( 102) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على غض البصر وحفظ العورة :
عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع إلى منى ، فبينا هو يسير إذ عرض له أعرابي مردفاً ابنة له جميلة ، وكان يسايره ، قال : فكنت أنظر إليها ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ، ثم أعدت انظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً ، وأنا لا أنتهي ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة . وفي رواية لا بن خزيمة أن قال له صلى الله عليه وسلم : " ابن أخي ، إن هذا يوم من غض فيه بصره وحفظ فرجه ولسانه غفر له " .
( 103) ويأمر البنات صلى الله عليه وسلم بالحجاب والتستر إذا بلغن :
الله عز وجل أمر النساء والبنات بالحجاب ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونسآء المؤمنين يدنين علينهن من جلابيبهن ) [ الأحزاب : 59 ] الآية
وقد نفذ النبي صلى الله عليه وسلم أم الله تعالى على نسائه وبناته ونساء المؤمنين ،حتى صار أمر الحجاب معروفاً لدى كل صغيرة وكبيرة من المسلمات ، حتى تقول عائشة رضي الله عنها : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين ، ودخل علي وأنا بنت تسع سنين ، وكنت ألعب بالبنات ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه ، وفي لفظ : وعندي الجواري فإذا دخل خرجن ، وإذا خرج دخلن !!
فيا تاركي الحجاب ، معي هدية لمن أجاب ، لماذا كانت صديقات عائشة تختبئن وتستترن من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الشريف العفيف ؟ إن قلتم حياء منه فما لكم لا تستحون ؟ وإن قلتم حجاباً منه فما لكم لا تعقلون ؟ وقد يخرج متفلسف علينا فجأة ، فيقول : هذه كانت عادات عند العرب ! فنقول له : إنها في سورة الأحزاب آية ، نسأل الله لك الهداية . ثم أقول أخيراً لتاركه الحجاب : أنظري إلى تلك البنت الصغيرة ، وإما أن تعطيها قبلة ؛ أو تأخذي منها صفعة ! تلك البنت هي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، وكانت صغيرة ، فخطبها أمير المؤمنين عمر ، فقال أبوها : إنها صغيرة ، فقيل لعمر " إنما يريد بذلك منعها ، فكلمه عمر ، فقال علي : أبعث بها إليك ، فإن رضيت فهي أمرأتك . فبعث بها إليه ، فذهب عمر ، فكشف عن ساقها ، فقالت : أرسل ، فلولا أنك أمير المؤمنين لصككت عنقك ! سبحان الله ! لا يخافون في الله لومة لائم .
ولكن لم يفت عمر نفسه رضي الله عنه أن يلفت نظر المربين إلى أنه لا حرج من بروز البنت الصغيرة على الرجال أو دخولها عليهم عند أبيها في مجلسه لكي يؤخذ عنها فكرة عامة فلعلهم يخطبونها فيما بعد لأحد أبنائهم .
عن عمر بن الخطاب قال : أبرزوا الجارية التي لم تبلغ ، لعل بني عمها يرغبوا فيها .
وبالطبع ، هناك فرق شاسع بين مدلول كلام عمر رضي الله عنه وبين مفهوم التي تترك وجهها كاشفاً حتى بعد البلوغ لتعرض نفسها على من لم يصبه الدور ، ومن لم يحالفه الحظ ، لعله يجد فيها بغيته ، ولتكون يوماً وزجته ،والله المستعان
( 104) ويأمرهم صلى الله عليه وسلم بالزواج متى بلغوا وقدروا على تكاليفه :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " .
وقد اهديت عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين ، وخطب عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه وهي جارية تلعب مع الجواري .
فالنبي صلوات الله وسلامه عليه ، يريد للشباب ألا ينحرف ، أو يضيع ونجرف ، ويكون فريسة سهلة للشياطين والمنحرفين ، فلذلك حثهم على الزواج لمن استطاع الباءة ، وهي تكاليف الزواج والقدرة عليه ، فإن في الزواج تحصين
وحفظ للفرج ، وإشباع للعين لكتون غاضة عن محارم الله وحرماته ، ونساء الناس وأعراضهم ، فيكون الزواج بذلك وجاء ؛ أي وقاية ومنعاً من الوقوع في الزلل .
