الأنبياء هم الذين اصطفاهم الله لنفسه ، ورباهم على عينه ، وحلاهم بالفضائل ، وخلاهم من القصور والرزائل ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) [ الأنعام : 90 ] .
وانظر إلى كريم شمائلهم ، وعظيم خُلُقُهم فى قول إبراهيم عليه السلام لأبيه ، بعد أن قال له :
( لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) [ مريم : 46 ] ( قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) [ مريم : 47 ]
يدرأ بالحسنة السيئة ، أخلاق المُحسنين ، وانظر إلى يوسُف عليه السلام وقد ألقاهُ إخوته فى الجُبَّ ، وبيع بيع الرقيق بدراهم معدودة ، وجرىَ عليه من الفتنة فى بيت العزيز، ثم لبث فى السجن بضع سنين ، فلما رفعه الله عز وجل ، وبوأه خزائن الأرض ،ودخل عليه إخوته دخول الفقراء المحتاجين يسألون الصدقة ( وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا )[ يوسف : 88 ] فقال لهم( لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) [يوسف : 92 ] .
وهذا نبينا محمدصلى الله عليه وسلم سيد الأولين و الآخرين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وقد آذاه أهل مكة ، وعذبوا أصحابه بكل الوان العذاب لما ظفر بقومه ، ودخل مكة فاتحاً عزيزاً كريماً مَنَّ عليهم .
إنها أخلاق الأنبياء الذين أمرنا الله عز وجل أن نقتفى آثارهم ، وننسج على منوالهم( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) [ الأنعام : 90 ]
وقد رفع الله عز وجل الأنبياء و الرُسل، وأعلى درجاتهُم كما قال تعالى:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) [ البقرة : 253 ]
إشارة إلى علو درجة جميع الرسل ، فهم أشرف الخلق نسباً ، وأكملهم خلقاً ، فهم منزهون عن النقائص الخِلقية و الخُلُقية ، وعن الإصابة بالأمراض المنفرة كالبرص و الجذام ، أوجب الله على المسلمين محبة جميع الرُسل ، والإيمان بهم ، والاهتداء بهم .
والكفر بواحد منهم كفر بجميعهم كما قال تعالى : ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) [الشعراء : 105 ] وقد اُرسل إليهم نوح وحده عليه السلام ، ولكن دعوتهم واحدة كما قال تعالى:( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه (ِ [ الشورى : 13 ] .
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يعلى دائماً منارالأنبياء الكرام تأصيلا لهذا الأصل الأصيل فقالصلى الله عليه وسلم[ نَحْنُ أحَقُ بِالشَّكَّ مَنْ إِبْراهيمَ ]
أى أن إبراهيمعليه السلامعندما قال ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى )[البقرة : 260 ] لم يكن ذلك على سبيل الشك أو الشرك.
وقال صلى الله عليه وسلم : [ وَلَوْ لَبثْتُ فىِ السَّجْنِ طُولَ مَا لَبثَ يُوسفُ ، لأَجَبْتُ الدَّاعىَ ] إشارة الى شرف يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة
والسلام، وقال صلى الله عليه وسلم : [ ولا أَقُولُ إِنَّ أَحَداً أَفْضَلُ مِن يُونُسَ بْن مَتَّى ] مع أنه صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين ، فقيل إنما قال ذلك على سبيل التواضع . وقيل فى أصل النبوة ، كما قال تعالى : (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) [ البقرة : 285 ]
ورتبة النبوة وهبية لا كسبية ، فلا يمكن لأحدٍ أن أن يصل إِلى هذة الرتبة بالرياضة والمجاهدة ، وكثرة العبادة
كما قال بعضهم :
ولا تنال رتبة النبوة بالكسب والتهذيب والفتوة
لكنها فضل من المولى الأجل لمن يشأ من خلقه إلى الأجل
ينبغى كذلك أن نعتقد أن أفضل الأنبياء هم الرسل ، وأن رتبة النبوة أعلى من رتبة الولاية ، وأن رتبة الرسالة أعلى من رتبة النبوة
فكل رسول نبى ، وليس كل نبى رسولا ، وهذا خلاف اعتقاد الصوفية الذين يقولون :
مقامُ النبوةِ فى برزخ فُوَيْقَ الرَّسولِ وَدُونَ الولى
وهذا من الجهل البليغ ، لأن النبى لابد أن يكون ولياً ، وعكس الولاية العداوة ، فهل يتخذ الله عز وجل نبياً من أعدائه ، فالنبى ولى ونبى ، والرسول ولى ونبى ورسول ، والشيعة أيضاً يعتقدون أن أئمتهم الإثنى عشر فى مرتبة لا يصل إليها ملكٌ مقربٌ ولا نبىٌ مرسلٌ .
ينبغى كذلك أن نعتقد أن أفضل الرسل خمسة ذكرهم الله عز وجل فى آيتين من كتابه : وهم محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى
صلى الله عليهم وسلم ، وأن أفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يليه فى المرتبة إبراهيم الخليل أبى الأنبياء وإمام الحنفاء ،
ورتب ابن كثير رحمه الله موسى الكليم بعد إبراهيم الخليل ، ولم يرتب العلماء بقية أولى العزم من الرسل .