لو لم يظهر الأنصار في السيرة النبوية ما قامت للمسلمين دولة! وكان ظهورهم ظهورًا عجيبًا؛ إذ إن الصفة الرئيسة لهم كانت صفة الإيثار، فكان أن آوَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين رضي الله عنهم دون أن يسألوا مالاً، أو إمارة، أو دنيا مهما قلَّت، وما فعلوا ذلك إلا لله عز وجل؛ ولأن المؤمن يحب الدِّين، ويحب مَنْ يُقَوِّيه ويُؤَازره؛ ولأنه يحبُّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويحبُّ مَنْ يحبهما ويسعى لنصرهما؛ فإنه لا بُدَّ أن يحبَّ الأنصار الذين فعلوا كلَّ ذلك لله عز وجل، لهذا كان حبُّ الأنصار سُنَّةً نبوية عظيمة دالَّة على صدق الإيمان؛ فقد روى البخاري عن البَرَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ".
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ".
ولن نستطيع زرع حبِّ الأنصار في قلوبنا إلا بمعرفتهم معرفة تامَّة، فلْنقرأ سيرتهم، ولْنعرف أخبارهم، ولْنحفظ أسماءهم وقصصهم، ولْنَحْكِها لأولادنا وأصدقائنا، ولْنُعلن حبَّنا لهم، وتَقَرُّبنا إلى الله بمدحهم والثناء عليهم، ولْنَدْعُ لهم، ولْنلتمس الأعذار لمخطئهم، ولْنُدافع عنهم إذا تعدَّى عليهم منافقٌ مُبْغِض، ولْنسأل اللهَ أن يحشرنا وإياهم تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فهذه بعض الأعمال التي نُحَقِّق بها هذه السُّنَّة العظيمة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].