النداء الخامس و الستون : النهي عن أذى الرسل
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (69) سورة الأحزاب
يَا أَيُّها الذِين آمَنُوا لا تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَولٍ يَكْرَهُهُ ، وَلاَ بِفِعْلٍ لاَ يُحِبُّه ، وَلاَ تَكُونُوا أَمْثَالَ الذينَ آذوْا مُوسَى عَليهِ السَّلامُ ، نَبيَّ اللهِ ، فَزَعَمُوا كَذِباً وَبَاطِلاً أَنَّ فِيهِ عَيْباً في جِسْمِهِ ، فَبَرَّأهُ اللهُ مِمّا قَالوا فيهِ ، بِمَا أَظْهَرَهُ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى كَذِبِهِمْ ، وافْتَرائِهِمْ ، وَكَانَ مُوسَى ذَا وَجَاهَةٍ وَكَرَامَةٍ عِنْدَ اللهِ .
------
والمراد بالذين آذوا موسى - عليه السلام - فى قوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى } قومه الذين أرسله الله إليهم .
فقد حكى القرآن الكريم ألوانا من إيذائهم له ، ومن ذلك قولهم له : { ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ . . . } وقولهم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً } ومن إيذائهم له - عليه السلام - ما رواه الإِمام البخارى والترمذى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ فِى هَذِه الآيَةِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالَُوا) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيراً لاَ يَكَادُ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْئاً اسْتِحْيَاءً مِنْهُ - قَالَ - فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ قَالَُوا مَا يَتَسَتَّرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ إِمَّا بَرَصاً وَإِمَّا أُدْرَةً - وَقَالَ رَوْحٌ مَرَّةً أُدْرَةً وَإِمَّا آفَةً - وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالَُوا وَإِنَّ مُوسَى خَلاَ يَوْماً وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثَوْبَهِ لِيَأْخُذَهُ وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ وَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِى حَجَرُ ثَوْبِى حَجَرُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلأٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَاناً كَأَحْسَنِ الرِّجَالِ خَلْقاً وَأَبْرَأَهُ مِمَّا كَانَُوا يَقُولُونَ لَهُ وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْباً بِعَصَاهُ - قَالَ - فَوَاللَّهِ إِنَّ فِى الْحَجَرِ لَنَدَباً مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاَثاً أَوْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً ». .
والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان ، التزموا الأدب والطاعة والاحترام لنبيكم صلى الله عليه وسلم واحذروا أن تسلكوا معه المسلك الذى سلكه بنو إسرائيل مع نبيهم موسى - عليه السلام - حيث آذوه بشتى أنواع الأذى .
وقولهم : { لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ . . . } واتخاذهم العجل إلها من دون الله فى غيبة نبيهم موسى - عليه السلام - . .
{ فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ } أى : فأظهر الله - تعالى - براءته من كل ما نسبوه إليه من سوء .
{ وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً } أى : وكان عند الله - تعالى - ذا جاه عظيم ، ومكانه سامية ، ومنزلة عالية ، حيث نصره - سبحانه - عليهم ، واصطفاه لحمل رسالته . .
يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا كان ذا جاه وقدر . .
المقال السابق
المقال التالى