إن الإسلام هو الاستسلام والإنقياد لله تعالي ظاهراً وباطناً، قال تعالي: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
وقال تعالي: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36].
وحيث أننا في زمان الفتن بنوعيها - الشبهة والشهوة - والإنسان ضعيفٌ بطبعه عقله ناقص، تغلبه الشهوة وتسيطر عليه الشبهة، فإن آثار ذلك علي الإنسان تجعل المسلم بحاجةٍ الي التسليم المطلق للنص الشرعي بقسميه كتاباً وسنةً فهو ضمانٌ له من كل زيغٍ أو انحرافٍ أو بَعُد عن الهدي.
والتسليم للنص الشرعي ليس مجرد الإيمان بأن القران كلام الله وفقط، أو بحجية السنة فقط، فكل المسلمون يتفقون في ذلك، وانما التسليم الذي نعينيه هو التزام وانقياد يتبع إيمان العبد فيزداد بزيادة الإيمان وينقص بنقصه.
وكلما زاد الإيمان في قلب العبد زاد معه التسليم لله رب العالمين، وكلما ضعف الإيمان ضعف معه التسليم لأوامر الشرع وإن كان العبد مؤمناً بالكتاب والسنة.
وآيات القرآن الكريم تتلى لتوضح لنا هذا الأصل العظيم {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]
ومن تأمل في أحكام الأضحية تبين له كيف أننا مطالبون بالتسليم للنص الشرعي حتي وإن تعارض مع أهوائنا وعقولنا. فالرسول صلي الله عليه وسلم حين تحدث عن السن المعتبر في الأضحية قال: ل «ا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» . (رواه مسلم من حديث جابر بن عبدالله: 1963)
والمسنة هي الثنية من بهيمة الأنعام كما وضح ذلك العلماء.
وهنا يأتي العقل المثقف بثقافته المشؤومة ليقول: كيف لا أضحي بغير الثنية وهي في لحمها وبهجتها افضل من الثنية التي يقل لحمها؟، هذا ما حدث من صحابي جليل هو أبو بردة بن نيار عليه رضوان الله علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم كما حكي البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال :ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ. وفي رواية : (عَنَاقاً جَذَعَةً ). وفي رواية للبخاري ( 5563) (فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا ؟) قَالَ: «اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ» وفي رواية: «لا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». ثُمَّ قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ»، ولكن قوة الايمان في قلب الصحابي الجليل أبي بردة رضي الله عنه جعلته مستسلماً مسلماً لله ورسوله، بخلاف ما يقوله المثقف المعاصر صاحب العقل والمنطق.
وهذا ما أراده الله تعالي حين قال: {لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِين} [الحج: 37].
فليست العبرة مجرد اللحم وإنِما سمعنا وأطعنا وهذا حال المؤمن، لا سمعنا وعصينا وهذا حال المنافق.
المقال السابق
المقال التالى