كان النبي يعفو عند القدرة، ويحلم عند الغضب، ويحسن إلى المسيء، وقد كانت هذه الأخلاق العالية من أعظم الأسباب في إجابة دعوته والإيمان به، واجتماع القلوب عليه، ومن ذلك ما فعله مع زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود وعلمائهم الكبار([1]).
جاء زيد بن سعنة إلى رسول اللَّه يطلبه ديناً لـه، فأخذ بمجامع قميصه وردائه وجذبه، وأغلظ لـه القول، ونظر إلى النبي بوجه غليظ وقال: يا محمد، ألا تقضيني حقي، إنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطْلٌ، وشدّد لـه في القول، فنظر إليه عمر وعنياه تدوران في رأسه كالفلك المستدير، ثم قال: يا عدو اللَّه، أتقول لرسول اللَّه ما أسمع، وتفعل ما أرى، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك، ورسول اللَّه ينظر إلى عمر في سكون وتُؤَدَةٍ وتَبَسُّمٍ، ثم قال: ((أنا وهو يا عمر كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعاً من تمرٍ))، فكان هذا سبباً لإسلامه، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وكان زيد قبل هذه القصة يقول: <لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً>([2]).
فاختبره بهذه الحادثة فوجده كما وُصِفَ، فأسلم وآمن وصدق، وشهد مع النبي مشاهده، واستشهد في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر([3]).
فقد أقام محمد براهين عديدة من أخلاقه على صدقه، وأن ما يدعو إليه حق.
([1]) انظر: هذا الحبيب يا محبّ، ص528، وهداية المرشدين، ص384.
([2]) ذكر ابن حجر في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة هذه القصة وعزاها إلى الطبراني، والحاكم، وأبي الشيخ في كتابه أخلاق النبي ×، وابن سعد، وغيرهم، ثم قال ابن حجر: <ورجال إسناده موثقون... ومحمد بن أبي السري وثقه ابن معين... والوليد قد صرح بالتحديث>، 1/566.
وذكره ابن كثير في البداية والنهاية، وعزاه إلى أبي نعيم في الدلائل. البداية والنهاية، 2/310، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/240: <رواه الطبراني، ورجاله ثقات>.
([3]) الإصابة في تمييز الصحابة، 1/566.
المقال السابق
المقال التالى