عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

سريةعبد الله بن جحش
 
كانت سرية عبد الله بن جحش( رجب 2هـ - يناير 624)، من أهم الأحداث التي سبقت معركة بدر ومهدت لها، وقد أرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذه السرية لجمع معلومات عن قريش عند مدخل من مداخل مكة، بيد أن أفراد السرية حادوا عن هدف السرية ... فكانت هذه الدروس .
 
 
 
درس في احترام المواعيد والتكاليف
 
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ : دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ.. فَقَالَ : " وَافِ مَعَ الصّبْحِ، مَعَك سِلَاحُك ، أَبْعَثُك وَجْهًا " ..
 
قَالَ : فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَيّ سَيْفِي، وَقَوْسِي، وَجَعْبَتِي، وَمَعِي دَرَقَتِي، فَصَلّى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالنّاسِ الصّبْحَ، ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِي قَدْ سَبَقْته... "[1] .
 
انظر ، وتأمل، كيف كان انضباطهم ، واحترامهم للمواعيد، لقد قال له مُعلمه – صلى الله عليه وسلم - :
 
" واف الصبح ..."
 
فالتزم التلميذ واحترم التكليف، فكان بين المصلين في صلاة الصبح كما حدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
 
 قال عبد الله :
 
"فَيَجِدُنِي قَدْ سَبَقْته" .. توكيدًا على الالتزام.
 
وانظر ، لقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن جحش : "مَعَك سِلاحُك ، أَبْعَثُك وَجْهًا"..
 
فلم يستفسر الجندي عن علة ذلك، ولم يقلْ عبد الله بن جحش : لماذا السلاح ؟ وأين ستبعثني .. لا بد أن أعرف أولاً !
 
ولم يتكلم مجادلاً بكلام مؤذ،كالريح التي تسْفِي التراب .
 
وقد كان عبد الله نعم الجندي ونعم المسلم، ونعم العامل في جماعة الدعوة، فقد كان رد فعله كما قال :
 
"فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَيّ سَيْفِي، وَقَوْسِي، وَجَعْبَتِي، وَمَعِي دَرَقَتِي" .. لقد حضر في الموعد، وصلى مرتديًا لباسه العسكري كما طلب منه القائد، ولم ينس أمتعته اللازمة لتنفيذ التكليف، فأحضر السيف والقوس وجعبة السهام ودرقة الماء ( الزمزمية ) ..
 
ولم يفعل فعل الزَّفانين والراقصين، فلم ينم عن الموعد أو أضاع صلاة الفجر، ولم يتأخر عن الموعد، أو جاء في الموعد ولم يتجهز، أو جاء وتجهز ونسي شيئًا.          
 
 
 
درس في الحس الأمني
 
قال عبد الله بن جحش :
 
فَصَلّى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالنّاسِ الصّبْحَ، ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِي قَدْ سَبَقْته، وَاقِفًا عِنْدَ بَابِهِ، وَأَجِدُ نَفَرًا مَعِي مِنْ قُرَيْشٍ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -  أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَتَبَ كِتَابًا . ثُمّ دَعَانِي فَأَعْطَانِي صَحِيفَةً مِنْ أَدِيمٍ خَوْلانِيّ، فَقَالَ : "قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى هَؤُلاءِ النّفَرِ، فَامْضِ حَتّى إذَا سِرْت لَيْلَتَيْنِ فَانْشُرْ كِتَابِي ، ثُمّ امْضِ لِمَا فِيهِ "[2].
 
فلم يكن التكليف تكليفًا شفهًيا، ولم كن التكليف تكليفًا علنيًا، بل دخل القائد حجرته، واختلى بكاتبه، وتم كتابة الرسالة الحربية في سرية تامة، وتم إغلاق الكتاب، ونبه القائد على الجندي ألا يفتح الرسالة إلا إذا سار ليلتين ...
 
ولماذا كل هذا  ؟
 
1- لتربية الجند على الحذر التنظيمي .. "وخذوا حذركم  "
 
2- ولخشية إفساد العمل بثغرة أمنية، لكثرة الجواسيس والمخبرين التابعين لقريش.
 
