عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم مقالات و خواطر
تاريخ الاضافة 2012-08-11 05:33:35
المشاهدات 2492
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»..


الحمدُ لله عالمِ السِّر والجهر، موِفِّر الثواب للعابدِينَ، ومكملِّ الأجْر، العَالمِ بخَائَنَةِ الأعينِ، وخافية الصدر، فَضَّل بعضَ المخلوقاتِ على بعض حتى أوقاتَ الدَّهر فجعل لَيلةُ القدْر خيرٌ مِنْ ألفِ شهر، أحمدُه حمداً لا مُنتَهى لعَدَدِه، وأشكره شكراً يسْتجلِبُ المزيدَ من مَددِه، وأصلى وأسلم على المبعوث إلى الثقلين أنسه وجنه.

أما بعد:

ففي حياة الأمم والشعوب أحداثٌ خالدة، وأيام مجيدة، تحمل في طياتها ما يغرم القلوب، ويبهم النفوس، ولقد شرفت هذه الأمة بأعظم الأحداث، وأكمل الأيام، وأتم الليالي، ومما أنعم به الخالق على هذه الأمة ليلة وصفها الله عز وجل بأنها مباركة؛ لكثرة خيرها وبركتها وفضلها إنها ليلة القدر، عظيمة القدر، ولها أعظم الشرف وأوفى الأجر (دروس رمضان لعبد الملك القاسم (126))، ولذا سنقف سريعاً في هذه المقالة مع فضائل هذه الليلة وأعمالها؛ ليدرك العبد عظمها ومنزلتها.


أولاً: فضائل ليلة القدر:

1- أنها خير من ألف شهر قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3]، قال مجاهد: "عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر" (تفسير الطبري (24/533)).

2- نزول الملائكة والروح فيها قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4]، قال البغوي: "قوله سبحانه: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} يعني جبريل عليه السلام معهم، {فِيهَا} أي: ليلة القدر، {بِإِذْنِ رَبِّهِم} أي: بكل أمر من الخير والبركة" (تفسير البغوي (8/491))، وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: "أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له" (تفسير ابن كثير (4/650)).

3- أنها سلام إلى مطلع الفجر قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5]، عن مجاهد في قوله: {سَلَامٌ هِيَ} قال: "سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً، أو يعمل فيها أذى" (تفسير الدر المنثور (8/570))، وقال ابن الجوزي: "وفي معنى السلام قولان: أحدهما: أنه لا يحدث فيها داء، ولا يرسل فيها شيطان قاله مجاهد، والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة قاله قتادة، وكان بعض العلماء يقول: "الوقف على {سَلَامٌ} على معنى تنزل الملائكة بالسلام" (زاد المسير لابن الجوزي (9/194)).

4- من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري في كتاب الصوم – باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية برقم (1802)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح برقم (760)]، قال ابن بطال: "ومعنى قوله: «إيماناً واحتساباً» يعني: مصدقاً بفرض صيامه، ومصدقاً بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله، بريئاً من الرياء والسمعة، راجياً عليه ثوابه"( شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/59))، وقال الإمام النووي رحمه الله: "معنى «إيماناً وتصديقاً»: بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى «احتساباً» أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد «بالقيام» صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها" (شرح صحيح مسلم للنووي (6/39)).


ثانياً: أعمال ليلة القدر:

«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» (شرح صحيح مسلم للنووي (6/39)).

وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها، والصلاة، وقد أمرت عائشة بالدعاء تقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟" قال: قولي: «اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عني» [رواه الترمذي برقم (3513)، وابن ماجه برقم (3850)، صححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (7883)]، والعفوّ من أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، فيحب العفو عن عباده، وعفوه أحب إليه من عقوبته.

قال يحيى بن معاذ: "لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه" يشير إلى أنه ابتلى كثيراً من أوليائه و أحبابه بشيء من الذنوب ليعاملهم بالعفو فإنه يحب العفو، ثم يستطرد ابن رجب رحمه الله فيقول: "وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها، وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً، ولا حالاً، ولا قالاً، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر"، قال يحيى بن معاذ: "ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو".

يا رب عبدك قد أتاك وقد أساء وقد هفـا

يكفيه منك حياؤه من سوء ما قد أسلفـا

حمل الذنوب على الذنوب الموبقات وأسرفا

وقد استجار بذيل عفوك من عقابك ملحف


لطائف المعارف لابن الجوزي (289) بتصرف.

فينبغي للعبد أن يشغل عامة وقته في أعمال البر والقربات من صدقة وذكر، وشكر وإخبات، وخضوع وخشوع وافتقار، وليكن أكثر أعماله الدعاء.

يقول سفيان الثوري: "الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة، وإذا قرأ ودعا ورغب إلى الله كان حسناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هذا دأبه في تهجده في ليالي رمضان، يجمع بين الصلاة والقراءة، والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال.

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "ويُستحب أن يُكثر فيها من الدعوات بمهمات المسلمين فهذا شعار الصالحين، وعباد الله العارفين" (الأذكار النووية للإمام النووي (244)).

وليعلم أن ليلة القدر ليست للمصلين فحسب فقد جاء عن جويبرٍ قوله: "قلتُ للضّحَّاكِ: أرأيتَ النُّفساء والحائض والمسافر والنائم لهم في ليلة القدر نصيبٌ؟" قال: "نعم، كُلُّ من تقبل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر" (وظائف رمضان لعبد الرحمن الحنبلي النجدي (62)).

ومن أهل العلم من يستحب أن يسوي بين ليلة القدر ونهارها في العمل، يقول الإمام الشعبي رحمه الله في ليلة القدر: "ليلها كنهارها"، وقال الشافعي قدس الله سره في القديم: "استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها"، وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره (طلائع السلوان في مواعظ رمضان (158)).

فلو قام المذنبون هذه الأسحار على أقدام الانكسار، ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ} [يوسف:88]، لبرز لهم التوقيع عليها: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92]، (لطائف المعارف لابن الجوزي (287)).


فيا أخي:

رياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين، وأنفاس المحبين، وقصص التائبين، ثم تعود برد الجواب، فكن ممن كتب له القبول يومها في الكتاب، ونال من نفحات الرب ما يرجو به النجاة يوم الخزي والعذاب، نسأل الله أن يكتب لنا إدراك ليلة القدر، وحسن العمل فيها وقبوله إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق