رمضان فرصة مناسبة للصادقين في التغيير، ووقت لن تجد أفضل منه للإصلاح، وأول إصلاح وتغيير لمن يرومه هو إصلاح الذات والنفس، فرمضان يعلمنا أن في نفوسنا قدرة وقوة، لا تقف في وجهها صعاب، ولا تعوقها سدود، ولكنها.. فقط.. إذا أرادت وعزمت..
انظر لأحوال الناس بين آخر شعبان، وأول رمضان، كيف يتغير المجتمع برمته، فتكتظ المساجد، وتعظم الصدقات، ويتنافس القراء والصوام والقوام في الخير، وذلك كله في أقل من ليلة واحدة..
أهذه النفوس عاجزة عن الإصلاح والتغيير لو صدقت؟! ومن أراد أن يغير نفسه في رمضان، فعليه أن يكون مدركًا للفرصة؛ بأن يجعل رمضان فرصة وبداية للانطلاق فيما بعد، والتعود على تغيير وتعديل سلوكياته، وجلب أنماط إيمانية جديدة في حياته، فسهم الإيمان في رمضان عزيز، والربح فيه كبير.
إن الأمر يحتاج إلى تهيئة للاستفادة من جو رمضان الإيماني، وهذه التهيئة تحتاج إلى عوامل واضحة يمكن تطبيقها؛ حتى نستفيد ونستثمر (سهم الإيمان في رمضان)، وأول ما يحتاجه المرء صدق العزم في الاستفادة والتغيير.
صدق العزم:
وهذا يعني ألا تكون أهداف الإنسان مجرد أماني واهمه، بل يجب أن تكون عزمًا صادقًا؛ حتى تؤتي ثمارها، وفرق بين الأمنية والعزم؛ فوقوف الإنسان عند مجرد الأماني لا يدفعه إلى العمل، أما العزم وشحذ الهمة، وأخذ النفس بالعزيمة على إدراك الخير، يجعل طريق الإنسان مفتوحًا إلى الاستفادة وإنجاز العمل.
وهذا أمر يتفق فيه كل بني البشر، سواء أقصد الإنسان عملاً دنيويًا أم عملاً أخروّيًا، فمن صدقت نيته، صح عزمه، ومن صح عزمه سلك الطريق.
وكما قال المتنبي:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ *** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وضوح الهدف:
على الإنسان سؤال نفسه: ماذا يريد أن يفعل في رمضان؟! ما الأهداف الجزئية التي يريد أن يحققها؟! وكيف يحقق كل واحدة منها؟! فالتفكير بداية النجاح، والإسلام دين الشرع والعقل.
فمثلاً من قصد أن يختم القرآن في رمضان مرة، أو ثلاثة مرات، عليه أن يحدد الوقت الذي سيقرأ فيه خلال اليوم، وهل سيكون بشكل فردي، أم جماعي، أم بعضه فردي وبعضه جماعي، وكيف ستكون المتابعة؟! هل منه شخصيًا من خلال تقييد ما يقرأ، أم من خلال شخص آخر؟! وهكذا، فيخرج بخطة مفصلة، مرتبطة بهدف واضح، محددًا الزمن والوقت الذي سينجز فيه أعماله، مع التهيئة النفسية التي تتحقق بالانهماك في التعرف على الأحاديث والآثار الواردة في فضل تلاوة القرآن الكريم ونحو ذلك.
الإنجاز:
ويجب على الإنسان اختبار ما تم وضعه من برنامج عملي، هل هو فوق طاقته، فيقلل منه مع المحافظة على العمل: أخذًا بحديث: «أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» (صحيح مسلم؛ برقم: [2818])، أم أنه قليل، فيزيد عليه؟!
وبذلك يستطيع تحقيق معادلة بين الخطط الموضوعة وبين الطاقات الممكنة، حتى نقرأ أنفسنا، وبالتالي يضمن الإنسان تحقيق أكبر قدر ممكن من خططه وما تصبو إليه نفسه.
القدرة العلمية:
إن القراءة في سير الصحابة والسلف الصالح وما كانوا عليه من اجتهاد في العبادة والطاعة، تعد الزاد الروحي في القدوة العلمية التي تدفع الإنسان دائمًا إلى إنجاز العمل، فإن فقد القدرة في بيئته، فليغتنمها في السابقين.
وقد كان مالك -رحمة الله- ينهي درسه مع تلامذته أو مجالسته مع زملائه، ويستأذنهم قائلاً: أستأذنكم أجلس مع الصحابة ساعة، يعني أنه يجالس سيرهم مدارسة وفهمًا، غير أن هذا لا يمنع أن يأخذ المرء القدوة من أي أحد لا من شخصه، بل من فعله.
فربما وجد إنسانًا لا يعد في صفوف الصالحين، غير أنه رزق فعلاً حميدًا من الطاعة أو الخلق، فهنا يجب المسارعة إلى اغتنامها، فإنه كما قيل: الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها.
الإخلاص:
يجب على المرء في رمضان أن يحسن التوجه إلى الله تعالى وأن يقصد بعمله وقلبة وكل جارحة من جوارحه الله تعالى، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا ابتغي به وجهه، ومن استعان بالله أعانه، ومن صدق الله صدقه.