الحمد لله
اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح - هو قول جمهور العلماء - : أن متابعته مستحبة غير واجبة . وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/127) :
" مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة ، وبه قال جمهور العلماء ، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها " انتهى .
وفي "المغني" (1/256) عن الإمام أحمد أنه قال : " وإن لم يقل كقوله فلا بأس " انتهى بتصرف.
ويدل على ذلك " قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث ومن معه : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم ).
فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب ، ووجه الدلالة : أن المقام مقام تعليم ، وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه ، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان ، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه ، وكون هؤلاء وفدًا لبثوا عنده عشرين يوما ثم غادروا - يدل على أن الإجابة ليست بواجبة ، وهذا هو الأقرب والأرجح " انتهى من الشرح الممتع (2/75) .
وروى مالك في "الموطأ" (1/103) عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره : ( أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة : جلسنا نتحدث . فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد .
قال ابن شهاب : " فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام " .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (340) :
" في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن ، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان ، وسكوت عمر عليه ، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب ؟ فأجبت بهذا " انتهى .
بناء على ما سبق ، فلا إثم على من ترك إجابة المؤذن ولم يتابعه ، سواء كان تركه لانشغاله بطعام أو غيره ، غير أنه يفوته بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى .
فقد روى مسلم (385) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . فَقَالَ أَحَدُكُمْ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ )
وليس هناك تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن ، فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة ، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن ، فيكون قد جمع بين الفضيلتين : فضيلة المبادرة بالفطر ، وفضيلة الترديد خلف المؤذن .
ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم ، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام ، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً ، كتمرة أو شربة ماء ، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع .
وكذلك يقال أيضاً إذا أذن الفجر وهو يأكل السحور ، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة .
غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت ، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه .
والله أعلم .