يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].
قال ابن كثير: "وقوله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل} أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس; ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب: إنما نزلت في الأمراء، يعني الحكام بين الناس"، وفي الحديث: «إن الله مع الحاكم ما لم يجر، فإذا جار وكله إلى نفسه»، وفي الأثر: "عدل يوم كعبادة أربعين سنة".
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].
قال السعدي: "فالعدل الذي أمر الله به، يشمل العدل في حقِّه، وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة؛ بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقِّه وحقِّ عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كلُّ والٍ ما عليه تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الخليفة، ونواب القاضي".
قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا» (رواه مسلم:1827).
قال ابن عثيمين: "فالعدل واجب في كلِّ شيء، لكنه في حق ولاة الأمور آكد وأولى وأعظم؛ لأنَّ الظلم إذا وقع من ولاة الأمور حصلت الفوضى والكراهة لهم، حيث لم يعدلوا" (شرح رياض الصالحين:3/641).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمام عادل...» إلى آخر الحديث (متفق عليه).
قال رِبعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد الفرس لما سأله: "ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتى نفيء إلى موعود الله..." (رواه الطبري في تاريخ الرسل والملوك:3/520، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية:7/39).
- وقال عمرو بن العاص: "لا سلطان إلا بالرجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل" (العقد الفريد لابن عبد ربه:1/33).
- وقال ميمون بن مهران: "سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أقمت فيكم خمسين عامًا ما استكملت فيكم العدل، إني لأريد الأمر وأخاف أن لا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعًا من الدنيا؛ فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا" (رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق:45/181، وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام:7/197).
- وخطب سعيد بن سويد بحمص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيُّها الناس، إنَّ للإسلام حائطًا منيعًا، وبابًا وثيقًا، فحائط الإسلام الحقُّ، وبابه العدل، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتدَّ السلطان، وليست شدة السلطان قتلًا بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل: (العقد الفريد لابن عبد ربه:1/27).
- وقال ابن حزم: "أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحقِّ وإيثاره" (الأخلاق والسير:ص 90).
- وقال ابن تيمية: "العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة" (مجموع الفتاوى:28/146).
- وقال أيضًا: "وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام" (مجموع الفتاوى:28/146).
- وقال ابن القيم: "ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنَّه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أنَّ السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأنَّ من أحاط علمًا بمقاصدها، ووضعها موضعها، وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإنَّ السياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحقَّ من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها، وجهلها من جهلها" (الطرق الحكمية:ص 5).