فِي سَنَةِ سِتٍّ، اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم إِلَى العُمْرَةِ، فَأسْرَعُوا, فَخَرَجَ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعمائةِ رَجُلٍ بِلا سِلاحٍ إِلَّا سَلَاح المسَافِر؛ وَهِيَ السُّيوفُ فِي الأغْمَادِ، وَسَاقَ وأصحَابهُ البُدْنَ، فَلَمَّا عَلِمتْ قُرَيْشٌ جمعَتِ الجُمُوعَ لتصُدَّه عَنِ البيتِ الحرَامِ.
فَصَلَّى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم صَلاةَ الخوْفِ, ثُمَّ دَنَا مِنْ مَكَّةَ، فَبركَتْ بِهِ راحِلَتُه، فَقَالَ المسْلِمُونَ: خَلَأتِ القَصْوَاءُ.
فَقَالَ صلى الله عليه و سلم: "مَا خَلَأتْ, وَإِنَّمَا حَبَسهَا حَابِسُ الفِيلِ، أَمَا وَاللهِ لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ خُطّةً فِيهَا تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا".
ثُمَّ زَجَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم ناقَتَه فَقَامَتْ، ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى ثَمَدٍ مِنْ أَثْمَادِ الحُديْبيةِ قَليلِ الماءِ، فَانْتَزعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانتِه فَغَرَزَه فِيها، فَجَاشَتْ لَهمْ بالرَّوَاءِ، حَتَّى اغْتَرفُوا بأيدِيهِمْ مِنَ البئْرِ.
فَرَجَعَ بُدَيْلُ فَأَخْبَرَ قُرَيْشًا، ثُمَّ بعثُوا عُروَةَ بْنَ مَسْعُودٍ، فكلَّمَه بنحْوٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَرَاهُ أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أُمورًا تَدلُّ عَلَى عَظِيم محبَّتِهِمْ لَهُ وَطاعَتِهمْ أَوَامِرَه, فَرَجَعَ فأخْبَرَ قُرَيْشًا بِمَا رَأَى وَسَمِعَ. ثُمَّ بَعثُوا رَجُلاً مِن بَنِي كِنَانةَ، اسْمُه الحُلَيْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ وَبَعَثُوا بَعدَه مِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ، فَبينَما هُوَ يكلِّمُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم "قَدْ سُهِّل لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ".
ثُمَّ حَصَلَ الصُّلحُ بينَ الفرِيقَيْنِ, مَع أَنَّ المسْلِمينَ لَوْ قَاوَمُوا أَعدَاءَهُمْ فِي ذَلِكَ الوقْتِ لظفَرُوا بِهِمْ، ولكنَّهم أَرَادُوا الحِفَاظَ عَلَى حُرُماتِ البَيْتِ، فَكَانَ الصُّلْحُ عَلى مَا يلي:
1- أَنْ تُوضَعَ الحرْبُ بَيْنَ الفريقَيْنِ عَشْرَ سَنَواتٍ.
2- أَنْ يأمَنَ بعضُهُم بَعضًا.
3- أَنْ يَرْجِعَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم عنْهُمْ عَامَهمْ هَذَا، عَلَى أَنْ يُخلُّوا بَينَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ العَام المقْبِلَ.
4- أَنَّه لَا يأتِيه منْهمْ رَجلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلى دِينِ الإسْلَامِ إِلَّا رَدَّه إليهِمْ، وَأَلَّا يَردُّوا إِليه من جَاءَهُمْ مِن عِنْدِه.
5- مَنْ أَرَادَ أَنْ يدْخُلَ فِي عهْدِ محمَّدٍ صلى الله عليه و سلم مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ دَخَلَ فِيه، وَمَنْ أَرادَ الدُّخُولَ فِي عهْدِ قريشٍ دَخَلَ فِيه().
المقال السابق
المقال التالى