وإذا كان الولد محتاجاً إلىالنكاح ، والأب أو من يقوم مقامه قادر على تزوجيه ؛ لزمه ذلك ، لمافيه من تحصينه وإعفافه عن الوقوع في الحرام .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( ويلزم الرجل إعفاف ابنه ، إذا احتاج إلى النكاح ، وهذا ظاهر مذهب الشافعي .. )
وكذلك يجب أن يزوج ابنته التي بلغت سناً تحتاج فيه إلى الزواج لإعفافها . وأن يلتمس لها الزوج الصالح ، فلا فرق بين الأبن والبنت في وجوب إعفافهما .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ثلاثة حق على الله عونهم ، ... وذكر منهم الناكح الذي يريد العفاف " .
(105) فإذا بلغوا علمهم صلى الله عليه وسلم الأمانة وتحمل المسؤوليات :
لا شك أن الطفل لن يظل طفلاً ، بل سيأتيه اليوم الذي فيه يبلغ ويصير مكلفاً مسؤولاً ، فإذا كان يعمل في مال أبيه فهو راع ومؤتمن ومسؤول أمام عز وجل يوم القيامة عن هذا المال ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " .
إذن فالولد أمين في مال أبيه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يشدد على جانب الأمانة عند الصبي لتتأصل فيه .
(106) ويعاقبه صلى الله عليه وسلم إذا أخل بتلك المسؤولية :
عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب ، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه ، فلما جئت به أخذ بأذني ، وقال : " يا غدر" .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يعالج الخطأ بدون إفراط ولا تفريط ، فلا هو بالشديد القاسي ، ولا بالمهمل المتناسي ، وهو لا يسكت على خطأ أبداً ولو كان من الطفل الصغير ، فالصغير ليس شافعاً للسكوت على الخطأ كما يفعل ويعتقد البعض ، ولا زلنا لم يغب عنا أخذه صلى الله عليه وسلم التمرة من فم الحسن ابن ابنته وهو صغير وقال له : " كخ ، كخ ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة ؟" .
(107) ويستقرئ صلى الله عليه وسلم أفكار الشباب ليرى كيف يفكرون :
عن جابر رضي الله عنه قال : لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً البحر قال :" لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال : " ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ " قال فتيه منهم " بلى يا رسول الله ، بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة ماء ، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها ، فانكسرت قلتها ، فلما أرتفعت التفتت إليه وقالت : سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ؛ فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً . قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقت صدقت ، كيف يقدس الله أمه لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ؟ "
والمتأمل في هذا الحديث يعرف كيف يفكر شباب محمد صلى الله عليه وسلم وما الذي يشغل عقله وفكره ، وما هي الأعاجيب التي ترم على خياله ، إنها يشغل عقله وفكره ، وما هي الأعاجيب التي تمر على خياله ، إنها القيامة الكبرى ، إنها يوم الجمع والحشر ، يوم تتكلم الأيدي والأرجل بغدرات الناس وخياناتهم ، يوم يقتص رب الأولين والآخرين من الظلمة للمظلومين .
الآخر ؟ هل هي حضارة الغرب وتفسخه ، أم الإباحية التي يطلقونها بلا حدود ،والمتعة والشهوة التي يمارسونها بلا شروط ولا قيود ؟ نسأل الله السلام والعافية .
(108) ويثني عليهم صلى الله عليه وسلم عند نصحهم لتجد النصيحة عندهم موقعاً :
نبينا صلى الله عليه وسلم هو عالم النفس البشرية حقيقة ، وهوالخبير بترويضها ، على اختلاف اتجاهاتها ونوازعها ، يستخدم أحياناً المدح والثناء ، لتخفيز همة ، أو تحريك مشاعر ، فتتأهل النفس للاستجابة والتنفيذ راضية غير مكرهة ، راغبة غير راهبة . يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كنت غلاماً شاباً أعزب ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ، قال : فلقينا ملك آخر ، فقال لي : لم ترع . فقصصتها على حفصه ، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " فكان بعد لا ينام من اليل إلا قليلاً . فثناء الني صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن عمر كان حافزاً له على الليل بصفة دائمة .
يقول الغزالي : ( إذا ظهر من الصبي خلق جميل ، وفعل محمود فإنه ينبغي أن يكرم عليه ، ويجازى عليه بما يفرح به ، ويمدح أمام الناس لتشجيعه على الأخلاق الكريمة ، والأفعال الحميدة . وإذا حدث منه ما يخالف ذلك وسره الصبي واجتهد في إخفائه ؛ تغافل عنه المربي وتظاهر بأنه لا يعرف شيئاً عما فعل حتى لا يخجله ، فإن عاد ثانية إلى الخطأ عوتب سراً ، ، وبين له نتيجة خطئه ، وأرشد إلى الصواب ، وحذر من العودة إلى مثل هذا الخطأ ، خوفاً من أن يفتضح بين الناس .
اللهم علمنا الصواب ...
وأرشدنا إليه ، ولا تفضحنا بين خلقلك ، إنك على كل شيء قدير .
( 109) ويعد لهم صلى الله عليه وسلم عرضاً عسكريا للشجاعة والإقدام :
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : تأيمت أمي ، وقدمت المدينة ، فخطبها الناس ، فقالت : لا أتزوج إلا برجل يكفل لي هذا اليتيم ، فتزوجها رجل من الأنصار ، قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض غلمان الأنصار في كل عام ، فيلحق من أدرك منهم ، قال فعرضت عاماً فاحلق غلاماً وردني ، فقلت : يارسول الله ، لقد ألحقته ورددتني ، ولم صارعته لصرعته ، قال : " فصارعه " فصارعته ، فالحقني .
ولا شك أن إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لهذا العرض لقبول المجاهدين فيه تشويق للمشاركة ، وحرص على القبول ، وأسى وأسف إذا لم يلتحق الصبيان بالمجاهدهين ، وبذلك يشارك الشباب في الجهاد في رغبة وحرص ، فيبذل روحه سهلة رخيصة في سبيل كلمات هذا الدين وهكذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
( 110 ) ويشاهد صلى الله عليه وسلم المصارغة بين الفتيات :
رأينا في الحديث السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد المصارعة بين أثنين من فيتان المسلمين من أيناء الأنصار ، كل منهما يريد بهذه المصارعة أن تكون مؤهلاً له للقبول كجندي في الجيش المسلم الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفرى ، وما أرادا بهذه المصارعة شهرة أو أجرة ، ولا كمال أجسام والبطل الهمام ، لكن لنصر دين الملك العلام ، وما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بإجراء هذا المصارعات تنزها وتفكهاً واستعراض العضلات بنشر العورات ؛ وإنما أراد بذلك تشجيع الكفاءات ومعرفة القدرات ، والإعداد للجهاد وليس ترك الجهاد ، كما تركه أبطال الزمن الآخر .
وثمة أمر آخر هام، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليشهد تلك المصارعة بصحبه معصية ؛ كإبراز الأفخاز والعورات ، بل كان يمنع ذلك تماماً ، فهو القائل صلى الله عليه وسلم : " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته ، فإن ما أسفل من سرته إلى ركبته من عورته . وهوالقائل صلى الله عليه وسلم " غط فخذك فإنها من العورة . فما بال كثير من المسلمين وأبنائهم ، والمربين وعيالهم عكفوا على حلقات المصارعة بالتلفاز وغيره وعورات البغال فيها مكشوفة ، بل عوراتهم المغلظة مجسمة من السراويل الضيقة جداً ، وأنباء المسلمين وبناتهم ينظرون ويشاهدون غير مبالين ولا مهتمين بتحذيرات الرسول الأمين ؟ !
حتى ضاع الحياء ، وألفت المعصية فلم يعد يستنكرها أحد ، بل النكير على من أنكر ، إلا من رحم الله عز وجل .
(111) ويجهزهم صلى الله عليه وسلم للغزو في سبيل الله :
عن أنس بين مالك رضي الله عنه أن فتى من أسلم قال : يا رسول الله ، إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز ، قال : " أنت فلاناً فإنه قد كان تجهز فموض " ، فأتاه فقال : إن الله يقرئك السلام ، ويقول : أعطني الذي تجهزت به ، فقال : يا فلانة ، أعطيه الذي تجهزت به ولا تجسي عنه شيئاً ، فوالله لاتجسي منه شيئاً فيبارك لنا فيه
أرأيت أخي المربي هذا التفاعل العجيب والترابط المهيب بين أعضاء الأمة المسلمة ! إنهم تربوا على توجيهات نبيهم : من كان عنده فضل ظهر فليعد به علىمن لا ظهر له ، ومن جهز غازياً غزا.
النساء يفرحن باستشهاد ابنائهن
فها هي أم سعيد بن معاذ وقا فقدت ابنها عمرو في غزوة أحد مع قتلى آخرين ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أم سعد أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعاً ، وقد شفعوا في أهلهم جيمعاً " قالت : رضينا يارسول الله ، ومن يبكي عليهم بعد هذا ؟ ! .
وكذلك أم حارثة بن الربيع رضي الله عنهما ؛ يقول أنس رضي الله عنه أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وكان حارثة ابنها قتل يوم بدر ، أصابه سهم غرب ، فقالت : يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة ؟ فإن كان الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في الكباء فقال صلى الله عليه وسلم : " يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة " وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى " . قال قتادة : والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها .
وأيضاً الخنساء بنت عمرو السلمية رضي الله عنها ، حضرت حرب القادسة ضد الفرس ، ومعها بنوها الأربعة ، تعظهم وتحرضهم على القتال وعدم الفرار وتقول لهم " " إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، وإنكم لابن أب واحد وأم واحدة ، ما حبت آباؤكم ، ولا فضحت أخوالكم " فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا جميعاً فبلغها الخبر ، فقالت قولتها المشهروة : " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته " .
( 112) ولا يرحمهم صلى الله عليه وسلم من نيل الشهادة في سبيل الله :
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : رأيت أخي عمير بن ابي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى ، فقلت : ما لك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة ، قال : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده لصغره فبكى فأجازه عليه الصلاة والسلام ، فكان سعد رضي الله عنه يقول : فكنت أعقد حمائل .
سيفه من صغره ، فقاتل وهو ابن ست عشر سنة رضي الله عنه .
ولما خرج المسلمون إلى أحد للقاء المشركين ، استعرض النبي الجيش فرأى فيه صغاراً حشروا أنفسهم مع الرجال ليكونوا مع المجاهدين لإعلاء كلمات اله ، فأشفق عليهم صلى الله عليه وسلم ورد من استصغر منهم ، وكان فيمن ردهم عليه الصلاة ولاسلام رافع بن خديج ، وسمرت بن جندب ، ثم أجازه لما قيل له : إنه رام يحسن الرماية ، فبكى سمرة وقال لزوج أمه : أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً وردني ، مع أني أصرعه ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فأمرهما بالمصارعة ، فكان الغالب سمرة فأجازه عليه الصلاة والسلام .
عمير بن أبي وقاص يتوارى ويختبئ من النبي صلى الله عليه وسلم ويهرب ليدخل الجيش ، فكيف لو سمع بأن بعض الناس يختبئ ويهرب من الجيش ؟ ! .
( 113) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم لغة عدوهم :
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود قال : " إني والله ما آمن يهود على كتابي " قال : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له ، قال : فلما تعلمته ؛ كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم ، وإذا كتبوا إليه قرأت كتابهم .
وفي لقظ : قال زيد : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحسن السريانية ؟ إنها تأتيني كتب ، قال : قلت : لا ، قال : " فتعلمها " فتعلمتها في سبعة عشر يوما ً .
إن طالب الجامعة الآن . كم يقضي من السنين حتى يتخرج متخصصاً في أي لغة من اللغات الأجنبية ؟ ليحصل على ما يسمى بالليسانس أو البكالوريوس ؟ 16 سنة .
