☼ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفى الناس بالوعد، وأصدقهم وأرعاهم للعهد؛ شهد له بذلك أعداؤه قبل أصحابه؛ فقد شهد أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه لعظيم الروم ـ هرقل ـ عندما استشهده على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه للإسلام، قال هرقل لأبي سفيان: «سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ. قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ» (البخاري).
وَفَاءٌ بِهِ ازْدَانَتْ أَبَاطِــحُ مَكَّـــةَ وَعَـــــزَّ بِهِ ثَوْرٌ وَتَاهَ حِــــرَاءُ
☼ وقد كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم مع ربِّه عزَّ وجلَّ أعظم الوفاء؛ وفاء بالميثاق الأول الذي أخذه الله على عباده في عالم الذرِّ؛ من العهد على الإيمان به؛ فكان صلى الله عليه وسلم في قمة الوفاء بذلك العهد؛ فنشأ على الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام، ولم يسجد لصنمٍ قط؛ بل نشأ على بُغض الأصنام، وبغض سائر أعمال الجاهلية.
☼ ووفاء بعهد الله لأنبيائه ورسله بإبلاغ رسالته؛ فقام صلى الله عليه وسلم بالبلاغ المبين أحسن قيام، واستشهد على ذلك أمته: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ. وأشهدَ ربَّه عزَّ وجلَّ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» (جزء من حديث صحيح في حجة الوداع؛ أخرجه البخاري ، ومسلم).
وشهد له ربُّه عزَّ وجلَّ بإكمال الدين وإتمام النعمة عليه وعلى أمته صلى الله عليه وسلم؛ فقال عزَّ وجلَّ: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا". [المائدة: 3].
☼ وأما وفاؤه لأزواجه صلى الله عليه وسلم فلم يعرف الوفاء له نظيرًا!! وكيف لا وفي القرآن ـ الذي هو خُلُقه ـ: " وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" [البقرة: 237]؟!
☼ وقصة وفائه لخديجة رضي الله عنها، وحفظه لعهدها وودِّها، هي أعظم وأروع قصص وفاء زوجٍ لزوجه!!
☼ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأْيْتُهَا وَلكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِر ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ؛ فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ» (البخاري ومسلم).
☼ وتقول عائشة رضي الله عنها: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ؛ فقال: «اللَّهُمَّ هَالَةَ»، قالت: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ الله خَيْرًا مِنْهَا» (البخاري ومسلم).
و(حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ): العجوز التي سقطت أسنانها من الكِبَر. وعند مسلم (فارتاح لذلك): أي هشَّ لمجيئها.
قَالَتْ: فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ تَمَعُّرًا، مَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ، أَوْ عِنْدَ المَخِيلَةِ، حَتَّى يَنْظُرَ أَرَحْمَةٌ أَمْ عَذَابٌ (أخرجه أحمد وصححه الألباني).
و(تَمَعَّرَ): تغير لونه؛ كناية عن الغضب. و(المَخيلة): السحابة التي يُظن أن فيها مطرًا.
☼ إن وفاءه صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها، لم يكن أمرًا متكلفًا أو عارضًا، بل كان عن حبٍّ عظيم ووفاءٍ أصيل؛ حتى يرتاع لمن يُذَكِّرُه بها ويتغير؛ وكأني به صلى الله عليه وسلم وبأبي هو وأمي، كأني به وهو يهتز لذلك فرحًا وسرورًا، ويخفق قلبه الطاهر الشريف شوقًا لعهد خديجة رضي الله عنها، وبكلِّ ما يُذكِّره بها.
☼ تقول عائشة رضي الله عنها: إن عجوزًا جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليها، فقالت عائشة رضي الله عنها: «تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال!!» فقال: «إنَّها كانتْ تَأتينا زَمن خَدِيجةَ، وإنَّ حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإِيمانِ» (أخرجه الحاكم وصححه الألباني).
☼ فهكذا كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم لزوجه التي قد واراها الثرى منذ زمن؛ فلم يَنْسها ولم ينْسَ معروفَها قطُّ.
☼ وكذلك كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم لسائر أزواجه؛ فلما أنزل الله عزَّ وجلَّ آية التخيير()؛ بدأ بعائشة رَضِيَ الله عَنْهَا، وقال لها: «يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ»؛ وفاءً منه لهذه الزوجة التي هي حديثة السنِّ، وقد تَغْفُل مَنْ هي في سنِّها مصلحتَها الكاملة، وتلا عليها الآية، لكنها- رَضِيَ الله عَنْهَا، وهي التي عاشرته ورأت عظيم أخلاقه وروائع سجاياه- لم تكن أبدًا لتختار غيره صلى الله عليه وسلم، ولو كانت الدنيا وزينتها كلها؛ فتعلنها صريحة واضحة مجلجلة: «أَفِيكَ يَا رَسُولَ الله أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟!! بَلْ أَخْتَارُ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ».
ثم قالت رَضِيَ الله عَنْهَا: «وَأَسْأَلُكَ أَلَّا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ». قَالَ: «لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا؛ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» (مسلم).
☼ وإنما كان يخبرهن بهذا الذي اختارته رَضِيَ الله عَنْهَا؛ لأنه هو الخير، وهو صلى الله عليه وسلم لا يريد لهنَّ إلا الخير؛ وفاء لهنَّ على صبرِهنَّ على لأواء المعيشة التي كان عليها، وطولِ الصحبة التي أمضينها معه.
☼ وأما وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأقاربه؛ فقد بلغ قمة الوفاء في الكمال والعظمة!! هذا مع بقائهم على كفرهم وشركهم!!
وقصة وفائه لعمه أبي طالب، الذي رباه صغيرًا إلى أن بلغ أشدَّه، بعد وفاة جـدِّه عبد المطلب، ثم نصرته له ومنعه إياه من سفهاء قومه وتعرضهم له، فلمَّا حضرت أبا طالب الوفاة، وهو على شركه، اهتزت مشاعر الوفاء في نفس سيد الأوفياء صلى الله عليه وسلم فكان حريصًا أشدَّ الحرص على نفعه وإنقاذه من النار، وجعل يترجاه أن يُسلِم، ويناشده قائلاً: «أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله؛ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله».
فما زال به أئمة الكفر حتى مات على كفره؛ فَقَالَ أَبو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: «يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ».
فحزن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك حزنًا شديدًا، ولم يزل يُغالبُه عظيمُ وفائه له، حتى قال: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ».
فَنَزَلَتْ: " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" [التوبة: 113]. وَنَزَلَتْ: " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [القصص: 56] (البخاري ومسلم).
☼ وامتد هذا الوفاء العظيم ليشمل أقاربه من الرضاعة؛ حيث ظل صلى الله عليه وسلم يعترف لهم بالفضل، ويتحين فُرَصَ الوفاء لهم؛ حتى إذا ما سنحت واحدةٌ بادر إليها.
☼ ومن ذلك ما كان يوم حنين؛ حيث سبى المسلمون في ذلك اليوم من هوازن وثقيف النساء والذراري والأموال، وكان منهم من بني سعد بن بكر، الذين تنتسب إليهم حليمة السعدية مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجاء رجل منهم يُقَال لَهُ: أبُو جَرْوَلٍ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ؛ فَقَالَ: يا رسول الله، نساؤنا: عَمَّاتك وخالاتك وحواضنك اللائي كفلنك، وَلَو أَنا ملحنا- أي أرضعنا- لِلْحَارِثِ بن أبي شمر والنعمان بن المُنْذر، ثمَّ نزل بِنَا مِنْهُ الَّذِي أنزلت بِنَا؛ لرجونا عطفه وعائدته علينا، وَأَنت خير المكفولين، ثمَّ أنْشد قصيدة طويلة.
فلم يكن ليتأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب الخلق العظيم، عن الوفاء الذي طال ترقُّبُه له!!
فَقَالَ: «إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ؛ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا المَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ»، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ.
قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا.
فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ؛ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ».
فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا لَكَ ذَلِكَ. قَالَ: «إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ؛ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ».
فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا (أخرجه البخاري مختصرًا).
فهكذا كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم لمن يمتُّ إليه بقرابة الرضاعة؛ لقد ظل مستأنيًا بهم، يريدُ أن يردَّ إليهم ماغنِمَه منهم، ولما لم يأتوا، وتملَّكها أصحابُه ، غنيمة حلالاً طيبًا؛ بذل جهده في إعادة السبي، الذي هو أكرم لهم من المال وأعزُّ؛ فلله ما أعظمه من وفاء!!
☼ وأخبار وفائه صلى الله عليه وسلم لمراضعه وإخوانه من الرضاعة كثيرة، عامرة بها كتب الحديث والشمائل والسير.
☼ وأما وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ فوفاء لم يسمع بمثله البشر!! ولم يكن وفاء قاصرًا على حال حياتهم فحسب؛ فهذا قد يُحسِنُ بعضَه الكثير!! لكنه وفاء ممتد بعد الوفاة!! وهو الوقت الذي لا يحفظ فيه الوفاء إلا صاحب الخلق العظيم!!
☼ وفاء في الأهل والولد، وفاء في قضاء الدين؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؛ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» (مسلم).
و(الضياع): الذرية والأبناء.
☼ وياله من وفـاء للعهـد ورعاية للود، وصيانة للمعروف؛ ذلك الذي يضربه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصار، بعد فتح مكة، في موقف رائع مؤثرٍ مُبكٍ!!
☼ فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: لمَّا أَعْطَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا في قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ في الأَنْصَارِ مِنْهَا شيء، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ في أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَوْمَهُ.
فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ في أَنْفُسِهِمْ؛ لِمَا صَنَعْتَ في هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ؛ قَسَمْتَ في قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا في قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ في هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَنَا إِلاَّ امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاجْمَعْ لي قَوْمَكَ في هَذِهِ الحَظِيرَةِ».
فَلمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ الله، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا في أَنْفُسِكُمْ؟! أَلَمْ تكونوا ضُلَّالًا فَهَـدَاكُمُ الله، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ الله، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ الله بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟».
قَالُوا: بَلِى، الله وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ.
قَالَ: «أَلاَ تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟».
قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ الله، ولله وَلِرَسُولِهِ المَنُّ وَالْفَضْلُ؟!.
قَالَ: «أَمَا والله لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ، وَلَصُدِّقْتُمْ؛ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلاً فَآسيْنَاكَ.
المقال السابق
المقال التالى