عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

تطهير البيت العتيق ،وهو أول بيت وضع للناس لعبادة الله سبحانه وتعالى من دنس الشرك والأوثان:

قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)  [آل عمران: ٩٦].

(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: 26].

إن أول بيت وضعه الله عز وجل في الأرض هو الذي بمكة؛ ليتعبد الناس لربهم عبادة صافية خالصة لا إشراك فيها، وكان العرب يحجون إلى هذا البيت في كل عام، ولكن بمرور الوقت والزمن زين الشيطان لهم عبادة غير الله من أصنام وأحجار.

ولكي ندرك مدى عظمة هذا البيت وحرمته عند الله تعالى علينا أن نعلم أنه أول بيت لله وضع للناس في هذه الأرض التي نحيا عليها.

ولنقرأ نبذة مختصرة عن قصة أصحاب الفيل الذين أرادوا هدم البيت الحرام.

قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)  [الفيل].

لقد قام أبرهة الأشرم ببناء كنيسة في صنعاء؛ ليصرف إليها حج العرب، وقد جلب إليها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب، ونصب منها صلبانًا من الذهب والفضة، ومنابر من العاج والآبنس، ثم كتب إلى مولاه نجاشي الحبشة يقول:

إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب.([1])

ولكن لم يستطع صرف العرب إليها بدلًا من الكعبة، فقرر هدم الكعبة بيت الله العتيق.

وقد تهيأ أبرهة لدخول البلد الحرام وهيأ فيله وعبَّى جيشه مجمعًا لهدم البيت العتيق، ثم الانصراف إلى اليمن، ولم يكن لأهل مكة القدرة على مقاومة جيش أبرهة، فلما وجهوا الفيل من معسكره تجاه الكعبة لهدمها من ناحية الجنوب برك وأبى أن يتحرك، فضربوه في رأسه بآلة من حديد، ثم أدخلوا محاجن لهم في أسفل بطنه، وهو بارك لا يقوم، فوجهوه راجعًا إلى اليمن، فقام يهرول ووجهوه نحو الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق، فتهيأ للانطلاق، ولما عادوا يوجهونه نحو مكة برك.([2])

ثم كان أن سلط الله نقمته على أصحاب الفيل فانتشر فيهم فجأة وباء مهلك، رمتهم بجراثيمه طيرًا أبابيل، فجعلتهم كعصف مأكول، وجُنُّوا من خوف ورعب، فولوا مدبرين يبتدرون الطريق الذي جاءوا يسألون عن نفيل بن حبيب الخثعمي، وكان قد خرج مع قومه لقتالهم حين مروا بأرض خثعم، فلما أسرهُ أبرهة افتدى نفسه بأن يكون دليل الحبشان بأرض العرب، فلا يكاد نفيل يسمع صياحهم وضراعتهم إليه أن يدلهم على الطريق إلى اليمن حتى يرد بأعلى صوته:

أين المفرُّ والإله الطالب

 

 

والأشرم المغلوب ليس الغالب

 

فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وأبرهة معهم ينتثر جسمه وتسقط أنامله؛ أنملة أنملة.([3])

وكان عبد المطلب سيد قريش- جد النبي محمد  - قد أنشد أبياتًا حين علم بعزم أبرهة الأشرم، قالها وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:([4])

اللــهم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك

جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك

إن كـنت تاركـهم وكـعبتنا فأمر ما بـدالك

يـــــــا رب لا أرجــــو لهـم ســــواك

يـــــــا رب فــامـنع منـهم حـماكــــا

إن عــــدو الـبـيـت مــن عــاداكــــا

امــنـعـهـمـوا أن يــخـربـوا فـنـاكـــا

وكانت هذه الحادثة في العام الذي وُلد فيه خاتم المرسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وفي اليوم الذي وُلد فيه المصطفى وكما قلنا أنه بمرور الوقت والزمن منذ بناء الكعبة زين الشيطان للناس عبادة غير الله من أصنام وأحجار بزعم أن عبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى.

وجاءت الرسالات وجاءت اليهودية، ومن ثم النصرانية، ولم تستطع أي منهم تطهير هذا البيت الحرام- وهو أول بيت لله وضع للناس لعبادة الله وحده- ولا تطهير أهله من دنس الشرك والأوثان، من عبادة الأصنام والأحجار إلى عبادة الله الواحد الجبار.

ألا تقتضي حكمة الله عز وجل أن يطهر بيته العتيق- وهو أول بيت وضع للناس ليعبدوا ربهم الذي خلقهم ورزقهم عبادة خالصة له، لا إشراك فيها لغيره من دنس الشرك والأوثان، ويصحح لهم عقيدتهم في إلههم وخالقهم الذي خلقهم من عدم- بأن يرسل رسولًا خاتمًا تختم به الرسالات السماوية، يتلو عليهم آيات ربهم ويزكيهم، ويطهرهم من الشرك والفجور ويعلمهم كتاب ربهم، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث؟

بلى، لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يرسل رسوله خاتم المرسلين محمد بالعقيدة الصافية السليمة التي لا عيب فيها ولا نقصان، وبالعبادات الهادية والمعاملات الحكيمة والأخلاق الكريمة والتشاريع القويمة، فأخرج الناس من ظلمات الشرك والأوثان إلى نور التوحيد.

فلقد مَنَّ الله عز وجل على رسوله محمد  بفتح مكة في العام الثامن من الهجرة، فدخل المسجد الحرام، وأقبل r إلى الحجر الأسود، فاستلمه ثم طاف بالبيت العتيق، وفي يده قوس وحول البيت آنذاك (360) ثلاثمائة وستون صنمًا كانوا يُعبدون من دون الله عز وجل، فجعل يطعنها رسول الله  بالقوس ويقول قول الله عز وجل:

(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: ٨١]، و (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: ٤٩].

ومن كرامة الله سبحانه وتعالى لهذا المكان الطاهر؛ مكة المكرمة الذي به وضع البيت العتيق، وهو أول بيت لله وُضع للناس ليعبدوه سبحانه وتعالى:

أ- ما تم اكتشافه حديثًا:

لقد اكتشف أن مكة المكرمة- وهي أم القرى- تتوسط اليابسة تمامًا، بمعنى أننا إذا رسمنا دائرة مركزها مكة المكرمة، فإن هذه الدائرة تحيط باليابسة كاملة، ليس هذا فحسب، بل إن مكة المكرمة تتوسط اليابسة زمانًا أيضًا حيث إن خط طول مكة المكرمة يتوسط الزمن تمامًا، فيكون ما حول مكة المكرمة هو العالم كله في كل مكان وزمان.([5])

فلقد أرسل ربنا تبارك وتعالى محمدًا r خاتم المرسلين للناس كافة في كل مكان وزمان، فهو القائل جل شأنه في كتابه المبين القرآن الكريم: (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) [الأنعام: ٩٢].

فأم القرى هي مكة المكرمة: وما حولها هو العالم كله في كل مكان وزمان، فمحمد r هو الرسول الخاتم الذي ختم به الرسل.

وبذلك يتضح لنا أن مكة المكرمة هي بمنزلة العاصمة للكرة الأرضية، فكان من مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى أن تكون مكة المكرمة مهدًا للرسالة العالمية والخاتمة.

 



([1]) (2) تراجم سيدات بيت النبوة  د/عائشة عبدالرحمن     

 

([3]) (2) تراجم سيدات بيت النبوة  د/عائشة عبدالرحمن

 

(1)موسوعة الإسلام والعلم الحديث،الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم د/ زغلول النجار




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق