وفي أثناء الهجرة التي هاجر فيها المسلمين من مكة إلى المدينة، وظل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينتظر الهجرة مع النبي صلى الله علية وسلم من مكة، فأذن الرسول صلى الله علية وسلم بالهجرة معه، وعندما كان أبو بكر الصديق رضي لله عنه يربط الأمتعة ويعدها للسفر لم يجد حبلاً ليربط به الزاد الطعام والسقا فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي صلى الله علية وسلم يرى ذلك كله، فسماها أسمـاء ذات النطــاقين رضي الله عنه، ومن هذا الموقف جاءت تسميتها بهذا اللقب.وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (أبدلك الله عز وجل بنطاقك هذا نطاقين في الجنة)، وتمنت أسماء الرحيل مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبيها وذرفت الدموع، إلا إنها كانت مع أخوتها في البيت تراقب الأحداث وتنتظر الأخبار، وقد كانت تأخذ الزاد والماء للنبي صلى الله علية وسلم ووالدها أبي بكر الصديق غير آبهة بالليل والجبال والأماكن الموحشة، لقد كانت تعلم أنها في رعاية الله وحفظه ولم تخش في الله لومة لائم.
وفي أحد الأيام وبينما كانت نائمة أيقظها طرق قوي على الباب، وكان أبو جهل يقف والشر والغيظ يتطايران من عينيه، سألها عن والده، فأجابت: إنها لا تعرف عنه شيئاً فلطمها لطمة على وجهها طرحت منه قرطها..
ـ كانت الأم أسماء بنت أبي بكر حاملاً بعبـد الله بن الزبيـر، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم، وما كادت تبلغ ( قباء ) عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة، وحُمِل المولود الأول إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقبّله وحنّكه، فكان أول ما دخل جوف عبـد اللـه ريق الرسول الكريم، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة مهلليـن مكبرين.
بعض المواقف من حياتها مع الصحابة:
لما خرج الصديق مهاجراً بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل معه ماله كله، ومقداره ستة آلاف درهم، ولم يترك لعياله شيئًا... فلما علم والده أبو قحافة برحيله - وكان ما يزال مشركاً - جاء إلى بيته وقال لأسماء: والله إني لأراه قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه... فقالت له: كلا يا أبتِ إنه قد ترك لنا مالاً كثير، ثم أخذت حصى ووضعته في الكوة التي كانوا يضعون فيها المال و ألقت عليه ثوب، ثم أخذت بيد جدها - وكان مكفوف البصر - وقالت: يا أبت، انظر كم ترك لنا من المال. فوضع يده عليه وقال: لا بأس... إذا كان ترك لكم هذا كله فقد أحسن. وقد أرادت بذلك أن تسكن نفس الشيخ، وألا تجعله يبذل لها شيئاً من ماله ذلك لأنها كانت تكره أن تجعل لمشرك عليها معروفاً حتى لو كان جدها
وروى عروة عنها، قالت: تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه ; فكنت أسوسه وأعلفه، وأدق لناضحه النوى، وأستقي، وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأسي - وهي على ثلثي فرسخ فجئت يوما، والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه نفر، فدعاني، فقال: إخ، إخ، ليحملني خلفه ; فاستحييت، وذكرت الزبير وغيرته.
قالت: فمضى.
فلما أتيت، أخبرت الزبير. فقال: والله، لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه! قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني
وعن ابن عيينة، عن منصور بن صفية، عن أمه، قالت: قيل لابن عمر إن أسماء في ناحية المسجد - وذلك حين صلب ابن الزبير - فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله ; فاتقي الله واصبري.
فقالت: وما يمنعني، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
وفي خلافة ابنها عبد الله أميراً للمؤمنين جاءت فحدثته بما سمعت عن رسول الله بشأن الكعبة فقال: إن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لرددت الكعبة على أساس إبراهيم، فأزيد في الكعبة من الحجر). فذهب عبد الله بعدها وأمر بحفر الأساس القديم، وجعل لها بابين، وضم حجر إسماعيل إليها، هكذا كانت تنصح ابنها ليعمل بأمر الله ورسوله..
وقبيل مصرع عبد الله بن الزبير بساعاتٍ دخل على أمه أسماء - وكانت عجوزاً قد كف بصرها - فقال:
السلام عليك يا أُمَّه ورحمة الله وبركاته.
فقالت: وعليك السلام يا عبدا لله...
ما الذي أقدمك في هذه الساعة، والصخور التي تقذفها منجنيقات الحَجَّاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزًا؟!
قال: جئت لأستشيرك.
قالت: تستشيرني... في ماذا؟!