3-ولحرص القائد على سلامة جنوده، فلا يطلق التكاليف كطلقات المدفع دون حيطة، فأشقى الناس من شقت به رعيته ! وأرذل الأمراء من فشلت به جماعته!
 
فالحذر، الحذر، وإن نام الليث أو ضحك !
 
قال أبو الطيب المتنبي :
 
إذا رَأيْـتَ نُيُـوبَ اللّيْـثِ بـارِزَة
 
فَـلا تَظُـنّـنّ أنّ اللّيْـثَ يَبْتَسِـمُ
 
 
 
درس في السمع والطاعة
 
بعدما سَارَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ:
 
" إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا، فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا، وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ ." .
 
 فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ : "سَمْعًا وَطَاعَةً" .
 
فلم يفتح الكتاب قبل الموعد الذي حدده له رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ولم تذكر كتب السيرة أن أحدًا من أعضاء السرية اقترح فتح الكتاب لسبب أو لآخر .
 
وكانت أول كلمة قالها  الجندي فور قراءة التكليف : " سمعًا وطاعة " .. وكأنما يخاطبه قائده مباشرة، ولم تكن الفيافي والقفار التي فصلت بينهما بشىء .
 
وما أجمل المسلم أن يتلقى التكليف من أخيه فيقول : " سمعًا وطاعة " ! ..
 
[كنتُ في مجلس بر وعمل للدين، وكان شيخنا الحاج أسامة أبو شحاته – حفظه الله – أحد دعاة مصر الأفاضل - إذ سمع هاتفه الجوال يهتف به، ودارت مكالمة -لم نعرف من الشخص المتصل- بيد أن الذي عجبنا له وأجللناه كلامات الحاج أسامة مع الشخص المتصل، فكانت كلاماته : " سمعًا وطاعة .. سمعًا وطاعة .. ما شاء الله تبارك الله .. حاضر .. سمعًا وطاعة .. إن شاء الله .. حاضر .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته " ..وكنت أحس بحلاوتها في فمه !  ].
 
 
 
درس في الشورى
 
 ثُمّ قَالَ عبد الله بن جحش لأصْحَابِهِ :" قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا ، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ، وَقَدْ نَهَانِي أَنْ لا أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ، فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لأمْرِ رَسُولِ اللّهِ".. فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مَعَهُمْ أَحَدٌ[3] .
 
 
 
إن القيادة الإسلامية تطمح دومًا للرقي بمستوى جند الله، لاسيما في الميدان التربوي، فقد رأيتَ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر قائد السرية أن يستشير إخوانه، بعدما أبان لهم هدف السرية ووجهتها، فتم ذلك، وخيَّرهم، فاختاروا المضي قدمًا، فلم يتجادلوا جدال النصوصيين، ولم يتنابذوا تنابذ العاجِّين عن السبيل، ولم يحِّولوا مجلس الشورى إلى مجلس لهو وسفه وخَنَا كمجالس النوكى والحمقى والمترفين. 
 
وانظر إلى حكمة القائد؛ أراد أن يعلمهم الشورى في مكان بعيد، مع هذا القائد الـمُشيح، وحدهم، في أرض فلاة، ليعيشوا التجربة، فتُأثرُ فيهم الدُّربة.
 
 
 
درس في الشجاعة :
 
لقد أجمعوا أمرهم، ولم يتخلف منهم رجل واحد، ولِـمَ لا، وقد تخرجوا في مدرسة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولم يجبنوا، لسان حالهم كما قال أبو الطيب :
 
  الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي
 
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ
 
صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً
 
حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ
 
 
 
درس في خطر الانحراف عن الغاية :
 
أو قُلْ : درس في خطور التحول عن الهدف الإجرائي دون إذن من القائد الأعلى. أو درس في أزمة ( العمل الدعوي الجماعي المعاصر) حيث العقل الخفيف الذي لا يرسخ عند المدلهمات، والقلب الضعيف الذي ينساق عند الشبهات ..
 
 أو قُلْ : درس في خطر عدول المجموعة الفرعية عن الجماعة الأصلية.
 
