ما أكثر مظاهر النظافة في التشريع الإسلامي! وكلَّما قرأتَ شيئًا عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدتَ مظهرًا من هذه المظاهر؛ منها سُنَّة غسل اليدين بعد الأكل؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ".
والغمر هو السمن أو الدهن، وبقاياه لن تزول من اليد إلاَّ بالغسل الجيد؛ بل في رواية أخرى يذكر أن مجرَّد وجود الرائحة هو أمر مخالف للسُّنَّة؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ".
وهذه الإزالة للرائحة تحتاج إلى اهتمام وعزيمة؛ فلن يكفي فيها المسح بالمنديل، أو صبُّ الماء بسرعة، وكلُّ هذا حرص نبويٌّ كبير على النظافة، وقال المفسِّرون في شرح الحديث أن الهوام يمكن أن تُصيب الإنسان إذا جذبها الوسخ الذي في يده، أو رائحة الطعام، ولكن قد يكون الأمر أوسع من ذلك؛ فبقايا الطعام في اليد قد يكون لها من الأضرار ما يفوق مجرَّد اقتراب الحشرات من الإنسان، وما نعرفه اليوم عن البكتيريا والفطريات -وكلها لا يراه الإنسان بعينه المجرَّدة- يمكن أن يُلحق الأذى به، ولعلَّ هناك من الأمراض التي لم نكتشف لها سببًا بَعْدُ تكون ناتجة عن افتقاد النظافة الشخصيَّة، وعمومًا فهذه السُّنَّة راقية جدًّا، وممَّا يُذْهِل حقيقةً أن نتدبَّر في روعة ذِكْر هذه العادات في البيئة الصحراوية العربية القديمة، التي لم تعرف كثيرًا من مظاهر الحضارة، فتأتي السُّنَّة النبوية على هذه الصورة الجميلة، لِنُدرك أن هذا التشريع من عند إلهٍ قديرٍ، فلْنحرص على هذه السُّنَّة، ولْنُعَلِّم أبناءنا أننا نفعل ذلك اقتداءً برسولنا صلى الله عليه وسلم، وليس لتقليدِ غربٍ أو شرق.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].