أسلم رضي الله عنه في العام الثامن للهجرة، أي وقد تجاوز الخمسين من عمره، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص)
وذكر الزبير بن بكار أن رجلا قال لعمرو: ما أبطأ بك عن الإسلام وأنت أنت في عقلك؟ قال: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم وكانوا ممن يواري حلومهم الخبال، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروا عليه فلذنا بهم ،فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا وتدبرنا، فإذا حق بين، فوقع في قلبي الإسلام فعرفت قريش ذلك مني من إبطائي عما كنت أسرع فيه من عونهم عليه، فبعثوا إلى فتى منهم فناظرني في ذلك فقلت أنشدك الله ربك ورب من قبلك ومن بعدك أنحن أهدى أم فارس والروم؟ قال: نحن أهدى قلت: فنحن أوسع عيشا أم هم؟ قال: هم. قلت: فما ينفعنا فضلنا عليهم إن لم يكن لنا فضل إلا في الدنيا وهم أعظم منا فيها أمرا في كل شيء، وقد وقع في نفسي أن الذي يقوله محمد من أن البعث بعد الموت ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته حق ولا خير في التمادي في الباطل.
ولما أسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، وولاه غزاة ذات السلاسل، وأمده بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح ثم استعمله على عمان فمات وهو أميرها، ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر، وهو الذي افتتح قنسرين وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية، وولاه عمر فلسطين.
وعن ابن هبيرة أن معاوية رحمه الله كتب إلى عمر رضي الله عنه يستأذنه في ركوب البحر ويخبره انه ليس بينه وبين قبرس في البحر إلا مسيرة يومين فإن رأى أمير المؤمنين أن أغزوها فيفتحها الله تبارك وتعالى على يديه فسأل عن اعرف الناس بركوب البحر فقيل له عمرو بن العاص كان يختلف فيه إلى الحبشة فسأل عنه فقال: يا أمير المؤمنين إن صاحبه منه بمنزلة دود على عود إن ثبت يعزق وان يميل يغرق فقال عمر رضي الله عنه: والله ما كنت لأحمل أحدا من من المسلمين على هذا ما بقيت.
قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى البحرين ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وخرجنا معه فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ فقال رحم الله عمرا قال فتذاكرنا كل إنسان اسمه عمرو فنعس ثانيا فاستيقظ فقال رحم الله عمرا ثم نعس الثالثة ثم استيقظ فقال رحم الله عمرا فقلنا من عمرو يا رسول الله قال عمرو بن العاص قالوا ما باله قال ذكرته أني كنت إذا ندبت الناس إلى الصدقة فجاء بالصدقة فأجزل فأقول له من أين لك هذا فيقول من عند الله وصدق عمرو أن لعمرو خيرا كثيرا قال زهير فلما كانت الفتنة قلت أتبع هذا الذي قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما قال فلم أفارقه.
ومن تواضعه: قال رجل لعمرو بن العاص أرأيت رجلا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبه أليس رجلا صالحا قال بلى قال قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبك وقد استعملك فقال قد استعملني فوالله ما أدري أحبا كان لي منه أو استعانة بي ولكن سأحدثك برجلين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبهما عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر
و عن موسى بن علي عن أبيه قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمرو، اشدد عليك سلاحك وثيابك، قال: ففعلت ثم أتيته فوجدته يتوضأ فرفع رأسه فصعد في النظر وصوبه قال: يا عمرو، إني أريد أن أبعثك وجها فيسلمك الله ويغنمك، وأزعب لك من المال زعبة صالحة، قال: قلت: يا رسول الله، لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك، قال: يا عمرو، نعما بالمال الصالح مع الرجل الصالح.
وعن علقمة بن وقاص أن عمرو بن العاص قام إلى عثمان وهو يخطب الناس فقال: يا عثمان إنك قد ركبت بالناس المهامة وركبوها منك فتب إلى الله عز وجل وليتوبوا. قال: فالتفت إليه عثمان فقال: وإنك لهناك يا بن النابغة ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال: أتوب إلى الله اللهم إني أول تائب إليك
ومن تربيته لابنه: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال زوجني أبي امرأة من قريش فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنته حتى دخل عليها فقال لها كيف وجدت بعلك قالت خير الرجال أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا فأقبل على فعذمني وعضني بلسانه فقال أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال لي أتصوم النهار قلت نعم قال وتقوم الليل قلت نعم قال لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني قال اقرأ القرآن في كل شهر قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال فاقرأه في كل عشرة أيام قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال أحدهما أما حصين واما مغيرة قال فاقرأه في كل ثلاث قال ثم قال صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت إني أقوى من ذلك قال فلم يزل يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صيام أخي داود صلى الله عليه وسلم قال حصين في حديثه ثم قال صلى الله عليه وسلم فإن لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فأما إلى سنة وأما إلى بدعة فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدي ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك قال مجاهد فكان عبد الله بن عمرو حيث ضعف وكبر يصوم الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك ثم يفطر بعد تلك الأيام قال وكان يقرأ في كل حزبه كذلك يزيد أحيانا وينقص أحيانا غير انه يوفي العدد أما في سبع وأما في ثلاث قال ثم كان يقول بعد ذلك لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي مما عدل به أو عدل لكني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره(1).
