عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

معالم الكمال البشري في شخصية النبي الكريم .


اختار الله نبيه محمدا  صلى الله عليه وسلم من بين البشر ، وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام قال تعالى : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }   ، و  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم قرأ الجمهور بكسر التاء ، وقرئ بفتحها ، ومعنى الأول : أنه ختمهم أي جاء آخرهم ، ومعنى الثانية : أنه صار كالخاتم لهم الذي يختمون به ويتزينون به لكونه منهم ))   ، وفي الصحيح قوله  صلى الله عليه وسلم  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم وأنا خاتم النبيين ))   .


 وكلا المعنيين صحيح فالنبي  صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والمرسلين فلا نبي بعده لقوله  صلى الله عليه وسلم :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم لا نبي بعدي ))   ، وهو  صلى الله عليه وسلم  زينة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومتمم ما بقي من بنائهم الحضاري ، روى أبو هريرة   رضي الله عنه  أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال :  صلى الله عليه و سلم إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم الأنبياء )   ، قال ابن حجر رحمه الله  :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم قوله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا ... )) قيل :  المشبه به واحد والمشبه جماعة فكيف صح التشبيه ؟ وجوابه أنه جعل الأنبياء كرجل واحد , لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه التمثيلي ، وهو أن يوجد وصف من أوصاف المشبه بمثله من أحوال المشبه به , فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه ، وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت ، وزعم ابن العربي أن اللبنة المشار إليها كانت في أس الدار المذكورة ، وأنها لولا وضعها لانقضت تلك الدار ، قال : وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور ، هذا إن كان منقولا فهو حسن ، و إلا فليس بلازم ، نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد وقع في رواية همام عند مسلم  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها )) فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة ، و إلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا ، وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة ، فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة ))  .

 


والنبي محمد  صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم ، قال عليه الصلاة والسلام :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم أنا سيد ولد آدم ، ولا فخر ))  ، قال النووي رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم قال الهروي : السيد هو الذي يفوق قومه في الخير ، وقال غيره : هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد ، فيقوم بأمرهم ، ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم ))  .
ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى أعظم أسوة وأكبر قدوة في كل

 مجالات الدين وشتى جوانب الحياة ، قال تعالى :  {لقد َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }  ، قال القرطبي رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم قوله تعالى : { أسوة } الأسوة : القدوة ، والأسوة : ما يتأسى به أي يتعزى به ، فيقتدى به في جميع أفعاله ويتعزى به في جميع أحواله ) .


والنبي  صلى الله عليه وسلم هو المتفرد بالأسوة المطلقة والقدوة الكاملة ، فكل أقواله وأفعاله وأحواله موضع إقتداء وتأسي إلا ما استثناه الشرع وهو قليل ، أما غيره من الناس فيؤخذ منهم ويرد .
وقد ضمن الله تعالى الهداية لمطيعيه والمتبعين له  صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }  .


ويتسع مجال الإقتداء بالنبي  صلى الله عليه وسلم ليشمل كل جوانب الدين المختلفة وجميع مناحي الحياة المتنوعة ، قال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }  ، و صلى الله عليه و سلم ما ) من الأسماء الموصولة المفيدة للعموم فيجب الإقتداء بالنبي  صلى الله عليه وسلم  في جميع ما جاء به من العقائد والشعائر والشرائع ، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم وهذا شامل لأصول الدين وفروعه ، وظاهره وباطنه ، وأن ما جاء به يتعين على العباد الأخذ به واتباعه ، ولا تحل مخالفته ...))   .


فالنبي  صلى الله عليه وسلم  قد جمع أصول الكمال البشري ، وحاز أعلى مراتب الدين والخلق ، فهو  صلى الله عليه وسلم :

الكمال البشري في مجال الإيمان وطاعة الله :
1-  أول المسلمين :


وقال عز وجل : {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ }  ، قال الطبري رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لمشركي قومك  : إن الله أمرني أن أعبده مفردا له الطاعة ، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد , وأمرت لأن أكون أول المسلمين , يقول : وأمرني ربي جل ثناؤه بذلك ، لأن أكون بفعل ذلك أول من أسلم منكم ، فخضع له بالتوحيد ، وأخلص له العبادة ، وبرئ من كل ما دونه من الآلهة ))  ، انتهى كلامه .

 


وهذه الآيات الكريمة وغيرها مما تحمل معناها تنص على تقدم النبي  صلى الله عليه وسلم في الإيمان بالله تعالى وفي تحقيق التوحيد ، وأنه  صلى الله عليه وسلم  أبعد الخلق عن الشرك والتنديد ، كيف لا يكون كذلك وهو أعلم الخلق بأسماء الله الحسنى وأدراهم بصفاته العلى جل جلاله وعز كماله ، وأكملهم تصديقا بما أخبر ، وبما وعد أو توعد به سبحانه .


