قال صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك " هذه الطائفة لا تقدم شيئا على مرضات الله تعالى فهو المحبوب الأعظم والسيد المطاع ولا تقدم قولا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الامام المتبع والقدوة الحسنة
والهدف الأسمى لهذه الطائفة أن تكون كلمة الله هى العليا فهم لا يضرهم قلة السالكين فى الطريق ولا كثرة العقبات فى هذا الطريق ولا ما ينالهم من تشويه وطعن فيهم وفى منهجهم فمادحهم وذامهم فى الحق سواء !! وهم يعلمون أن الغاية نصر دين الله تعالى فى حدود المتاح لهم من أسباب ولو كان قليلا منهم لا يطالبون بالنتائج بل يطالبون بأن ينصروا الله فينصرهم !!
لذلك لا يقدمون شيئا ولا يؤخرونه إلا فى ظل الشريعة فلا تحركهم الحمية لشخص أو جماعة أو حزب أو عشيرة أو أهل فالهدف هو الدين وهو الغاية التى تبقى ولو زال الأشخاص والجماعات ولذلك لا يكتفى هؤلاء بصدق النوايا بل يلزمون أنفسهم بسلوك الشرع ولا شئ غيره فهم يريدون إعلاء شرع الله لكنهم لا يفعلون ذلك بما يرونه بل بما يأمر به شرع الله وهم يؤمنون بقدرة الله المطلقة وأنه على كل شئ قدير فيستجلبون نصره بطاعته ولزوم أوامره فإن حفظوا ذلك انفرج الأمر وأصبح الصعب سهلا وتحولت الأحلام الى واقع ملموس !!
لقد عاش صلى الله عليه وسلم حياته كلها صابرا مرابطا مطيعا لأوامر ربه ومبلغا لها وعاملا بها وهو متوكل على ربه وقد كان يعلم منذ اللحظة الأولى أنه لم يأت رجل قط بمثل ما جاء به إلا عودى فجعل يمهد لنصرة دين الله على ما تيسر له فى ظروف مختلفة
فلم يشرع له فى اول الأمر أن يجاهد بالسيف ففى بيعة العقبة الثانية جاء نفر من الأنصار يبايعونه قال جابر رضى الله عنه علام نبايعك يا رسول الله قال على السمع والطاعة فى النشاط والكسل وعلى النفقة فى اليسر والعسر وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعلى أن تقولوا فى الله لا تخافوا فى الله لومة لائم وعلى ان تنصرونى إذا قدمت اليكم وتمنعونى مما تمنعون منه نسائكم وأطفالكم ولكم الجنة !! فقام العباس بن نضلة فقال " لئن شئت يا رسول الله لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا { كانوا اثنان وسبعون رجلا وامرأتان !! } فقال صلى الله عليه وسلم إنى لم أومر بذلك بعد
ومضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات عصيبة يعذب فيها أصحابه ويضطهدون ويقتلون !! وهو لا يتحرك إلا فى ظل أوامر ربه حتى أذن له بالهجرة ثم بالقتال " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر في فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وإلى الله عاقبة الأمور "
فبدأت رحلة أخرى أذن فيها بالجهاد والذى كان فى أوله جهاد دفع قبل أن يكون جهاد طلب وهنا – كما هى سنة الله الجارية – ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثبت معه فى التزام أوامره وسقط البعض !! "
الم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو اشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا " ومع تقلب الأحوال وتغير الظروف كان الأمر واضحا أن الهدف هو إعلاء دين الله عز وجل والوسيلة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى وكان تأصيل هذا الأمر فى نفوس المؤمنين أهم من تحقيق نصر عاجل قد ينجلى ليكشف عن فئة لم تتربى على ذلك فلا بد أن تنهزم يوما ما !! فالاختبارات والإبتلاءات لا تنتهى وإنما تمر واحدة لتأتى الأخرى إلى نهاية الزمان !!
وفى صلح الحديبية رجع الصحابة إلى مكة لأداء العمرة لكنهم رجعوا بغير الصفة التى ذهبوا بها !! فقد خرجوا مهاجرين خائفين لكنهم يريدون مكة الآن وراية النصر على كفار قريش قد رفرفت فى بدر وفى الأحزاب وفى غيرها من المواقف حتى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد الأحزاب " الآن نغزوهم ولا يغزونا " !! ومع هذا آلت الأمور إلى صلح رأى فيه المؤمنون أن فيه اجحافا لهم حتى أن عمر رضى الله عنه يقول : يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل فلم نعطى الدنية فى ديننا !! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا رسول الله وهو ناصرى ولن يخذلنى !! يقول عمر : فعملت لذلك أعمالا كثيرة !!
