عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

(82) ويحذرهم صلى الله عليه وسلم من مجالسة ومصاحبه الأشرار :

 

 عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم   : " الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ".

 

 وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل الجليس الصالح وجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك وجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحام المسك إما أن يحذيك ـ يعطيك ـ ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً خبيثة " .

 

          ولعل الحديثين واضحان في بيان مضرة جليس السوء . 

 

كذلك فإن من خالط الاشرار واتخذهم أصحاباً فهو مثلهم ، ودينه دينهم ، ومصيره مصيرهم ، وإن قال غير ذلك .

 

 ويقول ابن سيناء في كتابه سياسة الأولاد: ( ينبغي أن يكون الصبي مع صبية حسنة آدابهم ، مرضية عاداتهم ، لأن الصبي عن الصبي ألقن ، وهو عنه آخذ وبه آنس ) .

 

وقال الغزالي في الإحياء : ( وقد قال الله تعال : ( يأيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً ) ، ومهما كان الأب يصون الصبي عن نار الدنيا ؛ فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى . وصيانته بأنه يؤدبه ، ويهذبه ، ويعلمه محاسن الأخلاق ، ويحفظه من قرناء السوء ... ولا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا أمرآة صالحة متدينة تأكل الحلال ) .

 

وقد بين الله تعالى شدة ندم من يجالسون أهل السوء ويتخذونهم أخلاء ويسيرون في ركابهم ، ويتركون مجالسة أهل الخير والسير في صراطهم المستقيم ، كما قال سبحانه : (ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني أتخذت مع الرسول سبيلاً * يوليتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلني عن الذكر بع إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا * ) [ الفرقان : 27 ـ 29 ] .

 

  (83) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم أدب الكلام ومنزلة الأخر الأكبر :

 

جاء عبدالرحمن بن سهل وحويصة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كبر كبر " يعني ليتكلم الأكبر سناً وكان عبد الرحمن اصغر القوم .

 

 فهذا حق الكبير ، ولا يجوز للصغير أن يبادر بالكلام إلا إذا طلب منه ، أو أن القوم انتخبوه متحدثاً عنهم ، أو كان له هو سؤال وحاجة . وقد مربنا قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من أمتي من لم يجل كبرنا " .

 

 فإذا رشح القوم صغيرهم متحدثاً عنهم في المحافل لمناسبة لذلك فلا إشكال ، وقد حدث شيء من هذا أمام عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه  حينما ولي الخلافة وفدت عليه الوفود من كل بلد لبين حاجتها وللتهنئة ، فوفد عليه الحاجازيون فتقدم غلام هامشي للكلام ، وكان حدث السن فقال عمر : لينطق من هو أسن منك ، فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، إنما المرء بأصغريه ، فقد استحق الكلام ، وعرف فضله من سمع خطابه ، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين ! بالسن ؛ لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك ، فقال عمر " لكان في الأمة بدا لك . فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، نحن وفد تهنئة ، لا وفد مرزئة ، وقد اتيناك لمن اله الذي من علينا بك ، ولم يقدمنا إليك رغبة ورهبة ، أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا ، وأما الهيبة فقد أمنا جورك بعدلك . فقال عمر : عظني يا غلام! فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، إن ناساً من بلادنا ، وأما الهيبة فقد أمنا جورك بعدلك . فقال عمر : عظني يا غلام !فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، إن ناساً من الناس غرهم حلم الله عنهم ، فزلت بهم الأقدام فهووا في النار ، فلا يغرنك حلم الله عنك ، وطول أملك ، وكثرة ثناء الناس عليك ، فتزل قدمك ، فتلحق بالقوم ، فلا جعلك الله منهم ، وألحقك بصالحي هذه الأمة ، ثم سكت . فقال عمر :كم عمر الغلام ؟ فقيل : هو ابن إحدى عشرة سنة ، ثم سأل عنه ، فإذا هو من ولد الحسين بن علي رضي الله عنه ، فأثنى عليه ودعا له . نعم ! ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ) [ الأعراف : 58] .

 

كما علمهم صلى الله عليه وسلم القايم للكبير أباً كان أو شيخاً أو معلماً فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت عليه فاطمة ابنته قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته وأجلسته في مجلسها 

 

 ولما دنا سعد بن معاذ إلى المسجد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : " قوموا إلى سيدكم أوخيركم .." .

 

(84) ويلقنهم صلى الله عليه وسلم آداب الاستئذان :

 

 الطفل وهو صغير لم يبلغ الحلم يستأذن في دخول غرف النوم على والديه أو غيرهم ثلاثة أوقات فقط ، تكون العورات فيها عرضة للانكشاف في تلك الاوقات وهي قبل صلاة الفجر ، ووقت الظهيرة ، وبعد صلاة العشاء . وقد حدد الإسلام هذا الثلاثة للطفل الصغير قبل الاحتلام ؛لأنه في هذه المرحلة يكون كثير الحركة ، والدخول والخروج ، والوقوف واللعب ، فيصعب ويشق عليه الاستئذان في كل الأوقات . فإذا اقترب من البلوغ والاحتلام والتمييز فإنه يقل لعبة ودخوله وخروجه ، وصار يفهم ويتحمل ولا يشق عليه أن يستأذن بالدخو على والديه في سائر الأوقات كلما وجد الباب مغلقاً . وقد راعى الإسلام الحنيف كل هذه الجوانب مراعاة العليم الحكيم الخبير بأحوال خلقه ؛ فقال عز من قائل :

 

() يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [ النور " 58 ، 59 ] .

 

وكان أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليه بغير إذن فجاء يوماً ليدخل فقال له : ( كما أنت يا بني ، فإنه قد حدث بعدك أمر ؛ لا تدخلن إلا بإذن ) .

 

 ويبين صلى الله عليه وسلم أن المستأذن لا يقف في مواجهة الباب مباشرة حتى إذا فتح الباب فجأة فلا تقع العين على شيء يؤذي أهل البيت رؤيته ، وهنا تظهر القيمة العظمى للاستئذان كما جاء عن سهل بن سعيد رضي الله عنه  قال : اطلع رجلمن حجر في حجر النبي صلى الله عليه وسلم  ، ومع النبي مدرى يحك به رأسه ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جعل الإذن من أجل البصر " .

 

  وقال عبد الله بن يسر رضي الله عنه  : كان رسول الله  : إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأمين أو الأيسر ، ويقول : " السلام عليكم ، السلام عليكم " ، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور .

 

 والدور الآن ، وإن كان عليها ستور ، إلا أن الحكم يشملها ، وهو عدم استقبال الباب مباشرة والوقوف بالوجه في مقابلة ، ولكن يجب التنحي يميناً أو يساراً بحيث إذا فتح الباب ؛ لا يتمكن النظر من رؤية شيء بكره أهل البيت اطلاع أحد عليه ، أو تقع العين علىعورة فجأة ، فيحصل الضيق في اصدر والحرج في النفس ، والله تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج .

 

وتلك الأخلاق وهذه المبادئ قد ارسى قواعدها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان هو قدوة فيها ، فليتأس به المسلمون ، وليقتد به المربون ، في تنشئة جيل يرضى عنه الله وعباده الصالحون .

 

(85) ويؤدبهم صلى الله عليه وسلم على ألا يغيظ بعضهم بعضاً وبخاصة الجار : 

 

 أيها المربي ، لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بولد الجار ، لأنه ربما تكون مخالطته لولدك أكثر من مخالطته لأي أحد ، فلذلك كانت الوصية عليه ، عن عمرو بن شعيب رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإن اشتريت فاكهة فاه له ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج ولدك ليغيظ بها ولده " .

 

  صلى عليك الله ياعلم الهدى ، يا سيدي يارسول الله ، يارحمة للعالمين مهداة . ما أعظم خلقك ، وما أرحم قلبك .

 

 قال العزالي : ( ويمنع الصبي من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والده ، أو بشيء من مطاعمه ، وملابسه ، أو لوحه و أدواته ، بل يعوده التواضع ، وإكرام لكل من عاشره ، والتطلف في الكلام معهم ) .

 

 ( 86) ويحذرهم صلى الله عليه وسلم من تهديد بعضهم البعض بالسلاح ولو مزاحاً :

 

 عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه " .

 

ولا شك أن في هذا درءاً لمفاسد المحتملة والمتوقعة ، فإن المرء يذهب يمزح فيتدخل الشيطان فينقلب المزاج شيئاً خطأ وهو يمزح ، وفي كلا الحالين شر وأذى وإيقاع من الشيطان للعداوة والبغضاء ، ومن هنا يعرف قيمة وفائدة منعه صلى الله عليه وسلم المزج والإشارة بالسلاح .