قال: لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبة من الحجاج أو رغبة بما عنده حتى أولادي وأهلي انفضوا عني، ولم يبق معي إلا نفر قليل من رجالي، وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين...
وأرسل بني أمية يفاوضونني على أن يعطونني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح وبايعت عبد الملك بن مروان، فما ترين؟
فعلا صوتها وقالت:
الشأن شأنك يا عبد الله، و أنت أعلم بنفسك...
فإن كنت تعتقد أنك على حق، و تدعوا إلى حق،فاصبر وجالد كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك...
وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت... أهلكت نفسك، وأهلكت رجالك. قال: ولكني مقتول اليوم لا محالة.
قالت: ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختارًا، فيلعب برأسك غلمان بني أمية.
قال: لست أخشى القتل، وإنما أخاف أن يمثِّلوا بي.
قالت: ليس بعد القتل ما يخافه المرء فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ فأشرقت أسارير وجهه وقال: بوركتِ من أم، وبوركت مناقبك الجليلة؛ فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت، والله يعلم أنني ما وهنت ولا ضعفت، وهو الشهيد علي أنني ما قمت بما قمت به حبا بالدنيا وزينتها، وإنما غضباً لله أن تستباح محارمه...
وهاأنذا ماض إلى ما تحبين، فإذا أنا قتلت فلا تحزني علي وسلمي أمرك لله قالت: إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل.
قال: كوني على ثقة بأن ابنك لم يتعمد إتيان منكر قط، ولا عمل بفاحشة قط، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يكن شيء عنده آثر من رضى الله عز وجل...
لا أقول ذلك تزكية لنفسي؛ فالله أعلم مني بي، وإنما قلته لأدخل العزاء على قلبك. فقالت: الحمد لله الذي جعلك على ما يحب و أُحب...
اقترب مني يا بني لأتشمم رائحتك وألمس جسدك فقد يكون هذا آخر العهد بك.
بعض المواقف من حياتها مع التابعين:
يقول ابن عيينة: حدثنا أبو المحياة، عن أمه، قال: لما قَتَلَ الحجاجُ ابنَ الزبير دَخَلَ على أسماء وقال لها: يا أمه، إن أمير المؤمنين وصاني بك، فهل لك من حاجة؟ قالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة ; ولكن أحدثك: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يخرج في ثقيف كذاب، ومبير، فأما الكذاب، فقد رأيناه - تعني المختار - وأما المبير، فأنت.
فقال لها: مبير المنافقين!!
|
|
أثرها في الآخرين |
كانت رضي الله عنها تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبردوها بالماء، فإنها من فيح جهنم.
وفي وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء الذين يرخص لهم في ترك الوقوف بالمزدلفة: عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها {أنها قالت: أي بني، هل غاب القمر ليلة جمع؟ وهي تصلي، ونزلت عند المزدلفة. قال: قلت لا فصلت ساعة، ثم قالت: أي بني، هل غاب القمر؟ أو قد غاب، فقلت نعم قالت: فارتحلوا إذا، فارتحلنا بها حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزله. فقلت له: أي هنتاه لقد غلستنا قالت: كلا يا بني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن{.
ويروي عن هشام، بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات وهي محرمة، ليس فيهن زعفران.
وعن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: ما رأيت أسماء لبست إلا المعصفر، حتى لقيت الله عز وجل، وإن كانت لتلبس - الثوب يقوم قياما من العصفر.
وعن ابن زرير أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: {إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أخذ حريرا في يمينه، وأخذ ذهبا فجعله في يساره، ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي}
بعض الأحاديث التي نقلتها عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أسماء قالت: أتيت عائشة وهي تصلي فقلت ما شأن الناس؟ فأشارت إلى السماء فإذا الناس قيام فقالت: سبحان الله قلت: آية فأشارت برأسها أي نعم فقمت حتى تجلاني الغشي فجعلت أصب على رأسي الماء فحمد اللهَ عز وجل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ثم قال: ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريب لا أدري أي ذلك قالت أسماء من فتنة المسيح الدجال يقال ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن لا أدري بأيهما قالت أسماء فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا هو محمد ثلاثا فيقال نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته..
ويحدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت
قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهي راغبة أفأصل أمي قال نعم صلي أمك..
ما قيل عنها:
عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن الزبير يقول: ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء ; وجودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدخر شيئا لغد.
الوفاة:
قال ابن سعد: ماتت بعد ابنها بليال. وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين.
المراجع:
الإصابة في تمييز الصحابة
موقع الصحابة
سير أعلام النبلاء
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
صحيح مسلم بشرح النووي | |