عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم الرسول المعلم
الكاتب الدكتور : لطفي بن محمد الزغيِّر
تاريخ الاضافة 2010-01-16 03:31:11
المقال مترجم الى
English   
المشاهدات 4458
أرسل هذه الصفحة إلى صديق باللغة
English   
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

عند جمع الشواهد على هذا الأسلوب وجدت أنها تتنوع إلى أساليب تسبق عملية التعليم وأساليب تأتي أثناءها ، وكلها يقصد منها لفت انتباه الحاضرين لما سيقال ، وهذا بيان ما أجملت .

أساليب تشويق بصرية تسبق العملية التعليمية .

ويقصد بها الأساليب التي يلجأ إليها المعلم قبل شروعه بالتدريس لجذب انتباه المتعلمين وشدِّ

انتباههم ، وهذا غالباً ما يحصل عندما يكون الأمر المراد إيصاله في غاية الأهمية ، وهو في

السنة النبوية كذلك .

ومن هذا القبيل الحديث المشهور الذي رواه عمر بن الخطاب ،وأخرجه عددٌ من أصحاب

الكتب المعتمدة في السنة النبوية ونصّه : (( بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

ذات يوم إذ طلع علينا رجلٌ ، شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر

السفر ، ولا يعرفه منا أحدٌ .حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى

ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ..... ))

فهذا الوصف الدقيق الذي ذكره الرَّاوي عن حال القادم الغريب ، يدل على أنَّ المراد قد تحقق

، وأنَّ إثارة الانتباه قد حصلت ، لأنَّ كل ما ذُكر عن حال هذا القادم مثيرٌ للاهتمام والتَّساؤل

، وهذه الأمور كلها كانت بناءً على نظرٍ ومشاهدةٍ ، مما جعلها من قبيل أساليب التشويق

البصرية .

والأمور التي ذُكرت في هذا الحديث وأثارت انتباه الحاضرين هي :

- ظهور رجلٍ غريبٍ في ثياب ٍ بيضاء ناصعةٍ ، ومظهرٍ نظيفٍ .

- عدم معرفة أحد بهذا الرجل ، إذ لو كان معروفاً لقيل إنه دخل دار من يعرفه وتنظَّف عنده .

- عدم ظهور أثر السفر عليه ، إذ لو كان مسافراً لظهر هذا في هيئته ، من حيث اتساخ

الثياب ، وشعث الرأس .

- دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم بطريقةٍ مخالفةٍ لما عهده الصحابة (رضوان الله

عليهم ) ، من طريقة الأعراب وما فيها من جلافة ، وجهل بأصول السؤال والخطاب . فهذه

الأحوال كلها تدلُّ على أنَّ هذا الحديث قد اشتمل على مثيراتٍ كثيرةٍ دعت الرَّاوي لأن

يسترسل في ذكرها بدقةٍ فائقةٍ ،

(( فقد كانت ثياب الرجل بيضاء شديدة البياض ، وشعره أسود شديد السواد ، وكان أنيق الملابس لا يُرى أثر السفر على ثيابه ولا على شعره ولا على بدنه ، فكأنه خارجٌ من بيتٍ قريبٍ للمكان الذي يجلسون فيه .والغريب أنه لا يعرفه أحدٌ من الصحابة الجالسين ، فلو كان من أهل المدينة لعرفوه ، ولو كان مسافرا قادماً من بعيدٍ ، لكان أشعث أغبر ، فكيف جمع بين أناقة ونظافة مظهره وبين عدم معرفتهم به .بعد ذلك تصرَّف الرجل الغريب المثير تصرفاً أكثر إثارةٍ ، زاد في انفعال وتفاعل الصحابة الجالسين ، فقد اخترق الرجل الصحابة الجالسين ، وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس إليه ، ثم اقترب منه كثيراً ، بأن أسند ركبتيه إلى ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع كفيه على فخذي نفسه ، وجلس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم جلسة المتأدب المتعلِّم )).

ومن أمثلة هذا اللون من الأساليب أيضاً ما رواه أبو سعيد الخدري حيث قال : (( جلس

رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ونحن جلوسٌ حوله .....))