 

          والأمثلة كثيرة في بيان المزح الذي ينقلب إلى عداوة .

 

 (87) وينعهم صلى الله عليه وسلم من أن يروع بعضهم بعضاً ولو مزحاً :

 

فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه  قال : حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال : " ما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يروع أخاه " .

 

 النبي صلى الله عليه وسلم يبني أسس القواعد العامة في نفوس المسلمين  وسلوكهم منهجاً لهم ولسائر الأمة ؛ يتحدد بها موقفهم من الممنوع والجائز "لا يحل لمسلم أن يروع أخاه " فلا يخفي عنه ماله أو ولده ؛ فليتفرج على لوعته وحيرته ثم يقول له : كنت أمزح ، ولا يدخل عليه بيته من مكان غير مألوف فيرعبه ويرعب من بالبيت ويقول : كنت أمزح . ولا يأتي من وراء ظهره ويحدث صوتاً مرعباً كصوت سيارة أو صوت كلب ، حتى إذا أفزعه وأرعبه ضحك وقال : أنا أمزح ! أين نحن من تعاليم هذا لدين العظيم ؟ ! 

 

( 88) ويخفف عنهم صلى الله عليه وسلم مراعاة لطاقتهم العقلية المحدودة :

 

 وقد ظهر ذلك حينما كان يكلف أنساً رضي الله عنه  بعمل ؛ فإذا رأى منه تقصيراً أو نسياناً لم يعاقبه ، فإذا رأى من أهله من يريد معاقبته قال : "دعوه فلو قدر لكان " لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن للطفل طاقة عقلية محدودة ، فقد تقول لطفلك لا تعلب مع الصبيان ، وحينما يراهم لا يعلق بذهنه ، ولا تستحضر ذاكرته نهي أبيه له ، كذلك فإن عقله لا يستجمع أن المخالفة عقوق وأنه منهي عن ذلك ، وهكذا . ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "دعوه ، قدر لكان .

 

 كذلك من المواقف اللطيفة  التي لا تقع إلا من مثل نبينا صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه قبيل غزوة بدر أرسل النبي صلى الله عليه وسلم استخباراته من أصحابه ليستكشفوا أخبار العدو ، فقبضوا على غلامين كانا يستقيان لجيش مكة ، فسألوهما : لمن أنتما ؟ قالا : نحن سقاة قريش ، فظن الصحابة أنهما يكذبان وأنهما لا بي سفيان ، فضربوهما ضرباً موجعاً حتى قالا : نحن لأبي سفيان فتركوهما ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي حينها فلما فرغ من صلاته استنكر ما فعله أصحابه وقال لهم وهو الخبير : " إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما ؟ صدقا والله ، إنهما لقريش " ، بدأ صلى الله عليه وسلم باستجوابهما على قدر ما يتحمل ويستوعب عقلهما رافعاً الروع والخوف عنهما ،وما لم يقدرا على الإجابة عليه سألهما سؤالاً غيره أخف لكنه يوصل إلى المقصود الأول .

 

 قال صلى الله عليه وسلم لهما : " كم القوم ؟ " قالا : كثير ، قال : " ما عدتهم ؟ " قالا : لا ندري ، فقال : " كم ينحرون من الإبل كل يوم ؟ " قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " القوم ما بين التسعمائه إلى الألف " على أساس أن البعير يكفي من تسعين إلى مائة فرد .

 

(89) وينزههم صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالاناث :

 

عن عبدالله بن يزيد رضي الله عنه  قال : كنا عند عبد الله بن مسعود فجاء ابن له ، عليه قميص من حرير ، قال : من كساك هذا ؟ قال : أمي  ، قال : فشقه وقال : قل لأمك تكسوك غير هذا!

 

 ولاشك أن ابن مسعود رضي الله عنه  مزق القميص لأنه تعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرير للنساء وليس للرجال ، قال صلى الله عليه وسلم : " حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم . ولا فرق بين الكبير والصغير في حرمة لبس الحرير ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمه على جنس الذكور ، إلا أنه لو لبسه الصغير فالإثم لا يلحقه وإنما يلحق الذي ألبسه .