لقد كان نصر المنهج فى لزوم طاعة الله ورسوله نصرا أكبر بكثير من أدائهم للعمرة وزيارة بيت الله الحرام بعد سنوات من الحرمان ولكن لتبقى القاعدة أن تحقيق الهدف لا يكون إلا من خلال لزوم المنهج " إن تنصروا الله ينصركم "
إن الطائفة المنصورة تجتمع على منهج تعمل به وتدعوا إليه وتسعى فى إعلائه والمنهج باق والأشخاص زائلون !! فلما أشيع يوم أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل تركه بعض الصحابة أسلحتهم وكان هذا أمرا فظيعا لأن المنهج يبقى حتى لو مات الرأس والقائد والمعلم الذى يمكن تعويضه ولن يأت مثله قطعا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم
لذلك أنزل الله تعالى هذا العقاب القوى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين " لقد توقف المفسرون عند خاتمة الآية بالشاكرين مع أنها تتحدث عن أعظم مصيبة يمكن أن يبتلى بها المؤمنون وهى موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا لم تختم الآية بالصابرين بل بالشاكرين اى الشاكرين نعم الله بالثبات على دينه فليست النعمة فقط فى حضور ورؤية رسول الله فقد رآه الكافرون والمنافقون وعاشوا حوله لكنهم لم يؤمنوا به وإنما النعمة فى اتباعه والثبات على دينه والذى يرزق هذه النعمة هو الله تعالى وارسال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وسيلة والغاية أن يوصلوا الخلق إلى طريق ربهم فيوحدوه ويعبدوه فإن أدت الوسيلة هدفها فالغاية باقية بقيت الوسيلة أم لا ولذلك جاء هذا العقاب الشديد ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا !!
لأن الله تعالى غالب على أمره وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون وعده متحقق لا محالة وإنما يخسر من تخلف عن الركب ورضى أن يكون مع الخوالف !! ولذلك لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد الأمر – وحق له أن يشتد – على المسلمين قام أبو بكر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله بين عينيه وقال السلام عليك يا حبيبى يا رسول الله أما الميتة التى كتبها الله عليك فقد متها ثم خرج فقرأ على المسلمين " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " فسكن عمر عند سماعها كأنما يسمعها لأول مرة
فالذى يقرأها فى هذا الموقف هو أقرب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الغاية باقية فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت !!
إننا فى هذه الأيام نمر بمرحلة فى غاية الخطورة من تاريخ هذه الأمة هذه الخطورة التى تجعل الجميع يضعوا أيديهم على قلوبهم خوفا من مرور الفرصة دون التمكين لدين الله وبداية بناء الدولة المسلمة ولكن لن ياتى ذلك إلا بلزوم المنهج والتوكل على الله ولزوم المنهج يقتضى التخلص من أسباب الفشل ومن أهمها التفرق " ولا تنازعوا فتفشلوا " ومن أهمها عدم تعلق القلب بغير الله ومن أهمها سلوك مسلك العدل مع الناس جميعا " ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا " ومن أهمها الصبر الصبر " واصبروا إن الله مع الصابرين "
أما وانى أرى من اخوانى من لا أشك فى حبهم للدين ورغبتهم الصادقة فى إعلاء الشريعة لكن مع الأسف قد قلت ان النية الصادقة لا تكفى وقد يتبع الانسان هواه فيشتبه عليه الحق والباطل حتى إن البعض ليقول سنعتزل الإنتخابات ولن نعطى أصواتنا لأحد بعد خروج الشيخ حازم من سباق الرئاسة !!
ومنهم من يقول سأكتب فى الورقة حازم !! ومنهم من زال يبكى على اللبن المسكوب ومنهم من جيش الأحلام بالغاء قرار اللجنة والوقت يمر !! والناس يتلاعب بهم الإعلام !! وبصرف النظر عن ما يتعرض له الشيخ حازم تبقى دعوى نصرة المظلوم أوسع فى نصرة شعب بأكمله ظلم طويلا بابعاده عن الشريعة وتبقى الغاية هى بناء الدولة الإسلامية دولة العدل والرحمة والكرامة ليبقى الشعار فلنحيا كراما حتى لو ذهب رافعه !!
إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فرئيس مصر القادم معلوم وقد حسم الأمر لكن يبقى من يتعامل مع الواقع ويستخدم المتاح فى حدود المباح !! ويبقى من يترك الميدان { مي دان البذل لا ميدان التحرير } مخاطبا بقوله تعالى : " ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا "
إن الوقت يمر سريعا ونحتاج أن نخاطب الناس خطابا هادئا لإقناعهم بالمشروع الإسلامى ودحض شبهات الإعلام التى طبعت فى عقولهم وتحذيرهم من خطورة انتاج نظام الطاغوت مرة أخرى فهذا وقت العمل وسوف يجتمع أهل العلم للإتفاق على مرشح أيما من كان فلا بد من المسارعة فى دعمه فما لا يدرك كله لا يترك جله والإسلام أبقى من الأشخاص ومن أراد أن يخدم دينه فليخدمه فى أى موضع كان ومن تجرد من حظ نفسه فسيجزى الله الشاكرين والله خير وأبقى وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ،،،
تامر نصار