بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
الاحتساب نَبع من منابع الأجور الكبيرة، يَغفل عنه بعضُ المسلمين، وفي هذا فوات لحسنات كثيرة نحن في أشدِّ الحاجة إليها، فعن عقبة بن عمرو رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أَنفق الرجل على أهله نفقةً وهو يَحتسبها، كانت له صدقةً» (صححه الألباني).
وفيما يلي مجموعة من أقوال أهل العلم في معنى الاحتساب:
• قال القرطبي رحمه الله تعالى: "أفاد مَنطوقه أنَّ الأجر في الإنفاق إنَّما يحصل بقصد القُربة، سواء كانت واجبة أو مباحة، وأفاد مَفهومه أنَّ مَن لم يقصد القُربة، لم يؤجَر، لكن تبرأ ذمَّته من النفقة الواجبة".
• وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "الاحتساب: طلَب الثواب من الله تعالى".
• وقال النووي رحمه الله تعالى: " «يَحتسبها» معناه: أراد بها وَجه الله تعالى، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلًا (أي: غفل عن النيَّة، ولم ينو الاحتساب)، ولكن يدخل المحتسب"؛ انتهى.
فينبغي لكلِّ من ينفق على أهله أن يفعل ذلك مخلِصًا لله تعالى راجيًا الثَّواب، والنيَّة محلُّها القلب، تلازم كل فعل وكل نَفقة، وهو أمر يَفعله المسلم تلقائيًّا عند معرفته بالأمر وعزمه عليه وإدراكه لفضله، وليستحضر المسلم هذا الأجر، فكل ما يُنفِقه وما يفعله من خيرٍ وهو يَحتسبه؛ من مأكل ومَشرب وملبس لزوجته وأطفاله، وما ينفقه من مصاريف التعليم، وحتى النُّزهة للترويح عن الأهل، وجِماع الرجل لزوجته - يكون في ميزان الحسَنات، ومن أبواب الصدقات بفضل الله الكريم.
والمسلمة تَحتسِب عملها في بيت أهلها لوَجه الله تعالى، فكل ما تَقوم به؛ من أعمال المنزل وتنظيفِه، وتحضيرِ الطعام وتربية الأطفال، تُثاب عليه بفضل الله الحليم، وحتى عند جِماع الرجل لزوجته فهي تَحتسب هذا العمل لنَيل أجره، وذلك عند توافر الإخلاص واحتساب الثَّواب وطلبه من الله العظيم.
والمسلم يَجعل الاحتساب منهجًا له في حياته؛ وذلك في كل أعمال البرِّ وأفعال الخير، فكل عمَل يقوم به يخلِص فيه النيَّة لوجه الله تعالى، وهو يَحتسب مبتغيًا الثَّواب من الله تعالى فينال أجرَه؛ مثل الذهاب للعمل، قاصدًا بذلك كلَّ وجوه الخير؛ من سعيٍ للرِّزق الحلال، والإنفاق على الأهل، وخِدمةِ المسلمين، وتفريجِ كربهم بقضاء المصالح، وتتبُّع هذا الأجر في كلِّ أعمال الخير والبرِّ يجعل كلَّ خطوة في ميزان الحسنات بفضل الله ملك الملوك.
المسلم الذي يتعلَّم، يخلِص النيَّة لوجه الله الكريم وهو يَحتسب الأجرَ من الله سبحانه، فهو يتعلَّم لكي يَنفع نفسه والمسلمين، وفي هذا أجر عظيم؛ فذهابه للمدرسة أو للجامعة أو لأيِّ ميدان تعليمي، وأوقات المذاكرة، وكل ما يتعلَّق بسبيل تحقيق الخير - يكون في ميزان الحسنات بفضل الله جل جلاله.
الاحتساب بابٌ من أبواب الأجور الكبيرة، وعند تَفعيل المسلم لهذا النَّهج في حياته، سيجد ثمارَه في الدنيا وفي الآخرة، ويرجى من كلِّ مسلم يعرف هذا الفضل أن يعلِّمه لغيره من الأهل والأصحاب والجيرانِ وجميع المسلمين؛ بنقل المعلومة الشرعيَّة بالتواصل الشخصي والآليات الدعوية، فلنحتسب.
ونسأل اللهَ تعالى أن يجعلنا من الذين يَستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقال السابق
المقال التالى