 

(90) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على الإخشيشان وقوة التحمل :

 

قال العزالي في الإحياء : ( ولا يعود الأب ولده التنعم ، ولا يجب إليه الزينة ، واسباب الرفاهية ، فيصبع عمره في طلبها فيهلك هلال الأبد ) .

 

وعن جبار رضي الله عنه  قال : لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة ، فقال العباس رضي الله عنه  : اجعل إزارك على رقبتك ؛ يقيك الحجارة ، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ، فقال : " أرني إزاري " فشده عليه . وكان رسول الله إذ ذاك شاباً .

 

وقد رعى الغنم أيضاً ، قال : " ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم " ، فقال أصحابه : وأنت ؟ قال : " نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة .

 

وكان صلى الله عليه وسلم يحث الشباب على الرماية وركوب الخيل ، لما في ذلك من الرجولة والقوة ، والاستعداد للشدائد ، فعن عبد الرحمن بن أبي حسين رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن اله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة ؛ صانعة يحتسب في صنعته الخير ، والرامي به ، والممد به ، وقال : " أرموا وأركبوا ،وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا ، كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل ، إلا رميه بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، فإنهن من الحق " . وفي رواية : " .. أرموا واركبوا .. ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها" . وقد كان عمر يقول : علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل .

 

 وقال عمر أيضاً رضي الله عنه  :" تمعددوا وأخشوشنوا " ، يقال : تمعدد الغلام ، إذا شب وغلظ . وقيل : أراد : تشبهوا بعيش معد بن عدنان  وكانوا أهل غلظ وقشف : أي كونوا مثلهم ودعوا زي التنعم وزي العجم . وفي رواية : " عليكم باللبسة المعدية " .

 

وأيضاً من تعيد النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على الإخشيشان الذي بدأ هو فيه بنفسه وتبعه فيه الكثيرون من صالحين هذه الأمة ؛ ما رواه عبدالله بن بريدة رضي الله عنه  أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه  وهو بمصر ، فقدم عليه وهو يمد ناقة له ، فقال : يا فضالة ، إني لم آتك زائراً ، إنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم ، فرآه شعثاً  فقال : ما لي أراك شعثاً وأنت أمير البلد ؟ قال فضالة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه  ، ورآه حافياً فقال : مالي أراك حافيا ؟ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتفي أيحاناً 

 

وعن عائشة رضي الله عنهما قال : " مشىحافياً وناعلاً ، وأنصرف عن يمينه وعن شماله . أي من الصلاة بعد التسليم.

 

 وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه  : " أن النبي صلى الله عليه وسلم  نهى عن الترجل إلا غبا " .

 

وهذا كله ليس رضاً مع حب الرجل منا أن يرى ثوبه حسناً ونعله حسناً ؛ وليس متعارضاً مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان له شعر بأن يكرمه ويدهنه ؛ وليس متعارضاً كذلك مع قول أحد أصحابه له : إني ليعجبني أن يكون ثوبي غسيلاً ورأسي دهيناً وشراك نعلي جديداً ؛ فقال له صلى الله عليه وسلم : " ذاك الجمال ، إن الله جميل يحب الجمال . وإنما يريد النبي صلى الله عليه وسلم مع نظافة المسلم وجماله ؛ ألا يكون ذلك شغله الشاغل ، وهدفه العاجل والآجل . وإنما المسلم يدرب نفسه على هذا وذاك ويستعد لهاذ وذاك ، فإذا حوصر كان رجلاً ، وإن أحيط به كان بطلاً .

 

حتى اللحم ، ما كان يجده رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الاوقات ليأكله ، وفي نفس الوقت ؛ لم يحرص على إيجاده وتوفيره . وقد أتي يوماً بلحم ، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه وتبين عائشة رضي الله عنه  وهي زوجته وأعرف الناس بطعامة ؛ لمذا كان صلى الله عليه وسلم يجب ذراع الشاة ؟ تقول : ما كان الذراع أحب اللحم إلى رسول كان صلى الله عليه وسلم   ولكن كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجد اللحم إلا غباً فكان يعجل إليه لأنه أعجلها نضجاً .

