الأدب و حسن الخلق و حقوق المسلمين
إنّ الحمد لله، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران 102 ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء 1 ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗوَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب 70 - 71 .
أما بعد ، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله ، و أحسن الهدي هدي محمد ، و شر الأمور محدثاتها ، و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .
الأدب و حسن الخلق و حقوق المسلمين ، و لا يكون المرء صالحًا مصلحًا إلا إذا عرف هذه الثلاث .
أولًا - الأدب و حسن الخلق :
يزين الغريب إِذَا مَا اغترب ... ثَلاث فمنهن حسن الأدب
و ثانيه حسن أخلاقه ... و ثالثه اجتناب الريب
" نحن إلى قليل من الأدب أشدّ حاجة إلى كثير من العلم"ابن المبارك رحمه الله - مدارج السالكين .
" يا بني اجعل عملك ملحاً و أدبك دقيقاً"رويم بن أحمد البغدادي لابنه .
" من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن ، و من تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض ، و من تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة "عبد الله بن المبارك رحمه الله- مدارج السالكين.
قال مالك رحمه الله: "كانت أمي تعمّمني ، و تقول لي : اذهب إلى ربيعة فتعلّم من أدبه قبل علمه " .
" علمٌ بلا أدب كنار بلا حطب ، و أدبٌ بلا علم كروحٍ بلا جسم" أبو زكريا العنبري رحمه الله .
و قال العلماء : " من قصر به حسبه نهض به أدبه " .
لذلك قيل :
كن ابن من شئت و اكتسب أدبًا محموده يغنيك عن النسبا
ليس الجمال ثيابًا تزينه إنَّ الجمال جمال العلم و الأدبا
و ليس الفتى من قال هذا أبي و هذا عمي لكنَّ الفتى من قال ها أنا ذا
و قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين : " أَدَبُ الْمَرْءِ : عُنْوَانُ سَعَادَتِهِ وَفَلَاحِهِ . وَ قِلَّةُ أَدَبِهِ : عُنْوَانُ شَقَاوَتِهِ وَ بَوَارِهِ ؛ فَمَا اسْتُجْلِبَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ بِمِثْلِ الْأَدَبِ ، وَ لَا اسْتُجْلِبَ حِرْمَانُهُ مَا بِمِثْلِ قِلَّةِ الْأَدَبِ " .
فَانْظُرْ إِلَى الْأَدَبِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ ، كَيْفَ نَجَّى صَاحِبَهُ مِنْ حَبْسِ الْغَارِ حِينَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ ! ، وَ الْإِخْلَالُ بِهِ مَعَ الْأُمِّ - تَأْوِيلًا وَ إِقْبَالًا عَلَى الصَّلَاةِ - كَيْفَ امْتُحِنَ صَاحِبُهُ بِهَدْمِ صَوْمَعَتِهِ وَ ضَرْبِ النَّاسِ لَهُ ، وَ رَمْيِهِ بِالْفَاحِشَةِ .!
وَ تَأَمَّلْ أَحْوَالَ كُلِّ شَقِيٍّ وَ مُغْتَرٍّ وَ مُدْبِرٍ ، كَيْفَ تَجِدُ قِلَّةَ الْأَدَبِ هِيَ الَّتِي سَاقَتْهُ إِلَى الْحِرْمَانِ .
وَ انْظُرْ قِلَّةَ أَدَبِ عَوْفٍ مَعَ خَالِدٍ ، كَيْفَ حَرَمَهُ السَّلْبَ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ بِيَدَيْهِ .
وَ انْظُرْ أَدَبَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ ، أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ . فَقَالَ : مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ؛ كَيْفَ أَوْرَثَهُ مَقَامَهُ وَ الْإِمَامَةَ بِالْأُمَّةِ بَعْدَهُ .
فأورث هذا الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الإمامة ، فكان تأخر أبو بكر وراء النبي صلى الله عليه و سلم تقدمًا له على كل الأمة .
قال الإمام البوشنجي الفقيه المالكي : " من أراد العلم و الفقه بغير أدب فقد اقتحم أن يكذب على الله و رسوله " سير أعلام النبلاء للذهبي .
و أورد الإمام بن الجزري في غاية النهاية في طبقات القُراء عن ابن المبارك رحمه الله تعالى قال : " طلبت الأدب ثلاثين سنة ، و طلبت العلم عشرين سنة ، و كانوا يطلبون الأدب ثم العلم " .
أورد ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صفة الصفوة عن ابن المبارك قال : " كاد الأدب يكون ثلثي العلم " .
و أورد ابن مفلح رحمه الله تعالى في الآداب الشرعية ، عن ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : " لَا يَنْبُلُ الرَّجُلُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُزَيِّنْ عَمَلَهُ بِالْأَدَبِ ؛ و قال أيضاً : قَالَ لِي مَخْلَدَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ : " نَحْنُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْحَدِيثِ " .