الأفضلية بين أنواع الحج
عرفنا أن الحج على ثلاثة أنواع إفراد وتمتع وقران وعرفنا الفرق بينهم ولكن هل توجد أفضلية بين هذه الأنواع الثلاثة بمعنى هل الأولى بالإنسان أن يؤدى نوعا دون آخر أم انه بالخيار فى الإتيان بأى نوع من تلك الأنواع؟
اختلفت آراء الفقهاء فى تفضيل أنواع الحج الثلاثة التى سبق ذكرها ولم يكن القول بأفضلية نوع منها محل اتفاق
س:وما سبب هذا الاختلاف؟
يرجع سبب هذا الاختلاف إلى اختلاف تأويلهم للنصوص الواردة فى حجة الوداع التى قام بها الحبيب صلى الله عليه وسلم ومن هنا تعددت الآراء فى تلك المسألة.
س:وما هو الرأى الأول؟
ذهب المالكية والشافعية إلى القول بان الإفراد بالحج أفضل أنواعه وممن ذهب إلى ذلك أيضا بعض من الصحابة كعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعثمان بن عفان وابن عمر وابن مسعود
س:وهل لهم دليل على هذا القول؟
استدل أصحاب هذا الرأى بحديث السيدة عائشة (وأهل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحج) فى رواياتها التى أخرجها الإمام البخاري عما وقع من حجه عليه السلام فى حجة الوداع.
س:وما وجه الدلالة من هذا الحديث؟
وجه الدلالة أن خير الفعل ما فعله الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو إفراده الحج وهذا يدل على أن الإفراد في الحج أولى من غيره.
س:وما هو الرأى الثانى فى أفضلية أنواع الحج؟
ذهب الحنفية إلى أن أفضلية أنواع الحج على الترتيب الآتى وهى قران وتمتع وإفراد وممن وافقهم فى ذلك المزنى وسفيان الثوري وابن المنذر
س:وما دليلهم فيما ذهبوا إليه؟
استدل أصحاب هذا الرأى بما اخرج الإمام البخارى في صحيحه رضي الله عنه أن سيدنا عبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال:(إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْرَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ).
س:وما وجه الدلالة من هذا الحديث؟
وجه الدلالة من هذا الحديث أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدخل الحج فى العمرة والله تبارك وتعالى لا يأمر نبيه إلا بما فيه الخير والنفع.
وهذا الحديث النبوي الشريف يدل دلالة واضحة على أن القران في الحج أفضل من غيره والقران كما هو معلوم هو الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد فيطوف الإنسان طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا ولا يتحلل من إحرامه بالقران إلا بعد الوقوف بعرفات ورمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير.
س:وما هو القول الثالث فى تلك المسالة؟
ذهب الحنابلة وفى أحد قولين عند الشافعية إلى أن التمتع فالإفراد فالقران أولى ترتيبا وقد نقل هذا الرأى عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقل عن بعض من الصحابة كابن الزبير.
س:وما دليلهم فى ذلك؟
استدل أصحاب هذا الرأى ببعض من الحديث الذى أخرجه مسلم فى صحيحه بسنده(لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً)
س:وما وجه الدلالة من هذا الحديث؟
انه صلى الله عليه وسلم أرشد أصحابه إلى أن التمتع أولى ولم يكن الحبيب صلى الله عليه وسلم ليرشد أصحابه إلا بما فيه النفع وهو لا يرغب إلا بما فيه الأفضل فدل هذا على الإحرام بالتمتع أفضل من غيره.
س:وكيف يمكن الجمع بين كل تلك الآراء؟
ما دامت المسالة خلافية بين العلماء لاختلافهم فى تأويل النصوص الدالة على الأفضلية فإننا نرى أن أفضل تلك الأنواع هو الأفراد وذلك لأن فيه مشقة أكبر والقاعدة تقضى بان الثواب على قدر المشقة.
ولمن شاء أن يأخذ بأى من الآراء الأخرى فليأخذ لأن الاختلاف الدائر فيها لم ينكر اى من تلك الأنواع الثلاثة أفضل وكل تلك الأنواع لم ينكرها الحبيب صلى الله عليه وسلم والمهم فى كل ما سبق أن ينال العمل الرضا والقبول من قبل رب العزة سبحانه وتعالى لأن المطلوب من المسلم أن يخلص لله عز وجل في جميع أقواله وأفعاله وبقدر إخلاصه لله عز وجل يكون ثوابه عند الله تبارك وتعالى ولهذا قال جل شأنه: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا باليت العتيق".