وعن المزني قال: سمعت الشافعي يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلم عليه وقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله قال: أصلحت من دنياي قليلا وأفسدت من ديني كثيرا فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت ولو كان ينجيني أن أهرب هربت فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي. فقال له ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله صار ابن أخيك أخاك ولا تشاء أن أبكى إلا بكيت كيف يؤمن برحيل من هو مقيم فقال عمرو: على حينها من حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربي اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى. قال ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله أخذت جديدا وتعطى خلقا فقال عمرو: ما لي ولك يا ابن عباس ما أرسل كلمة إلا أرسلت نقيضه.
عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده قال: قال عمرو بن العاص: خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية، فقال عظيم من عظمائهم: أخرجوا إلي رجلا يكلمني وأكلمه، فقلت: لا يخرج إليه غيري فخرجت ومعي ترجماني ومعه ترجمانه حتى وضع لنا منبر، فقال: ما أنتم؟ فقلت: إنا نحن العرب ونحن أهل الشوك والقرظ ونحن أهل بيت الله، كنا أضيق الناس أرضا وأشدهم عيشا، نأكل الميتة والدم ويغير بعضنا على بعض، بأشد عيش عاش به الناس حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفا ولا أكثرنا مالا، وقال: أنا رسول الله إليكم، يأمرنا بما لا نعرف وينهانا عما كنا عليه وكانت عليه آباؤنا، فكذبناه ورددنا عليه مقالته حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا: نحن نصدقك ونؤمن بك ونتبعك ونقاتل من قاتلك، فخرج إليهم وخرجنا إليه فقاتلناه، فقتلنا وظهر علينا وغلبنا، وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم، فلو يعلم من ورائي من العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من العيش.
فضحك ثم قال: إن رسولكم قد صدق، قد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به رسولكم، فكنا عليه حتى ظهرت فينا ملوك، فجعلوا يعملون بأهوائهم ويتركون أمر الأنبياء؛ فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه، ولم يشارككم أحد إلا ظهرتم عليه، فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا وتركتم أمر نبيكم وعملتم مثل الذي عملوا بأهوائهم فخلى بيننا وبينكم لم تكونوا أكثر عددا منا ولا أشد منا قوة. قال عمرو بن العاص: فما كلمت رجلا قط أمكر منه.
عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.
عن سعيد بن المسيب حدثني عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا، قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض فأخذ عودا صغيرا ثم قال: وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود؛ ولذلك سماه الله سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين.
|
|
وصيته |
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قضى عمرو بن العاص في الوهط قضى أنه صدقة في سبيل صدقة التي أمر الله بها على سنة صدقات المسلمين وتصدق بها ابتغاء وجه الله والدار الآخرة لا يباع ولا يوهب ولا يورث حتى يرثه الله قائما على اصوله ولا يرثه ولا يجوز لأحد من الناس تغيير شيء من الذي قضيت فيه وعهدت وأحرمه بما حرم
الله أموال المسلمين وأنفسهم وصدقاتهم ولا يباع ولا يورث ولا يهلك ولا يغير قضائي الذي قضيت فيه وتركته عليه ولا يحل لمسلم يعبد الله تبديل شيء منه ولا تغييره عن عهده والذي جعلته له وهو إلى ولي من آل عمرو بن العاص ووليه منهم المصلح غير المفسد والمتبع فيه قضائي وعهدي فمن أراد أن ينقصه أو يغير شيئا منه فهو السفيه المبطل الذي لا قضاء له في صدقتي ولا أمر ولم أكتب كتابي هذا إلا خشية أن يلحق فيه سفيه... بقرابة لا يعلم شأن صدقتي والذي تركتها عليه وعهدت فيها فيحدث نفسه بما لا يحل له ولا يجوز لقلة علمه وسفه رأيه فليس لأحد من أولئك في صدقتي حق ولا أمر وأحرج بالله على كل مسلم يعبد الله من ذي قرابة أو غيره وإمام ولاه الله أمر المسلمين أن يغير صدقتي عن ما وصيت فيها أو قضيت وتركتها عليه طلحة بن عبيد الله ومعبد بن معمر وعبد الرحمن بن عوف وأبو جهم بن حذيفة والحارث بن الحكم وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن مطيع وجبير بن الحويرث وأبو سفيان بن ماهد ونافع بن طريف وكتب لعشر ليال خلون من المحرم من سنة تسع وعشرين.
ولما حضرته الوفاة قال: اللهم إنك أمرتني فلم أأتمر وزجرتني فلم أنزجر ووضع يده في موضع الغل وقال: اللهم لا قوي فأنتصر ولا بريء فأعتذر ولا مستكبر بل مستغفر لا إله إلا أنت. فلم يزل يرددها حتى مات.
عن أبي فراس مولى عمرو بن العاص أن عمرا لما حضرته الوفاة قال لابنه عبد الله إذا أنا مت فاغسلني وكفني وشد علي إزاري أو أزري فإني مخاصم فإذا أنت غسلتني فأسرع بي المشي فإذا أنت وضعتني في المصلى وذلك يوم عيد إما فطر أو أضحى فانظر في أفواه الطرق فإذا لم يبق أحد واجتمع الناس فابدأ فصل علي ثم صل العيد فإذا وضعتني في لحدي فأهيلوا علي التراب فإن شقي الأيمن ليس أحق بالتراب من شقي الأيسر فإذا سويتم علي التراب فاجلسوا عند قبري نحو نحر جزور وتقطيعها استأنس بكم.
ومات عمرو بن العاص يوم الفطر وقد بلغ أربعا وتسعين سنة وصلى عليه ابنه عبد الله ودفن بالمقطم في سنة ثلاث وأربعين ثم استعمل معاوية على مصر وأعمالها أخاه عتبة بن أبي سفيان. | |