 
 
فلما سلكت السريةُ حتى إذا كانت في  بُحْرَانُ نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ،  وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ . فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ. وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ، فَمَرّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا ، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ . وفِيهَا خَمْرٌ وَأَدَمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنْ الطّائِفِ[4]، فَلَمّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ، وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمّا رَأَوْهُ أَمِنُوا ، وَقَالُوا: عُمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ  ..
 
فأمنوا وقيدوا ركابهم وسرحوها وصنعوا طعامًا[5] .
 
فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم. ثم اتفقوا على ملاقاتهم - وقد دخلت الأشهر الحرم - التي تعظمها العرب . وقد عظمها الإسلام وأقر حرمتها. فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ، وشد المسلمون عليهم فأسرواَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ ؛ أسره المقداد بن عمرو، وَأَفْلَتَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالأسِيرِينَ حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ[6] .
 
 
 
فَلَمّا قَدمِ أفراد السرية  عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْمَدِينَةَ، قَالَ -مستنكرًا ما فعلوه - : " مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ !!!" . فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ . وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا[7] !
 
فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سُقِطَ فِي أَيْدِي أصحاب السريةوَظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ هَلَكُوا ، وعنفهم أخوانهم من المسلمين فيما صنعوا، وندم الصحابة على ما سلكوه في هذه السرية[8] .
 
 
 
إذنْ، فهو درس التحذير من مغبة تحويل الهدف، فقد كان هدف السرية كما قرر رسول الله هدفًا استخبارتيًا .. فوقع الأصحاب في الخطأ وحادوا عن الهدف وتحولت السرية من هدفها الاستخبارتي إلى هدف آخر عسكري، فاستنكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما فعلوه، وردّ ما جلبوه، فندم الصحابه – رضوان الله عليهم – على ما سلكوه .
 
ولقد ظنوا أنهم هلكوا، جراء غضبة المصطفى، وتعنيف المجتمع الإسلامي لهم ..إذ تسبب هؤلاء الأصحاب – رضي الله عنهم – في هياج عاصفة إعلامية على الدولة الإسلامية الناشئة، فقد كانت العرب تعظم الأشهر الحرم، وكان على المسلمين أن يحترموا تلك الأعراف العربية الكريمة التي تُعلي من مكارم الأخلاق، ولكنه القدر، ليعتبر المعتبرون، و الخطأ ؛ ليتعلم المتعلمون .
 
قال أبو الطيب :
 
ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
 
ولكن من الخير أن نتعلم من الشر، لا أن نقعد :
 
قال أبو القاسم الشايبي :
 
من يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
 
 
 
درس في الحرب الإعلامية
 
لقد استغلت قريش ما حدث في هذه السرية من قتل في الشهر الحرام استغلالاً بارعًا، بيد أنه لايتفق والخُلق الكريم، فعمدت قريش إلى تشويه صورة الإسلام ونبي الإسلام والمسلمين أمام الرأي العام في الجزيرة العربية ..
 
 
 
 فقَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ ! وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ! وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ ! وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ  ! فرد المسلمون المستضعفون في مكة دفاعًا عن المعسكر الإسلامي وقالوا : إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ .وتحالف يهود المدينة إعلاميًا مع هذه الحملة الإعلامية المغرضة ضد المسلمين، وقالوا بكلام قريش، وتَوَقّعَ الْيَهُودُ بِالْمُسْلِمِينَ الشّرّ وَقَالَتْ يَهُودُ - تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَمْرٌو ، عَمُرَتْ الْحَرْبُ وَالْحَضْرَمِيّ ، حَضَرَتْ الْحَرْبُ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَقَدَتْ الْحَرْبُ . فَجَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لا لَهُمْ[9] .
 
 
 
ونزلت الآيات الكريمة ترد الحملة، وتزبر الظلمة :
 
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [البقرة:217]
 
قال صاحب الظلال ما ملخصه :
 
" نزلت  هذه الآية تقرر حرمة الشهر الحرام، وتقرر أن القتال فيه كبيرة نعم! ولكن الصد عن طريق الله والكفر به واضهاد الضعفاء وإخراجهم من بيوتهم بغير حق - هو كبر عند الله . والفتنة أكبر من القتل . .
 
" إن المسلمين لم يبدأوا القتال ، ولم يبدأوا العدوان . إنما هم المشركون . هم الذين وقع منهم الصد عن سبيل الله ، والكفر به وبالمسجد الحرام، لقد صنعوا كل كبيرة لصد الناس عن سبيل الله . ولقد كفروا بالله وجعلوا الناس يكفرون . "ولقد كفروا بالمسجد الحرام . انتهكوا حرمته؛ فآذوا المسلمين فيه ، وفتنوهم عن دينهم طوال ثلاثة عشر عاماً قبل الهجرة . وأخرجوا أهله منه وهو الحرم الذي جعله الله آمناً ، فلم يأخذوا بحرمته ولم يحترموا قدسيته . .
 
" وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام . . وفتنة الناس عن دينهم أكبر عند الله من القتل . وقد ارتكب المشركون هاتين الكبيرتين فسقطت حجتهم في التحرز بحرمة البيت الحرام وحرمة الشهر الحرام .
 
" لقد كانت كلمة حق يراد بها باطل . وكان التلويح بحرمة الشهر الحرام مجرد ستار يحتمون خلفه ، لتشويه موقف الجماعة المسلمة ، وإظهارها بمظهر المعتدي . . وهم المعتدون ابتداء. وهم الذين انتهكوا حرمة البيت ابتداء[10] .
 
 
 
ولا زال أعداء الإسلام يشنون حروبهم الإعلامية على الإسلام ونبيه، فضللوا شعوب الغرب عن الإسلام ونبيه، ونشروا أشنع التصاوير التي يرسمها إنسان عن إنسان، واتهموا النبي صلى الله عليه وسلم – بالكذب والتطرف والصرع .
 
ولايزال أعداء الدعوة، يستخدمون سلاح الإعلام أسوء استخدام، فيتصيدون كل ساقطة ولاقطة لرجال الدعوة، ويضخمون الصغير ويصغرون الكبير، حتى جعلوا من الفيل نملة ومن الحبة قُبة، ويجتزئون من الكلام ليضربوا بعضه ببعض، على طريقة " فويل للمصلين " .. وألصقوا تهم " الإرهاب " و " التطرف " و " التشدد " و " التخلف " و " الرجعية " برجال الدعوة .
 
ومن هؤلاء القائمين على وسائل الإعلام من كان يعمل قوادًا يجلب العاهرات لرجال الحُكم، ومنهم من كان يعمل جلادًا في السجن الحربي ثم انتقل بين عشية وضحاها إلى مبنى وزارة الإعلام بين صفوف رجال الإعلام الظلامي، وكثيرٌ منهم مخبرون.
 
 
 
درس في حرص القائد على جنوده:
 
فلما بعثت قريش في فداء الأسيرين عثمان بن عبد الله  والحكم بن كيسان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "لا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا ، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ".
 
فقدم سعد وعتبة، فأفداهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[11].
 
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبدالله فلحق بمكة فمات بها كافرًا [12].
 
إن حرص القائد على سلامة جنوده ضرورة من الضرورات، وسمة أساسية من سمات القائد المستحق للإمارة القادر على القيادة.
 
ثم إن حرص القائد على سلامه جنوده عامل مهم في تقوية الحب والأخوة بين القائد وجنوده، الأمر الذي يدفع الجندي إلى أن يبذل الغالي والنفيس من أجل تنفيذ تعليمات قائده .
 
 
 
درس في الاعتراف بالخطأ والعمل على إصلاحه :
 
فقد رأينا في هذه السرية كيف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استنكر صنيع أصحاب السرية، وأقر أصحابُها بخطئهم، واعترفوا بذنبهم .. وعمل المسلمون على إصلاح الخطأ، لتشهد الجزيرة العربية مكارم أخلاقهم، فقد أطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صراح الأسيرين وأدى دية المقتول إلى أوليائه..
 