لكن لسائلٍ أن يسأل : ما الشيء اللافت في هذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخاطبهم دوماً

من على المنبر ؟ فالجواب : نعم ، هذا هو الغالب من حال النبي صلى الله عليه وسلم في

مخاطبة أصحابه ، ولكن هذا يكون في الخطبة ، فيكون استعمال المنبر في الخطبة طبيعياً ،

والأمر هنا ليس كذلك ، لأنَّ الرَّاوي ذكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على

المنبر ، وفي الخطبة لا يجلس الخطيب على المنبر وإنما يقف عليه وقوفاً ، ولهذا كان

الجلوس فيه إثارة للانتباه ، مما جعل الرَّاوي ينقل لنا هذا الحال ويصفه .

ونظير هذا الحديث ما رواه ابن عباس حيث قال : (( جلس رسول الله صلى الله عليه

وسلم ، يوماً على المنبر عليه ملحفة متوشحاً بها ،عاصباً رأسه بعصابةٍ دسماء ، قال : فحمد

الله ...)) وكذلك ما رواه مسلم في صحيحه(( .... فلما قضى رسول الله صلاته جلس على

المنبر وهو يضحك ، فقال ليلزم كل إنسان مصلاه ، أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله ورسوله

أعلم .... الحديث ))


فهذه أساليب إثارةٍ بصريةٍ سبقت الحديث ،وآتت ثمارها حيث إنَّ الصحابة قد انتبهوا لهذه

الإشارات فنقلوها لنا نقلاً دقيقاً ، بل إنَّ الحديث الأخير اشتمل على أكثر من أسلوب ، حيث

ذكر الراوي أنَّه صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر وضحك ،وهذا بحدِّ ذاته وسيلة من

وسائل الإثارة.

أساليب تشويق تأتي أثناء العملية التعليمية .

وهي أساليب تشويقٍ بصريةٍ تأتي أثناء الخطاب ، وقد يرى البعض أنَّ هذا الأمر قد يتناقض

مع إثارة الانتباه من خلال البصر ، لأنَّ أساليب الإثارة البصرية غالباً ما تكون قبل بداية

الكلام لتلفت الانتباه إليه ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم عدداً من الأساليب

أثناء حديثه مع أصحابه ، لتقرير مسائل مهمة ، فأراد شدَّ انتباههم للتركيز على ما سيقال

أيفعل . وهذه الأساليب جاءت على صورٍ منها :

أولاً :

التَّحول من الكلام إلى الإشارة ،

من المعلوم أنَّ الكلام والعبارة أكثر إفصاحاً عن مراد المتحدِّث من الإشارة أو الرمز ، لأنَّ الإشارة قد لا ينتبه لها إلا العدد القليل عندما لا يكون هناك داعٍ لاستعمالها ، لكنها تكون أكثر تأثيراً وأوضح دلالةً إذا اقترنت بما يدل عليها ،

وهذا بيان ذلك :

- قد تأتي الإشارة بعد سؤالٍ وطلبٍ ، ومعلومٌ أنَّ السؤال يحتاج إلى جوابٍ ، وعندما لا يسمع

السائل ومن معه الجواب فالتَّصرف التوقع منهم أن تشخص أبصارهم إلى المتكلم ، فيتلقون

الإشارة ، وهذا كإشارته صلى الله عليه وسلم ، إلى لسانه عندما سأله سفيان بن عبدالله

الثقفي : (( فما أتقي ؟ ))

وكذلك عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، علامات الساعة ، فقال:(( يقبض العلم ،

ويظهر الجهل والفتن ، ويكثر الهرج ، قيل: يا رسول الله وما الهرج ؟ فقال هكذا بيده فحرفها

، كأنه يريد القتل ))

- قد تأتي الإشارة مقترنة بألفاظ تدلُّ عليها ،كقوله صلى الله عليه وسلم : هكذا ، هاهنا ،

كهاتين ، .... . وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : ((ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب ، اليوم فُتح من ردم ، يأجوج ومأجوج هكذا )) ( وأشار بأصبعيه السبابة والإبهام وحلَّق بينهما )

فهذه بعض حالاتٍ يظهر من خلالها التحول من الكلام إلى الإشارة ، وكيف أنَّ هذه الإشارة

قد حظيت بالاهتمام نظراً لاقترانها بما يدلُّ عليها ، وهناك أمثلةٌ استخدمت فيها الإشارة

وكانت دلالتها أشدُّ وضوحاً ، وأكثر تعبيراً من الكلام ، وذلك كقوله(صلى الله عليه وسلم ) :

(( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) ،( وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما )

. فهذا الحديث فيه انتقالٌ من الكلام إلى الإشارة بقرينة اللفظة (هكذا) ، ومن ثم وصف الإشارة التي أشار بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الإشارة قد عبّرت عن المطلوب بدقةٍ واختزلت عدداً من الكلمات ، وأعتقد أنَّ العبارة لاتستطيع أن تفي بما اشتملت عليه الإشارة من التوضيح ولإيجاز ، ولهذا كان استعمالها أكثر جدوى وفائدة ، وذلك لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال :(هكذا) ، لم نعرف على ماذا دلّت الكلمة إلا من خلال وصف الصحابي لها بقوله:(وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما). وهذا الوصف من الصحابي (رضي الله

عنه) هو بيت القصيد، وثمرة هذا الأسلوب الرائع ، لذا نقله لنا الصحابي بدقةٍ متناهية غير

غافلٍ عن ذكر تفاصيله من خلال قوله : (وفرّج بينهما ) .


وبتفحص وصف الصحابي للإشارة وتحليلها يتبين لنا نجاعة هذا الأسلوب وأهميته ، وكيف

أنه أضحى أسلوب تشويقٍ وإثارةٍ ، إذ إنَّ الصحابي (رضي الله عنه) قال: ( وأشار بالسبابة

والوسطى) أي أنَّ كافل اليتيم مع النبي (صلى الله عليه وسلم) كهذين الأصبعين في هذه اليد

معاُ . لكن في قول الصحابي : (وفرّج بينهما )،وفي روايةٍ : ( وفرّق بينهما ) إشارةٌ إلى أنَّ

كافل اليتيم قد يشارك النبي (صلى الله عليه وسلّم) في أصل الجزاء وهو دخول الجنة ، لكنه

يفترق عنه بالمنزلة ، قال ابن حجر (852هـ) : (( وفرج بينهما :أي بين السبابة والوسطى، وفيه إشارة إلى أنَّ بين درجة النبي (صلى الله عليه وسلم) وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى ، وهو نظير الحديث الآخر : بعثت أنا والساعة كهاتين )) . فبهذا يتبين كيف أنَّ التحول من الكلام إلى الإشارة أثناء الكلام كان له دلالات كثيرة أبلغ وأوضح من العبارة والكلام ، ولهذا استحقت أن يٌقرن بها أسلوب إثارةٍ وتشويق .


ثانياً :

تغيير الهيئة أثناء الكلام ، أو الإتيان بما يٌستغرب لحث الحاضرين على طلب التفسير .

وذلك بأن يكون المتكلِّم على هيئة معينة من جلوس أو وقوف ، فيغيرها ويواصل حديثه من

باب لفت الانتباه واستثارة المخاطبين ، في إشارةٍ إلى أهمية وخطر ما سيقال بعد هذا التغير

ولا يخفى أنَّ هذا أسلوب إثارةٍ بصري قصد منه لفت الانتباه ، وقد نتأكد من فعالية هذا

الأسلوب من خلال وصف الراوي لهذا التغير ومدى ملاحظته له .


ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي بكرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى

الله عليه وسلم): (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً)؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك

بالله ، وعقوق الوالدين، - وجلس وكان متكئاُ – فقال : ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا

وقول الزور .....))

والشاهد هنا هو قول الراوي:( وجلس وكان متكئاً) وفي بعض الروايات:( وكان متكئاًً وجلس

) ، وهذه الحركة - التحول من الاتكاء إلى الجلوس – هي من باب إثارة الاهتمام والانتباه

وشدِّ السامع لما سيقال ، ولهذا قال ابن حجر (12): (( ويشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد

أن كان متكئاً )) .

والشاهد من هذه الأحاديث أنها اشتملت على أساليب تشويق بصرية حدثت أثناء عملية

التعليم أو قبلها حتى تُؤتي أكلها ويتحقق المراد منها ، ولهذا لم ترد في هذا اللون شواهد

لأساليب بصرية بعد العملية التعليمية نظراً لعدم جدواها .ومن الجدير بالذكر أنَّ علماء الحديث تنبهوا لهذا النوع فأفردوه بالذكر وصنفوه في خانة لها تعلق بعلم الحديث ، وذلك ضمن كلامهم على الحديث المسلسل ، ......يقصد بأساليب الإثارة البصرية تلك الأساليب التي تستخدم لإثارة المستهدفين وتشويقهم من خلال أمور لها تعلقٌ بحاسة البصر ، وقدّمت البصر على غيره لأنه أسرع حواس الإنسان ،وبالتالي تدرك الأشياء من خلاله بشكلٍ أسرع ،لذا استحق صفة التقدم .

 




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق