فانظر معي إلى مشاهد يوم القيامة ، لتعرف من تصاحب :
1- مظاهر الندم و الحسرة على سوء اختيار الصاحب :
فانظر و تدبر هذا المشهد المهيب و الندم لشديد ، الذي جعل الظالم يعض على يديه و يأكلها من شدة الندم ، لأنه أساء اختيار الصاحب ، و اسأل نفسك : هل تتمنى أن تكون في مثل هذا المشهد ؟ ، بالطبع لا ، إذن اختار من تصاحب .
2- اللعن و العداوة في حوار إبراهيم مع قومه قال لهم :
( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) العنكبوت 25 .
فانظر إلى قوله تعالى : ( إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
أي : كانوا يتقربون إلى بعضهم البعض بمعصية الله ، ثم إذا حشروا بين يدي الله ضعافًا أذلاء ، يكفر بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضًا .
3- الخصومة و إلقاء التهم :
قال تعالى : ( وَ لَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ . قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ) سبأ 31-32 .
و هذا مشهد آخر لحوار يدور بين أهل النار الذين كانوا متحابين في الدنيا ، الفريق الاول يقول للفريق الثاني : أنت السبب في أنِّي لم أصلي ، و أنت السبب في أنِّي كنت أفعل المعاصي ، فيرد عليه الفريق الثاني بأن قال : بل كنتم مجرمين .
4- الانتقام :
قال تعالى : ( وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ) فصلت 29 .
و قال تعالى : ( وَ قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَ كُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) الأحزاب 67-68 .
و نهى الله أن نصاحب أهل الغفلة الذين عبدوا هواهم و شهواتهم و دنياهم ، قال تعالى : ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَأَمْرُهُ فُرُطاً ) الكهف 28 .
و أمرنا بمصاحبه أهل الدين ، فقال : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّيُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) الكهف 28 .
و أعطانا النبي صلى الله عليه و سلم مثالًا جميلًا لصاحب الخير و صاحب الشر ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَ نَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَ إِمَّا أَنْ تبتاعَ مِنْهُ و إِمَّا أَن تجدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَ نَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثيابَكَ و إِمَّا أنْ تجدَ مِنْهُ ريحًا خبيثةً » . مُتَّفق عَلَيْهِ
فعندما تصاحب أهل الدين و الخير ، فأنت لن تجد منهم إلا كل خير ، فإذا طلبت النصيحة أعطوك ، و إن مررت بما تكره واسوك ، و إن ضل بك الطريق أعانوك .
أخي المسلم ، أختي المسلمة : علينا جميعًا أن ننظر و نتدبر فيمن نصاحب ، هل نصاحب حامل المسك أم نافخ الكير ؟
و أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم من نصاحب من نصاحب ، عن أبي سعيد أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ: « لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَ لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَ أَبُو دَاوُدَ و الدارمي و حسنه الألباني