الكبر، و من ثم فإن أشد ما ابتلاه الله به إنما كان فى عاطفة الأبوه لديه , تلك التى وسعت أمة بأسرها.
فصار بذلك مثلاً لللآباء على طاعه الله فى الأبناء , باعتبار أنهم من فتن الحياة الدنيا وإبتلاءاتها كما أخبر الله بذلك , وذلك حين أمره الله بذبح إبنه إسماعيل الذى رزقه به على الكبر (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . ( الصافات 102-107 ) .
كما يمكن إعتبار اسماعيل عليه السلام بطاعته لله ولأبيه مثالاً ونموذجاً رائعاً فى الإسلام لله وفى طاعة وبر الوالدين .
أما يوسف عليه السلام:
فقد تميز بالإبتلاء بالجمال الأخاذ الذى عرضه لفتنة الشهوة من إمرأة العزيز (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ( يوسف 23-24 ) .
ومهما قيل فى معنى قوله تعالى " وهم بها " فإن السلوك الإختيارى الذى كان من يوسف والمتمثل فى قوله لها حين دعته الى نفسها "معاذ الله " هو السلوك النموذجى الناجح فى مثل هذه المواقف الجنسية التى تعترض كافة البشر فى حياتهم وبخاصة الشبان والشابات.
كما يمكن إعتبار صبر بنى أسرائيل وعلى رأسهم موسى عليه السلام حيال ظلم فرعون لهم نموذجاً للسلوك الناجح حيال إضطهاد أصحاب السلطان الجائرين للمؤمنين المستضعفين (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ( البقرة 49 ) .
أما داوود عليه السلام
فقد أخبرنا القرآن الكريم بالفتنة التى ابتلى بها داود ليعلمه اصول الحكم بين الناس قبل ان يوليه خلافة الأرض فقال مخاطبا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ . وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ . وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ . ۞ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ . إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ . قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ . فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ . يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ . ( ص 17 – 26 ) .
والشاهد فى هذه الآيات أن الخصم الذين تسوروا المحراب , مرسلون من الله لإختبار داوود فى معرفة أصول الحكم وقواعد القضاء بين الناس , حيث تسرع وأصدار الحكم قبل سماع أقوال الطرف الثانى فى القضية .
ولكنه سرعان ما أدرك ذلك فخر راكعاً لله و أناب فغفرله ربه وجعله خليفة فى الأرض .
والسلوك الأختيارى المطلوب ممن يبتليه الله بالخلافة والملك , هو الحكم بين الناس بشرع الله , والشكر له , ومن ثم قال (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( سبأ-13 ).
أما سليمان عليه السلام:
و كان سليمان عليه السلام أشد إبتلاء بالملك من أبيه فلم يكن مفهوم الملك فى الدنيا سوى أنه فتنه و إختبار من الله له .فهو مجرد سؤال عملى وتجربه إبتلائية إجتازها سليمان ونجح فيها بالشكر لله , وليكن مثالاً للملك الناجح فى إبتلائه وشاهداً يوم القيامه على أمثاله من الملوك والأغنياء .
فلقد طلب سليمان من ربه ملكاً لاينبغى لاحد من بعده لا حباً فى الملك فقد كان نبياً ملكاً حيث ورث أباه داوود , ولكنه طلب أن يعطيه الله هذا الملك للإبتلاء , حيث فتنته الخيل والتمتع بها فنسى ذكر ربه , فعز عليه ذلك وهو نبى , فتاب إلى الله وطلب منه أن يدخله تجربه إبتلائية أقسى و أشد مما هو فيه ومن ثم سأله الملك الذى لا ينبغى لأحد من بعده, تكفيراً لذنبه الذى ارتكبه بفشله فى الإبتلاء اليسير و تطهيراً و ارتفاعاً فى الدرجات عند الله , وذلك برجائه أن ينجح فى هذا الإبتلاء الكبير (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ . إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ . فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ . رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ . وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ . قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ . فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ . وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ . وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ . ( ص 30-40 ) .
(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ . وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ . وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ . وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ . فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ . إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ .وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ .أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩. ۞ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (النمل 15- 27) فلما طلب سليمان من ملئه أن يحضروا له عرشاً (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ . قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ . ( النمل 39-40 ) .
وهكذا فهم سليمان ملكيته وسيطرته على الجن و الإنس والطير وتسخير قدراتهم له بأمر الله , فهم ذلك كله على أنه بلاء من الله له , وأن السلوك الإختيارى المطلوب منه حياله هو الرجوع بالفضل فى ذلك الى الله والشكر له .
أما أيوب عليه السلام:
قال تعالى فى شأنه (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (ص-41)
وأذكر أى بالحمد والثناء عبدنا أيوب الوصف بالعبودية هنا شرف لأنه دل على إعزاز الربوبية لمرتبة العبودية ، والعبودية كلمة ممقوتة عند البشر لأن العبودية للبشر إهانة وتسخير يأخذ منها السيد خير عبده وثمرة حركته فى الحياة . اما العبودية لله تعالى فوصف محبوب وكلمة محمودة لأن العبد فيها يأخذ خير سيده.
وقد اجتمع على سيدنا أيوب ألم الجلد وعذابه الجسدى وهواجس الشيطان فى خواطره النفسيه لذلك قال "بنصب وعذاب" ولما اجتمع المرض ووسوسة الشيطان كيف يفعل الله بك هذا فانت رسول وكيف يتركك دون ان يشفيك أما أيوب فهو مثال البشرية فى الصبر, والشاهد على الناس يوم القيامة والحجة الدامغة على الفاشلين فى إبتلاءاتهم المؤلمة , ذلك أنه قد تميز بالإبتلاء بالضر والآلم (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ .( ص 41-44 ) .
فقدم لنا الصبر بأعتباره السلوك الإختيارى الناجح حيال هذا النوع من الإبتلاء فصار إماماً للصابرين من البشر والأنبياء حيث قال الله (۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ . وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ . ( الأنبياء 83 – 86 ) .
أما خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فقد أنزل الله تعالى فيه
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل-89)
و قد تعرض عليه الصلاة و السلام لجميع أنواع الإبتلاءات التى يمكن ان يتعرض لها إنسان فى هذه الحياة والتى تعرض لها الرسل جميعا ومن هذه الإبتلاءات
- صبره صلى الله عليه وسلم على الإضطهاد والتعذيب والإيذاء والتجويع والسخرية والردود القبيحة عليه والإهانات المتوالية وكل ما أصيب به هو ، أصيب به أتباعه والأذى الذى لحق به لحق بأقاربه
- صبر فى مواطن القتال ولعل أبرز مواقفة الصابرة فى الحرب موقفه يوم أحد ويوم الخندق .
- وأبتلى النبى صلى الله عليه وسلم بمصيبة الموت فى أولاده وأقاربه وأصحابه فصبر فضلا عن أنه ولد يتيما وتوفيت والدته وهو فى السادسة من عمره و أبتلى النبى صلى الله عليه وسلم بالمرض والجوع والفقر فصبر
- كما أبتلى النبى صلى الله عليه وسلم بالقوة والجاه والسلطان والمتعه والغنى والحكم وسائر متع الحياة وقد التزم حيال كل ذلك بالسلوك الخلقى القويم كنموذج يحتذى به فى كل موقف من مواقف الإبتلاء .
المقال السابق
المقال التالى