ولما كان النبي  صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالله تعالى وطاعته على هذه الدرجة العليا التي لم ولن يبلغه أحد من الخلق وجب أن يقتدي به كل المؤمنين ، وأن يتعلموا منه أصول الدين والإيمان. ومما يدل على ذلك حديث جبريل عليه السلام في السؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان ، وهي أسئلة تعليمية لتعقيب النبي  صلى الله عليه وسلم  عليها بقوله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم ...)) ، وفي الحديث إشارة إلى أن مصدر تلقي الإيمان والعقيدة هو النبي  صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من الله تعالى ، حيث كان جبريل عليه الصلاة والسلام يسأله عن الإيمان فيجيبه  صلى الله عليه وسلم  ويصدقه ولا يستدركه أو يعقب عليه في شيء ، وهكذا فعل في سؤاله عن الإسلام والإحسان .


2- الكمال البشري بكونه أخشى الناس لله تعالى :
إن أخشى الناس لربهم وأتقاهم له سبحانه وتعالى هو نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  قال تعالى : {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }   ، أي أول المنقادين والخاضعين والمتذللين لربهم سبحانه وتعالى .
فهو  صلى الله عليه وسلم  أصدق الناس في طاعة الله والتذلل له والخضوع له سبحانه ، بمعنى أنه أفعلهم للطاعات وأتركهم للنواهي ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم عن عائشة رضيَ الله عنها أن رجلا جاء إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب ، فقال : يا رسول الله : تدركني الصلاة وأنا جنب أفأصوم ؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم )) فقال : لست مثلنا يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي ))   ، ولا تقف طويلا عند قوله  صلى الله عليه وسلم  :  صلى الله عليه و سلم لأرجو ) ، فإنما عبر هنا بالرجاء من باب التواضع وخفض الجناح لمن اتبعه من المؤمنين ، ومن نظائر ذلك في أقواله  صلى الله عليه وسلم  نهي الصحابة رضيَ الله عنهم من تفضيله على موسى عليه الصلاة والسلام وهو  صلى الله عليه وسلم  أفضل من موسى ومن غيره من جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام .
ولهذا كان من شروط صحة العبادة بعد الإخلاص لله تعالى أن تكون موافقة للسنة النبوية قال تعالى : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }   ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم قال الفضيل رحمه الله : أخلصه وأصوبه ، قيل : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون متبعا فيه الشرع والسنة ))   .


 والإحداث في الدين وعمل شيء فيه مخالفة لهدي النبي  صلى الله عليه وسلم  سبب لرده وعدم قبوله ، قال  صلى الله عليه وسلم  :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))   .


وهذا مقتضى شهادة  صلى الله عليه و سلم أن محمد رسول الله ) ، فإن من مقتضيات هذه الشهادة العظيمة وهذه العقيدة السليمة أن تؤمن بأن المبلغ الوحيد عن الله شرعه ، والمبين للناس ما نزل إليهم من ربهم هو محمد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  .


وما السنة النبوية في حقيقتها إلا الاسم الجامع للبلاغ النبوي والبيان المصطفوي للدين الإسلامي كما قال تعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }   .


فالمقياس الشرعي لصحة العبادات وسلامتها هي موافقة السنة النبوية ، وذلك بمطابقتها في الجنس ، والسبب ، وفي الزمان والمكان ، وفي الصورة والهيئة ، والعدد ، قال  صلى الله عليه وسلم  في الصلاة :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم صلوا كما رأيتموني أصلي ))   ، فمن صلى صلاة مغايرة لصلاة النبي  صلى الله عليه وسلم  ، كـأن يأتي بصلاة لا ركوع فيها ولا سجود ، أو يزيد أو ينقص في عدد الركعات المشروعة ، أو يصلي في زمان أو مكان نهى الشرع الصلاة فيه فصلاته باطلة باطلة .


وفي الحج  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم عن جابر   رضي الله عنه  قال : رأيت النبي  صلى الله عليه وسلم  يرمي على راحلته يوم النحر ، ويقول :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ))   ، وهذا الحديث دليل على بطلان مناسك الجاهلية ونقصانها ، وأن لا حج في شريعة الإسلام إلا بما بين النبي  صلى الله عليه وسلم  من المناسك والمشاعر ، ولا تقبل أي زيادة أو نقصان أو تغيير في تلك المناسك والمشاعر .

 


وهذان الحديثان وإن وردا في خصوص الصلاة والحج ، فلا يعني ذلك حصر وجوب الاقتداء بالنبي  صلى الله عليه وسلم  فيهما فقط دون غيرهما من العبادات ، فكل عبادة في الإسلام يجب أن تكون مطابقة لسنة الرسول  صلى الله عليه وسلم  وشرعه ، و إلا فهي مردودة غير مقبولة ، وصاحبها معرض للفتنة والعذاب الأليم قال تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }  .