وفي جامعة الإسلام الأولى ، جامعة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم ؛ في كم من الزمن حصل زيد بن ثابت على التخصص في السريانية ؟ 16 يوماً بتقدير امتياز ، في مقابل 16 سنة لطالب يبدأ من الابتدائية وينتهي بالجامعة !! أراينا كم يتفق من الوقت في عمر الأمم ؟ إنها بركة هذا الدين والتوجه بالعمل إلى الله عزوجل .
(114) ويهتم صلى الله عليه وسلم بتعليمهم كتابه اللغة العربية :
لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم أبناء الصحابة الكتابة والغة ، لغة القرآن والحديث ، فكلما تمكن الشاب من اللغة سهل عليه الولوج في كافة العلوم الشرعية ، فلذلك كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بها أن يفدي الأسير من أسرى بدر مقابل تعليمه عشرة صبيان من أبناء الصحابة اللغة والكتابة . قال ابن سعد : ( أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيراً ، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم ، وكان أهل مكة يكتبون ، ، وأهل المدينة لا يكتبون ، فمن لم يكون عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم ، فإذا حذقوا فهو فداؤه ) . وقال : ويلغ فداء أهل بدب يومئذ 4000 فمادون ذلك حتى إن كان الرجل يحسن الخط ففودي على أن يعلم الخط .
( وكانت العرب تعظم قدر الخط، وتعده من أجل نافع .. لما هو مستقر في نفوسهم من عظم خطره وجلاله قدره ، وظهور نفعه وأثره . وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( أقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * ) [ العلق " 3 ، 4 ] . فوصف نفسه بأنه علم بالقلم ، كما وصف نفسه بالكرم ، وعد ذلك من نعمة العظام ، ومن آياته الجسام ، حتى أقسم به كتاب ، فقال سبحانه وتعالى ( ن والقلم وما يسطرون) [ القلم : 1 ، 2 ]
فأقسم بالقلم ، كما أقسم بما يخط بالقلم ) .
قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية : " وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " لا تمشين أمام أبيك ، ولا تجلس قبله ، ولا تدعه باسمه ، ولا تستسب له " أي لا تعرضه للسب وتجره إليه ، بأن تسب أبا غيرك فيسب أباك مجازاة لك ، وقد جاء مفسراً في الحديث الآخر : " إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه " ، قيل : وكيف يسب والديه ؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه وأمه " ) . اهـ .
وأورد الإمام النووي هذا الحديث في كتابه الأذكار وفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا تستسب له " ، قال : لا تفعل فعلاً يتعرض فيه لأن يسبك أبوك لكل وتأديباً على فعلك القبيح ، والولد البار يسر أهله ، ويدخل البهجة في نفوسهم ، فتبستم لهم الحياة ، ويستحق الولد أن يكون قرة عين أهله ، فهو بهم بار ، وله أجر البر وعظيم ثوابه .
عن ابن عباس رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي مالاً وولداً ، وإن والدي يحتاج مالي ، قال : " أنت ومالك لوالدك ، وإن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أوادكم .
بل إن الأب لو أعطى لابنه شيئاً ثم أراد أن يرجع في عطيته فله ذلك ولا جناح عليه ، بعكس ما لو أعطاها لأحد من غير أبنائه فلا يجوز له الرجوع فيها أعطي ، لما رواه ابن عمر وابن عباس يرفعان قال : " لا يحل للرجل أن يعطي عطية ، ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه " . قال الترمذي : قال الشافعي : لا يحل لمن وهب هبة أن يرجع فيها ، إلا الوالد فله أن يرجع فيها أعطى ولده واحتج بهذا الحديث .