 

 وللعدل والإنصاف ؛ نقول : إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إذا كان يحث الأمة على شيء من الإخشيشان ، وينهاهم عن كثير من الإسراف والإرفاه فإنه قد بدأ بنفسه كما رأينا ، بل وبأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين . فعن أبي الورد ، عن ابن أعبد قال : قال لي علي رضي الله عنه  : ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت من أحب أهله إليه ؟ إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها ، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها ، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها ، فأتيى النبي صلى الله عليه وسلم خدم ، فقلت : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً ؟ فأتته فوجدت عنده حداثاً فرجعت . فأتاها من الغد صلى الله عليه وسلم فقال : " ما كان حاجتك ؟ " فسكتت ، فقلت : أنا أحدثك يا رسول الله : جرت فاطمة بالرحى حتى أثرت في يدها ، وحملت بالقرية حتى أثرت في نحرها ، فلما جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمها خادماً يقيها حر ما هي فيه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أتقي الله يا فاطمة ، وأدي فريضة ربك ، اعلمي عمل أهلك ، فإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين ، وأحمدي ثلاثاً وثلاثني ، وكبري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة خير لك من خادم ، قالت : رضيت عن الله عز وجل ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم . قال علي : ولم يخدمها .

 

أمراة أعرابية تساوي رجال :

 

          مما يروى في كتب التاريخ والأدب أن الفضل أو المفضل بن زيد رأى مرة ابن امرأة اعرابية فأعجب به ، فسألها عنه فقالت : إذا أتم خمس سنوات أسلمته للمؤدب فحفظ القرآن وتلاه ، وعلمه الشعر فرواه ، ورغب في مفاخر قومه ، ولقن مآثر آبائه وأجداده ، فلما بلغ الحلم ؛ حملته على أعناق الخيل فتمرس وتقرس ولبس السلاح ومشى بين بيوت الحي وأصغى إلى صوت الصارخ ليغيثه وينقذه .

 

(91) ويوصي بالبنات صلى الله عليه وسلم ويبين منزلتهن في الإسلام :

 

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسان الغاليات " .

 

 وقال صلى الله عليه وسلم " " من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن "، فقال رجل : أو ثنتان يا رسول الله؟ قال : " أو ثنتان " فقال رجل : أو واحدة يارسول الله ؟ قال : " أو واحدة " . وفي رواية : " من كان له ثلاثة بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة " . وقد رأينا جابر بن عبد الله رضي الله عنه  وهو الشاب الشهم الأعزب يضحي بشهوته ويترك الزواج من شابه بكر مثله ، لما قتل أبوه بأحد وترك خلفه تسع بنات ؛ ثم يتوزج بأمرأة ثيب لتقوم على رعاية أخواته ، فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على صنيعه وحياه وقال له :

 

 " بارك الله لك " .

 

 ( 92) ويلحق صلى الله عليه وسلم الإثم بمن يضيع حقهم في النفقة والتعليم :

 

 قال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقرب " .

 

 والتضييع في هذا الحديث على إطلاقه وليس تضييعاً دون تضييع ، فمن ضيع حقهم في النفقة فقدضيعهم ، ومن ضيع حقهم في التربية فقد ضيعهم ، ومن ضيع حق من يعول في التعليم فقد ضيعهم ، وكذلك في الحنان والمودة وفي العدل والرحمة وهكذا .

 

 وقال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته"

 

 فلا يجوز التقتير على الأولاد أو حبس النفقة والقوت عنهم لأن هذا تكليف من الخبير اللطيف . قال تعالى: ( وعلى المؤلود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ... ) [ البقرة : 233] . 

 

          وعن وهببن جابر رضي الله عنه  قال : إن مولى لعبد اللهبن عمرو قال له : إني أريد أن أقيم هذا الشهر ها هنا ببيت المقدس ، فقال له تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر ؟ قال : لا ، قال : فارجع لأهلك فاترك لهم ما يقوتهم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت "

 

 (93) ويحذرهم صلى الله عليه وسلم من تحقير الناس والسخرية منهم : 

 

 عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها كذا وكذا ، قال مسدد الرواي : تعني أنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " ، عين غيرت لن وطعم ماء البحر من شدة نتنها وقبحها ، لأنه غيبة ، حيث إن عائشة حقرت من قصر صفية .

 

 وعن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمه الله ويبتليك " .

 

والله تعالى يقول : ( يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من  نساء عسى أن يكن خيراً منهن .. ) [ الحجرات : 11] .




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق