شرع نبي الرحمة لأمته آداب سامية وضوابط حاكمة على سلوك المقاتل المسلم، توجب عليه مخالفتها عقوبات زاجرة قي الدنيا والآخرة [1] .
فلا يستخدم في الجهاد في سبيل الله إلا الوسائل المشروعة والأساليب النزيهة، فعن صفوان بن عسال قال :بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية فقال: " سيروا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا.." [2] .
وعن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِم [3] .
وقال جابر : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتل شيء من الدواب صبرا [4]
وعن حنظلة الكاتب قال :
غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس، فأفرجوا له فقال: " ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل !"
ثم قال لرجل : " انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك يقول: لا تقتلن ذرية ولا عسيفا [5] .." [6] .
وقال – ذات يوم في معركة مستنكرًا على بعض أصحابه - :
" ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية !" .
فقال رجل : يا رسول الله :إنما هم أولاد المشركين !
فقال : "ألا إن خياركم أبناء المشركين .." .
ثم قال : " ألا لا تقتلوا ذرية ، ألا لا تقتلوا ذرية !! كل نسمة تولد على الفطرة حتى يهب
عنها لسانها فأبواها يهودانها و ينصرانها " [7] .
وعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع ، فقال أبو بكر له :
"إنك ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له " .. وأوصاه قائلاً : " وإني موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما [8] ، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا ، ولا تعقرن شاة ، ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا [ وفي رواية : نحلا ولا تفرقنه] ولا تغرقنه ولا تغلل [9] ولا تجبن " [10]
عن عمر بن الخطاب ، أنه قال : " اتقوا الله في الفلاحين ، ولا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب" [11] .
وهذه النصوص وغيرها من دستور العسكرية الإسلامية التي وضعها رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ تشتمل على الأصول الأخلاقية للحرب، وهذه جملتها [12] :
1- الإخلاص والتجرد للأهداف الحقيقية للحرب وترك ما يخالف ذلك من غلول وغدر وثأر وانتقام.
2- المحافظة على البيئة واجتناب الفساد في الأرض بتحريق الأشجار وقتل الحيوانات لغير ضرورة.
3- عدم التعرض لغير المقاتلين من النساء والصبيان والشيوخ.
4- السماحة الدينية واحترام مقدسات الآخرين، بعدم قتل الرهبان والقسيسين ما لم يقاتلوا أو يعينوا على القتال، وعدم التعرض كذلك لبيعهم وكنائسهم بسوء.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] أنجوغو أمبكي صمب : أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية، ص 40 وما بعدها
[2] رواه ابن ماجة (2857 ) و الطبراني في المعجم الكبير ج 8 ص 70 ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة .
[3] صحيح – رواه البخاري - (5089)، ومسلم (3616)
[4] صحيح – رواه مسلم (3620)
[5] العسيف : الأجير المستهان به
[6] حسن - رواه ابن ماجة (2842)، و الحاكم ( 2 / 122 )، وهو في السلسلة الصحيحة برقم ( 701 )
[7] صحيح - رواه أحمد ( 3 / 435 ) و الدارمي ( 2 / 223 )، وهو في السلسلة الصحيحة (402)
[8] الهرم : الذي بلغ أقصى الكبر
[9] الغلول : الخيانة والسرقة
[10] مالك ( 858)، وابن أبي شيبة ج 7 ص 645 ، وعبد الرزاق (9375)
[11] معرفة السنن والآثار للبيهقي - (5645)
[12]أنجوغو أمبكي صمب : أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية، ص 40 وما بعدها