هذه العبادة هي الفريضة التي تجمع المسلمين من أنحاء العالم ، ويقع ـ حين أداء مناسك الحج ـ بعض المخالفات الشرعية وأكثرها من جهل الناس وتفريطهم أو لتساهلهم في تطبيق أحكام الشريعة .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك اليوم ولم يشغله الزحام عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان إذا رأى بعض المعاصي يغيرها في الحال أو بعض الاجتهادات الخاطئة يصوبها لصاحبها ومن ذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان يسير ـ أو بخيط أو بشيء غير ذلك ـ فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال : (( قده بيده )) (1).
وقال الحافظ ـ رحمه الله ـ قال النووي : وقطعه عليه الصلاة والسلام السير محمول على أنه لم يكن إزالة هذا المنكر أو يقطعه ، أو أنه دق على صاحبه فتصرف فيه ، وقال غيره : كان أصل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل ، قلت(2): قال ابن بطال في هذا الحديث : إنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر (3).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : (( اركبها . فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ، قال : إنها بدنة ، قال : اركبها ويلك في الثالثة أو الثانية )) (4).
عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : (( كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من جعثم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع )) (5)متفق عليه .
هكذا صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل ـ رضي الله عنه ـ وفي بعض الروايات أنه صرفه أكثر من مرة وقال : (( رأيت شابا وشابة فخشيت عليهما من الشيطان )) .
فإن للشيطان مداخل وللقلب حالات يضعف فيها فيكون للشيطان في هذا الوقت أثر ربما صرفه إلى الوقوع في المحذور ، ولكن إذا كان المحتسب موجودا ، فإن له أثرا كبيرا في منع وقوع مثال تلك الحالات والمحافظة على أعراض الناس .
وقال أحمد البنا ساعاتي ـ رحمه الله تعالى : لأن النظر إلى الأجنبية حرام لا سيما وقد كانت شابة وهو شاب كما في بعض المرويات فخشي النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الفتنة وفيه إزالة المنكر باليد إن أمكنه . (6).
وكذلك إذا رأى رجلا يؤدي المناسك فأخطأ في أدائها أصلح له نسكه وأرشده إلى الصواب من ذلك ، ومنعه من السير في ذلك الاجتهاد الخاطئ حتى لا يصبح الخطأ عبادة عنده ثم بعد ذلك يستمر بعده . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقب أصحابه فإذا رأى فيهم مثل هذه المخالفات منعهم ودلهم إلى الأولى أو الصواب منه .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم سومع رجلا يقول : (( لبيك عن شبرمة ، قال : من شبرمة ؟ قال : أخ لي ، أو قريب لي ، قال : (( حججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) أخرجه أبو داود (7).
فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل قد نوى في حجته أن يحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه بعد ، لأنه ربما مات قبل أن يحج عن نفسه فيكون في ذلك مقصرا تاركا للأولى وهذا منكر مخالف لما جاء به الشرع الإسلامي ، فأمره أن يحج عن نفسه أولا ثم عن غيره إن شاء
(1)- أخرجه البخاري في صحيحه فتح الباري كتاب الحج ( 3/4821/ح1620 ، 1621 ) ، ( 10/586/6702 ) . وأحمد ( 1/364 ) والنسائي في سننه كتاب الحج ( 5/122 ) ، والطبراني في الكبير ( 11/34/10954 ) .
(2)- أي الحافظ ابن حجر .
(3)- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر ( 3/402 ) .
(4) - أخرجه البخاري في صحيحه فتح الباري كتاب الحج ( 3/536/ح1689 ،1706 ) ، (5/383/2754 ، 2755 ) (10/551 ـ 552 /ح6160 ) وصحيح مسلم في الحج ( 2/960/ح1322 ) وسنن أبي داود في المناسك ( 2/367/ح1760) وسنن النسائي في الحج ( 5/176) وسنن ابن ماجه في المناسك (7/194 ـ 195 /ح1954،1955 ) وسنن البيهقي (4/361 ).
(5)- أخرجه البخاري في صحيحه فتح الباري كتاب الحج ( 3/378/ح1513 ) ( 4/66 ـ 67 /ح1854 ، 1855 ) ، وصحيح مسلم في الحج ( 2/1335/ح973 ) وسنن أبي داود في المناسك ( 2/400 ـ 402 /ح1809 ) والموطأ لمالك (801) وسنن النسائي في آداب القضاة ( 8/227 ) والحج ( 5/118ـ 119 ) .
(6)- بدائع المنن للساعاتي ( 1/287 ـ 277 ) .
(7)- أخرجه أبو داود في سننه كتاب المناسك (( 2/3/4/ح1811 ) وسنن ابن ماجه في المناسك ( 2/669/ح2903 ـ 2904 ) والدارقطني في الحج ( 2/267 ـ 271 ) من طرق عديدة ، وابن حبان في الحج ( موارد : 862 ) وصححه الدارقطني وابن حبان والبيهقي في الحج ( 5/179 ـ 180 ) وصححه الحافظ في تلخيص الحبير ( 2/223 ـ 224 ) وقال محمد فؤاد في الزوائد إسناده صحيح . وابن الجارود في المنتقى ( 469 ) وقد أطال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ( 6/301ـ 302 ) في تخريج الحديث فليراجع فإنه مهم ـ وصححه الحافظ كذلك في الإصابة ( 5/46 ) .