فمما يقع الناس فيه: الزيارة وعدم التقيد بما ذكر الله في كتابه، وبما سن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزيارة، بل أصبح في نظام الزيارة همجية وعشوائية، وكدر على الزائر والمزور.
لقد ذكر الله الزيارة في سورة النور فقال: ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58] فهذه الأوقات الزيارة محضورة فيها، وهذه الثلاثة الأوقات؛ أوقات استجمام وراحة، وهي أوقات خاصة للمؤمن مع أهله وفي بيته، وليس من الحكمة أن تزوره قبل الفجر، أسمعت غبياً أو أحمقاً يطرق عليك قبل الفجر، فتفتح له بابك، وتقول له: ماذا تريد؟ فيقول: عندي مسألة أو أريد أن أتحدث معك؟! يا له من حديث ما أسوده! ومن وقت ما أعكره! هذا وقت إما قيام ليل أو وقت نوم لمن سهر من مرض أو سفر، أو وقت خاص فلا يزار فيه.
(وبعد صلاة الظهر -حين تضعون ثيابكم من الظهيرة-) حين تأتون من الأعمال منهكين، عليكم من الكلال والمشقة ما الله به عليم، فهو وقت قيلولة؛ فيطرق الطارق في مسألة وكم يتعرض الإنسان لمثل هذا الأمر، فيجب أن نتقيد بما في الكتاب والسنة، وقضية أن نفقه في الصلاة ولا نفقه في الزيارة ليس بصحيح، فزيارتنا واتصالنا وجلوسنا تؤخذ كلها من مشكاة محمد عليه الصلاة والسلام.
فالزيارة بعد الظهر ليست زيارة إلا أن تكون معدة لوليمة أو دعوة أو جدول عمل مرتب.
(ومن بعد صلاة العشاء) وهذا لا يزار فيه؛ وهو وقت أذهبه كثير من الناس في السهر المضني، والضياع وعدم التحفيز، والسهر الذي فوت على كثير منهم صلاة الفجر.
وإنني أدعو إخواني إلى أن تكون زيارتهم هذه -من باب الاقتراح ووجهات النظر الموافقة للنصوص- من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء؛ فهو وقت مستهلك وبسيط على الزائر والمزور؛ وبعض الناس إذا زار أثقل في الزيارة.. يزورك بعد العصر ولا يخرج إلا آخر الليل.
رأى الشافعي رجلاً زاره وكان ثقيلاً -ذكر ذلك الذهبي وغيره- فقال الشافعي : رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12] وكان الأعمش يقول: إني لأسمع بالثقيل فتتمايل بي الأرض، أظن الأرض ستنخسف من جهتي.
وقال ابن الرومي في زائر زاره:
أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل أنت في المنظر إنسان وفي المخبر فيل
ونحن نقول لإخواننا: أنتم مسلمون وأحباب وعلى المقل، وطئوا على شفاف العين، لكن هناك أوقات يرتاح فيها المرء ليأتي بصفاء ذهنه، لأن العبد، وخاصة من يتلقى أمور الناس، كالأئمة والخطباء والقضاة والمسئولين وأعيان الناس.. دائماً عليهم من المشاكل ما الله به عليم، فإذا صار وقت راحتهم مشغولاً مع الناس؛ فلن يجدوا وقتاً للراحة، ولتكدر صفوهم وأُحرجوا حرجاً بيناً. وأشير بحول الله -إن تذكرت- إلى مسألة سارع إليها العلماء وهي "نظام بعض العلماء في المسائل" ونظام الجيران في الحارات.
المقال السابق
المقال التالى