 
 
توصيات عملية :
 
1-أن تحترم المواعيد، واحذر : " إذا وعد أخلف " ، وامض لأمر الله  ولو كنتَ بين السماطين . واحذر نومة العجز، وإلف المزح، وقلة الإكتراث للخطيئة.
 
 
 
2-أن تمتثل لأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وإنفاذه سراعًا في العسر واليسر، وأن تسمع وتطيع لإخوانك في الله، لأمر الله، على طاعة الله، في المنشط والمكره . [ وننصح بدراسة قصة طالوت ، وموقف خالد بن الوليد حين عزله أمير المؤمنين عمر]  .
 
 
 
3-اعترف بخطإك، فالاعتراف به فضيلة، وأحرى أن يقبل الله توبة المعترف المقر بذنبه، وأحرى بالعنود أن يُرَد . وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعائشة – في ثنايا قصة الإفك - :
 
"فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ "[13] .
 
 
 
4-لا تنساق وراء الشائعات التي اختلقها الحساد حول دعوتك، ولاتبالي بضراد الفسائين ما دمتَ طاهرًا، ولن يضروكم إلا أذى ! ولتكن الشائعة مقرها إليك فلا تتجاوزك، وإياك أن تكون (محطة) في رحلتها التعسة.
 
 
 
4-كن شجاعًا، فلا تجبن أبدًا، فلحظة الجبن تورث المذلة والدعة والضعة، والمؤمن ليس بشَعَث اللِّمّة، ولا قَشَف الهيئة، بل صاحب هِمة، شجاع الوقفة، لا يخشى في الله لومة، ويطمح إلى منزلة سيد الشهداء حمزة، ورجل قائم إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله .
 
قال أبو الطيب المتنبي  :
 
 فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم
 
وقال :
 
و إذا لم يكن من الموت بدّ *** فمن العار أن تموت جبانًا
 
 
 
6-الحس الأمني، وِجاء للجماعات الدعوية في عصرنا، فلا بقاء لجماعة مخترقة، وليس الإنفلات من شيم الجماعات المحترمة، فمن الحماقة التساهل في التكتم، ومن الغَثَارة النوم وعين تترصد عليك . واحذر عدوك؛ فهو أغدر من ذئب، ولا تُذهب بعمل كبير وجهد جهيد أدراج الرياح لثغرة أمنية تركتها، كرَيطة بنت كعب التي نَقَضت غَزْلَها أنكاثًا، خرقاء وجدت صُوفًا ! فاليقظة اليقظة !
 
7-وتعلَّمْ فقه الشورى، ومارسه، واحفظ تعاليمه وأصوله وتأصيله، واقرأ ما تيسر لك في فقه الشورى .
 
8-الانحراف عن الغايات، آفة الدعوات، وسوسة الحضارات، ومجلبة الغدرات، فاخش – أخي الحبيب - أن يأتيك أمر الله بغتة، أو الإملاءُ فهو أوبأ مَغبة .. فسُنته – سبحانه - في الدعاة هي التمحيص أو التمكين أو الاستبدال [ نسأل الله أن يثبتنا في الأولى ويرزقنا الثانية ويجنبنا الثالثة ] فعليك – أخي – بمحاسبة النفس، ومذاكرة الهدف، والارتباط بالأصل، والاحتكام إلى النص، ومخالفة الهوى، وملازمة التجرد، والتطلع إلى معالي الأمور، واعلم أن الصبر على بلاء التنظيم خير من ذل الشرود وهوس الغرور.
 
------------------
 
[1] الواقدي  1 / 14
 
[2] الواقدي  1 / 14
 
[3] السهيلي 3/42
 
[4]ابن حزم : جوامع السيرة 1 / 105
 
[5] الصالحي 6/17
 
[6] الصالحي 6/17
 
[7] ابن هشام 1 / 603
 
[8] الصالحي 6/17
 
[9] ابن هشام  1 / 604
 
[10]سيد قطب: الظلال 1/106
 
[11] ابن كثير: السيرة النبوية 2 / 369
 
[12] ابن كثير: السيرة النبوية 2 / 369
 
[13] أخرجه البخاري: 3826



                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق