تشبه الرجال بالنساء أو العكس إما ناتج عن غلبة للهرمونات الذكرية على الهرمونات الأنثوية في الأنثى فتميل إلى الذكورية في تصرفاتها ، أو غلبة للهرمونات الأنثوية على الذكرية في الذكور فيميل للأنوثة في تصرفاته ، وهذا لا مؤاخذة عليه إذا كانت الطبيعة السجية الخلقية ولكن المؤاخذة عليه هو تعمد التشبه من أحد الجنسين باللآخر في اللباس أو المحاكاة أو المشي أو غيره مما كثر في هذا الزمان حتى يكاد ـ والعياذ بالله ـ أن يكون أمرا مألوفا ، وقد وجدت هذه الظاهرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه عليه الصلاة والسلام كان ينكر على من يفعلها ويعرض عنه حتى يزول عنه أثرها .
فعن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ قال : قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي فخلقوني[1]بزعفران ، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فلم يرد علي ولم يرحب بي وقال : (( اذهب فغسل هذا عنك )) فذهب فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه ردع [2] ، فسلمت فلم يرد علي ، ولم يرحب بي ، وقال : (( اذهب فاغسل هذا عنك ، فذهبت فغسلته ، ثم جئت فسلمت عليه ، فرد ورحب بي وقال : (( إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ[3] بالزعفران ولا الجنب )) . أخرجه أبو داود .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين [4] من الرجال ، والمترجلات من النساء ، وقال ك (( أخرجوهم من بيوتكم )) قال : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا ، وأخرج عمر رضي الله عنه فلانة[5] .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث ابن عباس : ( وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب ) [6] .
وبوب البخاري رحمه الله على هذا الحديث فقال : ( باب نفي أهل المعاصي والمخنثين )[7] . اهـ .
[1] - الخلوق : الخلوق هو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره . النهاية ( 2/71 ) .
[2] - الردع : لطخ من بقية لون الزعفران . معالم السنن للخطابي ( 6/91 ) .
[3] - المتضمخ : قال الخطابي المتلطخ به ( 67/91 ) من معالم السنن أخرجه أبو داود في سننه كتاب الترجل ( 4/402-403/ح4176 ) والبيهقي ( 5/36 ) . وللحديث شاهد عن عدد من الصحابة ، فعن ابن عباس قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/91) : عن البزار بإسناد صحيح وعن عبد الرحمن بن سمرة قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 5/156 ) .
[4] - المخنثين : قال ابن منظور وخنث الرجل خنثا فهو خنث ، وتخنث وانخنث : تثنى وتكسر ، والأنثى خنثة ، وخنثت الشيء فتخنث أي عطفته فتعطف والمخنث من ذلك للينه وتكسره . اهـ اللسان ( 2/1272 ) .
[5] - أخرجه البخاري في صحيحه فتح الباري كتاب اللباس ( 10/333/ح5886 ) والحدود ( 12/159/ح6834 ) ، وسنن الترمذي في الاستئذان والأدب ( 5/105،106/2784-2785 ) وقال حسن صحيح ، وأحمد ( 3/305/1982 ) بتحقيق أحمد شاكر ، والدارمي في الاستئذان ( 2/192/2652 ) والطبراني في الكبير ( 11/252/ح11647 ) .
[6] - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر ( 10/334 ) .
[7] - المصدر السابق ( 12/159 ) .
المقال السابق
المقال التالى