( 117) ويودع الحجاج منهم بالدعاء ، ماشياً معهم بعض الطريق :
أيضاً من اهتمامات النبي صلى الله عليه وسلم بأداء الصبيان فريضة الحج ومشاركتهم فيها ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال : جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إني أريد الحج ، فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا غلام ، زودك الله التقوى ، ووجهك في الخير ، وكفاك الهم " ، فلما رجع الغلام على النبي صلى الله عليه وسلم : صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان الروحاء لقي قوماً فقال : " من أنتم ؟ " قالوا : المسلمون ، قالوا : من أنتم ؟ قال : " رسول الله " . فأخرجت امرأة صبياً من المحقة فقال : الهذا حج ؟ قال : " نعم ولك اجر "
(118) ويربطهم صلى الله عليه وسلم بالله تعالى عند الشدائد وغيرها :
قال السدي وزغم أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عوف بن مالك رضي الله عنه ، كان له ابن ، وأن المشركين اسروه فكان فيهم ،وكان أبوه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ويقول له : " إن الله سيجعل لك فرجاً " فلم يلبث بعد أغنام إلا يسيراً أن أنفلت ابنه من أيدي العدو فمر بغنم من أغنام العدو ، فاستاقها فجاء بها إلى أبيه ، وجاء معه بغني قد أصابه من الغنم فنزلت هذه الآية " ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) [ الطلاق : 2] . وفي رواية أبن أبي حاتم : قال محمد بن إسحاق : جاء مالك الاشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أسر ابني عوف ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرسل إليه أن رسول الله يأمر أن تكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ) . وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها ، وأقبل فإذا هو يسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بها فاتبع أولها آخرها ، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب ، فقال أبوه : عوف ورب الكعبة . فقالت أمه : وأسواتاه ، وعوف كيف يقدم ؟ لما هو فيه من القد ، فاستبقا الباب والخادم ، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا ، فقص على أبيه أمره وأمر الإبل ، فقال أبوه : قفا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل ، وفقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أصنع بها ما أحببت وما كنت صانعاً بمالك " ونزل : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ).
السلف يرسخون العقيدة الصحيحة عند الأبناء .
عن عبدالواحد بن سليم قال : قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح ، فقلت له : يا أبا محمد ، إن أه البصرة يقولون في القدر ، قال : يا بني أتقرأ القرآن ؟ قلت : نعم ، قال : فاقرأ الزخرف ، قال : فقرأت ( حم * والكتب المبين * إنا جعلنه قرءناً عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتب لدينا لعلي حكم *) [ الزخرف : 1 ـ 4 ] فقال : أتدري ما أم الكتاب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال: فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السماوات وقبل أن يخلق الأرض ، فيه أن فرعون من أهل النار ، وفيه : ( تبت يدا أبي لهب وتب *) . قال عطاء : فلقيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته : ما كان وصية أبيك عند الموت ؟ قال : دعاني أبي فقال لي : يا بني ، أتق الله ، وأعلم أ،ك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله وتؤمن بالقدر كله خيره وشره ، فإن مت على غير هذا دخلت النار ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم ، فقال : " أكتب " فقال : ما أكتب ؟ قال : " أكتب القدر ، ما كان وما هو كائن إلى الأبد " . وفي رواية أن عبادة بن الصامت قال لابنه : ( يأبني ، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك . )
وقد سبق أن زين العابدين بن الحسين بن علي قال : كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السور من القرآن .
وهذه قصة لطيفة لسهل بن عبد الله التستري قال : كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم الله ، فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار ، فقال لي يوماً : ألا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت : كيف أذكره ؟ فقال : قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ؛ ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك : الله معي ؛ الله ناظري، الله شاهدي ، فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال : قل في كل ليلة سبع مرات ، فقلت ذلك ثم أعلمته فقال : قل ذلك في كل ليلة إحدى عشرة مرة ، فقلته ، فوقع في قلبي حلاوته ، فلما كان بعد سنة ، قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلىذلك سنين ، فوجدت لذلك حلاوة في سري ، ثم قال لي خالي يوماً : يا سهل ، من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده ؛ أيعصيه ؟ إياك والمعصية ، فكنت أخلو بنفسي ، فبعثوا بي إلىالمكتب ، فقلت : إني لا خشى أن يتفرق علي همي ، ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة ، فأتعلم ثم أرجع ، فمضيت إلى الكتاب ، فتعمت القرآن وحفظته ، وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين ، وكنت أصول الدهر وقوتي من خبز الشعير .
وكل هذا لاشك كان ببركة الذكر والمراقبة لله جل وعلا .
السلف يهتمون بتعليم أبنائهم الآداب والمشاركة في الأعمال
السلف جيلاً عن جيل يهتمون بنقل ا