كان التحدِّي الأكبر الذي أعلنه الشيطان أمام ربِّ العالمين هو أن يمنع بني آدم من شكر الله تعالى؛ لأنهم لو جحدوا نعمة الله عز وجل خرجوا من رحمته، وهذا مراد إبليس؛ قال تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:16-17]، وشُكْر الله عز وجل يكون بطرق كثيرة، وإحدى هذه الطرق أن نحمده سبحانه بألسنتنا؛ وذلك بقول: الحمد لله، الحمد لله. وأن نُكثر من هذا الحمد المـُعْلَن، وهذا في الواقع من أفضل الأعمال؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني حسن- عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَفْضَلُ الذِّكْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ للهِ".
وكان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله في مواطن كثيرة من حياته؛ مثل: دبر الصلاة، وبعد الطعام، وعند النوم، وغير ذلك من المواطن، ومع ذلك فيمكن للمسلم أن يُكْثِر من ترديد الحمد في الوقت الذي يشاء؛ لأن هذا كله يصبُّ في ميزان حسناته، بل ويملأ هذا الميزان! فقد روى مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآَنِ -أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".
ولعلَّ ختام الحديث بهذه الصورة لتعبير واضح على أن المسلم الذي أعتق نفسه هو الذي أكثر من الأعمال الصالحة التي جاءت في الحديث نفسه؛ مثل: الطهور، والحمد، والصلاة، فلْنحرص على دحر الشيطان بكثرة حمد الرحمن.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].