 


3- الكمال البشري بكونه أحسن الناس خلقا :
إن نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  هو المتمم لمكارم الأخلاق ، والمعلم لمحاسنها ، وهو  صلى الله عليه وسلم  مجمع الخصال الحسنة ومنبع الآداب السامية ، ولقد مدحه الله تعالى في القرآن الكريم بحسن خلقه فقال:   {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }   ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم قال العوفي : عن ابن عباس : أي : لعلي دين عظيم ، وهو الإسلام ، وكذا قال مجاهد ، وأبو مالك ، و السدي ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وابن زيد ، وقال عطية : لعلى أدب عظيم ))   .


وقال الهيتمي رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم ووصفه – الخلق – بالعظيم مع أن الغالب وصف الخلق بالكرم أي السماحة والدعابة ، إشارة إلى أن خلقه لم تقتصر على ذلك ، بل كان رحيما بالمؤمنين رؤوفا بهم ، شديدا على الكفار غليظا عليهم ، مهابا في قلوب الأعداء ، منصورا بالرعب منه مسيرة شهر ، فوصف بالعظيم ليعم الإنعام والانتقام ، لكن مظاهر الأول فيه أكثر ، ومن ثم ورد بسند ضعيف  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إن الله بعثني بمكارم الأخلاق ، وكمال محاسن الأفعال ))  ، وفي الموطأ بلاغا  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلمبعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) ، كيف وقد أدب بالقرآن ، كما قالت عائشة : كان خلقه القرآن )) .  

 


وقد شمل حسن خلقه  صلى الله عليه وسلم  جميع الناس ، وظهرت ملامحه في تعامله مع أهله وأقاربه ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم فعن صاحبه وخادمه أنس   رضي الله عنه  قال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أحسن الناس خلقا ))   ، وهذه شهادة ممن خالطه كثيرا في إقامته وسفره ، وحله وترحاله ، فشاهد غضبه ورضاه ، وجده ومزاحه ، طيلة عشر سنين ، لم يتغير فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  أو يتبدل .

 


كما طبع حسن الخلق تعامل النبي  صلى الله عليه وسلم  مع أصحابه وحوارييه رضيَ الله عنهم ، رغم اختلاف طبائعهم ، وتفاوت أخلاقهم ، فقد كان منهم الشديد والرفيق ، والأعرابي الجلف والحضري المتمدن ، وكان منهم الصغير والكبير ، والشريف والوضيع ، ولم يشك أحد منهم هضما لجانبه أو تحقيرا لشأنه ، قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }   .

 


كما لم تكن عداوة أحد أو بغضه لتخرجه عن سمته وحلمه  صلى الله عليه وسلم  على شدة أذى خصومه وتنوع كيدهم له  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم فعن جابر   رضي الله عنه  : أنه غزى مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قبل نجد ، فلما قفل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قفل معه ، فأدركته القائلة في واد كثير العضاه ، فنزل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، وتفرق الناس في العضاه ، يستظلون في الشجر ، ونزل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  تحت شجرة سمرة فعلق بها سيفه ، قال جابر : فنمنا نومة ، ثم إذا رسول الله  صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه ، فإذا عنده أعرابي جالس ، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا ، فقال : من يمنعك مني ؟ قلت الله ، فها هو جالس ...))   .

 


ولما فتح الله مكة لرسوله  صلى الله عليه وسلم  جمع صناديد قريش الذين كانوا يؤذونه ويضطهدونه وأصحابه المستضعفين ، فقال لهم :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب )) ثم تلا قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }   ، ثم قال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ )) قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم اذهبوا فأنتم الطلقاء ))   .

 


هكذا كان  صلى الله عليه وسلم  عفوا عند المقدرة على الانتقام ، متنازلا عن حقوقه الشخصية ، إلا أن تنتهك حرمات الله ، فيغضب لله ، ويعمل بحكم الله ولا يعتدى على أحد في تطبيقه .
وكان متوازنا في سلوكه ، معتدلا في سمته ودله ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم عن زيد بن ثابت   رضي الله عنه  - يتحدث عن صفات رسول الله  صلى الله عليه وسلم  - قال : كنت جاره ، فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه فأكتب الوحي ، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا ، و إذا ذكرنا الطعام ذكرها معنا ))   .


قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } ، وهذا تمام الإسلام وكماله ، فكل أموره وتصرفاته  صلى الله عليه وسلم لله تعالى ملكا وتصرفا ، فلا رب معبود بحق عنده  صلى الله عليه وسلم غير الله سبحانه ، وجميع أفعاله  صلى الله عليه وسلم له تعالى قصدا وتألها ، فلا يصرف  صلى الله عليه وسلم  شيئا من الصلاة والنسك لغير الله تعالى .




                      المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق