{بسم الله الرحمن الرحيم}
• الحركة خير من الراحة
يظن كثير من الصائمين أن السكون والراحة والنوم أثناء الصيام يحافظ على صحتهم ويوفر طاقتهم. وهذا مخالف للحقائق العلمية حيث إن في الحركة والعمل والنشاط أثناء الصيام للأشخاص الأصحاء فوائد عظيمة لا تتحقق ولا تكتمل إلا بالحركة، فالحركة العضلية في فترة ما بعد الامتصاص الغذائي (فترة الصيام) تؤدي إلى أكسدة أنواع معينة من الأحماض الأمينية للاستفادة من الطاقة الناتجة عن هذه الأكسدة، وبعد استفادة العضلات من هذه الطاقة يتكون حمض أساسي من هذه الأكسدة يدخل في تصنيع الجلوكوز الجديد في الكبد، ويسمى هذا الحمضي بالألانين، وبذلك فإن عملية تصنيع جلوكوز جديد في الكبد تزداد بازدياد الحركة العضلية.
وبعد استهلاك الجهاز العضلي للجلوكوز المقبل من الكبد للحصول على الطاقة يتجه الجسم إلى الدهون (المخزون الدهني) فيقوم بأكسدة الأحماض الدهنية وتحريك وتحليل وحرق الدهن في الأنسجة الشحمية. وبهذا فإن الحركة أثناء الصيام تعد بمثابة عمل إيجابي وحيوي يزيد من كفاءة ونشاط عمل الكبد والعضلات، ويخلص الجسم من السموم والشحوم وهذا ما يسمى بـ «عملية الهدم».
وفي الحركة العضلية كذلك تنشيط لصنع البروتينات في الكبد والعضلات «عملية البناء» وهذا بدوره يوفر طاقة هائلة كانت ستستخدم في تكوين البروتينات لو أن الصائم قضى يومه نائماً أو ساكناً
بالإضافة إلى كل هذا فإن النوم أثناء النهار والسهر طوال الليل أثناء رمضان يؤديان إلى اضطراب عمل الساعة البيولوجية في الجسم، إذ إن هناك هرمونات محددة تقوم بدور تحفيز أعضاء الجسم على الحركة والنشاط تكون في أعلى مستوياتها في الفترة الصباحية وأقلها في الليل مثل هرمون «الكورتيزون» وهناك هرمونات أخرى تساعد في الارتخاء والنوم فتعلم الجسم أن وقت الراحة والنوم قد حان، وتكون في أعلى مستوياتها في الفترة المسائية مثل هرمون «الميلاتونين» وفي قلب الليل نهاراً والنهار ليلاً اضطراب وتعطيل لعمل هذه الهرمونات واضطراب للجسم بشكل عام.
أما الفوائد السلوكية من الحركة فهي تقوية الإرادة وكبح جماح النفس الأمارة بالسوء، والتحكم في الشهوات والتمرس على مخالفة وكسر العادات حتى يصبح المسلم بعقله سيداً على كل ما حوله لا تستعبده ولا تملكه المألوفات ولا تضعفه أو تنهكه المتغيرات. فالصوم يعلم الصبر على الشدائد ولذلك سمي شهر رمضان بشهر الصبر، والصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان.
• خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-
ــ قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» (1). وفي التعجيل بالإفطار آثار صحية ونفسية هامة. فالصائم يكون في ذلك الوقت بحاجة ماسة إلى ما يعوضه عما فقد من ماء وطاقة أثناء النهار. والتأخير في الإفطار يزيد من انخفاض سكر الدم، مما يؤدي إلى الشعور بالهبوط والإعياء العام. وفي ذلك تعذيب نفسي لا طائل منه، ولا ترضاه الشريعة السمحاء.
ــ وعن سلمان بن عامر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإن الماء طهور» (2) وعن أنس -رضي الله عنه «- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من الماء» . (3) فالصائم عند الإفطار بحاجة إلى مصدر سكري سريع، يدفع عنه الجوع، مثلما هو بحاجة إلى الماء. والإفطار على التمر والماء يحقق الهدفين، وهما دفع الجوع والعطش. وتستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية الموجودة في التمر بسرعة كبير. كما يحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف مما يقي من الإمساك، ويعطي الإنسان شعورا بالامتلاء فلا يكثر الصائم من تناول مختلف الأطعمة.
ــ الإفطار على مرحلتين: فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعجل فطره على تمرات أو ماء، ثم يعجل صلاة المغرب، ويقدمها على إكمال طعامه إفطاره. وفي ذلك حكمة نبوية رائعة. فتناول شيء من التمر والماء ينبه المعدة تنبيها خفيفا، وخلال فترة الصلاة تقوم المعدة بامتصاص المادة السكرية والماء، ويزول الشعور بالعطش والجوع. ويعود الصائم بعد الصلاة إلى إكمال إفطاره، وقد زال عنه الشعور بالنهم. ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة وبسرعة، كثيرا ما يؤدي إلى انتفاخ المعدة وحدوث عسر الهضم.
ــ قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [الأعراف:31] تلك هي آية في كتاب الله، جمعت علم الغذاء كله في ثلاث كلمات. فإذا جاء شهر رمضان والتزم الصائم بهذه الآية، وتجنب الإفراط في الدهون والحلويات والأطعمة الثقيلة، وخرج في نهاية شهر رمضان، وقد نقص وزنه قليلا، وانخفضت عنده الدهون، فيكون في غاية الصحة والسعادة. وبذلك يجد في رمضان وقاية لقلبه، وارتياحا في جسده.
فالكنائف والقطائف وكثير من الحلويات واللحوم والدسم تتحول في الجسم إلى دهون، وزيادة في الوزن، وعبء على القلب. وقد اعتاد الكثير منا على حشو بطنه بأصناف الطعام، ثم يطفئ لهيب المعدة بزجاجات المياه الغازية أو المثلجة وهذا ما يتنافى مع الهدي النبوي ويخسر المرء الكثير من الفوائد المرجوة من الصوم
• البطنة تذهب الفطنة
إن جهاز الهضم عند كثير من المسلمين في بلادنا معرض لنوع من التعب الخاص .. حيث يختص الطعام الشرقي بصعوبة الهضم، لثقله وكثرة الدسم فيه، وتعقد أصول طبخه، وتعدد أجزائه المخلوطة وثقل هذا الطعام يحمل الجهاز الهضمي عبئًا شديدًا خلال فترة مديدة من السنة حتى يأتي شهر رمضان فيقدم راحة ضرورية لجهاز متعب.
ولا شيء يمكن أن يرجع النشاط لجهاز هضمي متعب، ولأمعاء منهكة، وغدد مرهقة مثل الصوم الصحي.
يقول الدكتور ديوي: «إن الصوم يعتبر بمثابة راحة استشفائية». ويقول: «إن الراحة لا تشفي من كسر في العظم، ولا جرح من الجروح، ولكنها ـ أي الراحة ـ تهيئ جميع الظروف اللازمة للشفاء».
ويقول الدكتور شلتون: «إن المعدة العليلة أو الضعيفة تستفيد من فترة الراحة التي يتيحها لها الصوم، فتحسن من مستوى وظيفتها، وترفع من نشاط الغدد في جدارها، وتعود بعد الصوم إلى العمل بحيوية أكثر»
لذلك تظل النصيحة الذهبية لكل الصائمين هي ضرورة الاعتدال في تناول طعامهم مع الحرص على أن يكون الغذاء متنوعا وشاملا لكافة العناصر الغذائية.
الهوامش والمصادر
(1) رواه أحمد والترمذي عن سهل بن سعد (صحيح) انظر حديث رقم: 7694 في صحيح الجامع (2) رواه أبو داود (صحيح) انظر حديث رقم: 746 في صحيح الجامع. (3) رواه أبو داود والترمذي ( حسن ) انظر حديث رقم : 4995 في صحيح الجامع.
الحركة خير من الراحة أثناء الصيام د. وليد أحمد فتيحي
الوصايا الطبية العشر في شهر الصيام الدكتور حسان شمسي باشا
الصيام: صحة.. أم تخمة؟ د. حسان شمسي باشا
المقال السابق
المقال التالى