عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم أعمال القلوب
الكاتب أبو الهيثم محمد درويش
تاريخ الاضافة 2015-11-05 04:03:33
المشاهدات 761
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

ما أرحب الإسلام و أشمله وما أعظم قدرته على احتواء الأمة وقيادتها للصدارة.

وما أعظم الأمة بنسيجها العام الذي يجمع شتات أبناءه بالبر والصلة والتراحم والتوقير والرحمة.

كفل منهج الإسلام تناسق المجتمع وتناغمه وتآلفه وتكافله؛ رحمة الوالد بولده، وبرّ الولد بوالديه، وصلة الرجل لرحمه، وتوقير الصغير للكبير، ورحمة الكبير بالصغير، وإحسان الجار لجاره، و جعل للفقير حقاً على الغني، وكفل حقوق العمال، كما كفل حقوق أرباب الأعمال.

قال تعالى: {مَّا فَرَّ‌طْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام:38].

بنى الإسلام المجتمع على عقيدة ثابتة راسخة، مبنية على أصول الإيمان، وأقام الشرائع قربة إلى الله وعمارة للأرض واصطفاء للأمة على سائر الأمة واصطفاء لنبيها على سائر الأنبياء. قال تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

حضّ الإسلام بنيه على التعارف مع الشعوب، والتعاون فيما بينهم، وبغض إليهم الخلاف والفرقة والتشرذم، وجعل التقوى والقرب منه شعاراً للتفاضل، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].


منهجنا ومنهج سائر الأمم هو الإسلام:

قال تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران:19].
وقال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء إخوة من عَلاّت، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد» (صحيح مسلم).

قال العلماء : "أولاد العَلاّت بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى. وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان".

قال جمهور العلماء : "معنى الحديث أصل إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف".

فمسمّى الإسلام شرف وعز لأهله، ويسع كل مسلم على وجه الأرض دون حاجة لمسمى بديل أو زائد.


وإن أطلقنا لفظ الإسلام فهو يعني الإسلام الصافي القائم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، المنهج الصافي الذي كان عليه رسول الله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان.

ولو قال قائل نحتاج لزيادة تعريف بسبب ظهور الفرق والمناهج المختلفة لقلنا الإسلام هو الإسلام، وما دونه من مناهج قد كفونا مؤونة الأمر بتسمية أنفسهم بمسمياتهم المعروفة، فما من فرقة أو منهج إلا وله اسم ويبقى الإسلام شامخاً صافياً من أي تحريف أو تشويه.


تعريف الإسلام:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإسلام بالمعنى العام هو: "التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادات التي جاءت بها رسله، منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة" فيشمل ما جاء به نوح صلى الله عليه وسلم من الهدى والحق، وما جاء به موسى، وما جاء به عيسى، ويشمل ما جاء به إبراهيم صلى الله عليه وسلم، إمام الحنفاء، كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل.


والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يختص بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم لأن ما بعث به صلى الله عليه وسلم نَسَخ جميع الأديان السابقة فصار من اتبعه مسلماً، ومن خالفه ليس بمسلم، لأنه لم يستسلم لله بل استسلم لهواه، فاليهود مسلمون في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، والنصارى مسلمون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، وأما حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين ولهذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذي يدينون به اليوم دين صحيح مقبول عند الله مساو لدين الإسلام، بل من اعتقد ذلك فهو كافر خارج عن دين الإسلام، لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران:19]، ويقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85].

وهذا الإسلام الذي أشار الله إليه، هو الإسلام الذي امتنّ الله به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]. وهذا نص صريح في أن من سوى هذه الأمة بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا على الإسلام، وعلى هذا فما يدينون الله به لا يقبل منهم ولا ينفعهم يوم القيامة، ولا يحل لنا أن نعتبره ديناً قائماً قويماً، ولهذا يخطئ خطأ كبيراً من يصف اليهود والنصارى بقوله إخوة لنا، أو أن أديانهم اليوم قائمة لما أسلفناه آنفاً.

وإذا قلنا: إن الإسلام هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع، شَمِل ذلك الاستسلام له ظاهراً وباطناً فيشمل الدين كله عقيدة وعملاً وقولاً، أما إذا قُرن الإسلام بالإيمان فإن الإسلام يكون الأعمال الظاهرة من نطق اللسان وعمل الجوارح، والإيمان الأعمال الباطنة من العقيدة وأعمال القلوب، ويدل على هذا التفريق قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَ‌ابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]، وقال تعالى في قصة لوط: {فَأَخْرَ‌جْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ‌ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35]. فإنه فرَّق هنا بين المؤمنين والمسلمين لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته بالكفر وهي كافرة، أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقاً الذين دخل الإيمان في قلوبهم، ويدل لذلك -أي للفرق بين الإسلام والإيمان عند اجتماعهما- حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت». وقال في الإيمان: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره».

فالحاصل أن الإسلام عند الإطلاق يشمل الدين كله ويدخل فيه الإيمان، وأنه إذا قرن مع الإيمان فُسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح، وفُسِّر الإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.


أمتنا هي جماعتنا:

قال تعالى: {إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَ‌بُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . وَتَقَطَّعُوا أَمْرَ‌هُم بَيْنَهُمْ ۖ كُلٌّ إِلَيْنَا رَ‌اجِعُونَ . فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَ‌انَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:92-94].

إن للإسلام فهمًا خاصًّا، وتصورًا متميزًا لمعنى الأمة، يتمثل في أن عبادة رب واحد، واتِّباع دين واحد كفيلٌ بجمع الكل في بوتقة واحدة، وصهر جميع ما بينهم من فوارقَ واختلافاتٍ ثانوية، لا تؤثر على العقيدة والعمل؛ ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ} [الأنبياء:92]؛ أي: ربًّا واحدًا، بدليل قوله تعالى بعدها: {فَاعْبُدُونِ}؛ أي: اعبدوني وحدي دون سواي؛ لأنه لا رب لكم سواي.


ومن هذا السبيل وحده، تُولد الأمة الواحدة، ولا سبيل آخر، وهو مصدر قوة الأمة الإسلامية، برغم ما يعتريها من ضعف.

فولاءنا لكل مسلم على وجه الأرض، ويزداد الولاء بزيادة قرب المرء من الله فيما يظهر لنا، وندين بوجوب النصيحة لكل مسلم على وجه الأرض، ونبرأ إلى الله من كل معصية وبدعة يبتدعها مبتدع، نبرأ منه على قدر بدعته ونواليه على قدر إسلامه، بلا غلو أو انحراف في تبديع أو تكفير أو تفسيق لآحاد الأمة.

فما أجمل أن تمشي على الأرض وكل أهل الإسلام في قلبك، كلهم جماعتك، كلهم أهلك وعشيرتك، كلهم إخوانك.

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْه} [آل عمران:103].


هذه الكلمة ما أردت بها إلا بيان فضل الإسلام وسعة مسماه لجميع أبناءه بعدما تشتت جهود أبناء الإسلام بسبب اختلاف مسمياتهم، وما أردت من بيان جمعية الأمة لكل أبناءها إلا جمع الشتات المتناثر لما يشاهد من ولاء كل أهل مسمى وجماعة لبعضهم وتقديم الولاء للمسمى على الولاء للإسلام والأمة.

أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت.

فما أحوجنا للتكامل والتعاون .. وما أجمل ابتسامتك في وجه أخيك المسلم.




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق