العُمْرَة تمسح الذنوب بين العمرتين، والحجُّ يمسح كلَّ الذنوب قبله! فقد روى البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ". فأيُّ خير أعظم من ذلك! ولِكَوْن المشقَّة المالية والبدنية كبيرة في كليهما فإن فريقًا من الناس يقولون: يكفي المرء أن يُؤَدِّيَ العمرة أو الحجَّ كلَّ عدَّة سنوات، ولْيُنفق المسلمُ مالَه في وجهٍ آخر من وجوه البرِّ، والحقُّ أنني لا أرى هذا الرأي؛ بل أراه مخالفًا للسُّنَّة؛ حيث أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المستطيعَ من أُمَّته بالمتابعة بين الحجِّ والعمرة، ولم يُحَدِّد فارقًا زمنيًّا بينهم؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ".
بل أكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث على أن الحجَّ والعمرة مع أنهما يتكلَّفان الكثير من المال فإنهما ينفيان الفقر بالإضافة إلى مغفرة الذنوب؛ لهذا فعلى المسلم القادر ألا يُفَوِّت أبدًا فرصة العمرة المتكرِّرَة، وكذلك الحج، وهذا هو الفهم الذي أدركته أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ فقد روى البخاري عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: "لَكِنَّ أَحْسَنَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "فَلاَ أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
فكان لا يفوتها موسم للحجِّ مع مشقَّته الكبيرة؛ فلْيحرص القادر منَّا على هذه السُّنَّة الجميلة، ولْيعقد غيرُ المستطيع النيَّةَ على ذلك إن تيسَّر له الأمر، وسوف يجزيه الله خيرًا على هذه النيَّة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].