وأما رحمته صلى الله عليه وسلم بضعفاء المسلمين؛ فقد منحَهم وأولاهم صلى الله عليه وسلم كاملَ رحمتِه، وعظيمَ تحنُّنه ورأفته وشفقته.
☼ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ المَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا المَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا (مسلم) (و(صلاة الغداة): هي صلاة الصبح). وذلك للتبرك به صلى الله عليه وسلم.
وما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إلا لكمال رحمته وشفقته ورأفته بهم؛ ليطيب نفوسهم، مع ما كان في ذلك من عناء له، ومشقة شديدة؛ من شدَّة برد المدينة في الشتاء.
☼ ولم تكن هذه الرحمة متكلفة يبذلها صلى الله عليه وسلم لهم حال حياتهم فقط؛ بل إنها تمتدُّ لتشملَهم بعد مماتِهم أيضًا!!
☼ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ أَسْوَدَ ـ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً ـ كَانَ يَكُونُ فِي المَسْجِدِ، يَقُمُّ المَسْجِدَ، فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ ذَلِكَ الإِنْسَانُ؟» قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «أَفَلا آذَنْتُمُونِي؟!». فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا... قِصَّتُهُ. قَالَ: فَحَقَرُوا شَأْنَهُ. قَالَ: «فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَأَتَى قَبْرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ (البخاري ومسلم).
☼ وكان من كمالِ رحمته صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الضعفاء أن يترك بعض ما يحب من العمل رحمة بهم وشفقة عليهم، كما تقدم في تركه الخروج للجهاد مع كل سرية (البخاري ومسلم).
☼ وقد كان صلى الله عليه وسلم يخفض لهم جناحَه تواضعًا لهم، ورحمة بهم؛ فكَانَ صلى الله عليه وسلم لا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ؛ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ (النسائي وصححه الألباني).
☼ وكانَ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي ضُعَفَاءَ المُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ (أخرجه الحاكم وصححه الألباني). وغير ذلك كثير كما في مبحث تواضعه صلى الله عليه وسلم.
المقال السابق
المقال التالى