جب ، سير هاملتون .sir hamilton r. a. gibb 1895
ولد هاملتون جيب في الإسكندرية في 2يناير 1895م، انتقل إلى اسكتلندا وهو في الخامسة من عمره للدراسة هناك . التحق بجامعة أدنبرة لدارسة اللغات السامية، عمل محاضراً في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام 1921م وتدرج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح أستاذً للغة العربية عام 1937م، وانتخب لشغل منصب كرسي اللغة العربية بجامعة أكسفورد، انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد بعد أن عمل أستاذاً للغة العربية في الجامعة. بالإضافة إلى اهتمامه اللغوي فقد أضاف إلى ذلك الاهتمام بتاريخ الإسلام وانتشاره وقد تأثر بمستشرقين كبار من أمثال تومارس آرنولد وغيره.من أبزر إنتاج جب (الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى) سنة 1933م ودراسات في الأدب العربي المعاصر وكتاب (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) وشارك في تأليف (إلى أين يتجه الإسلام)، وقد انتقل جيب من دراسة اللغة والآداب والتاريخ إلى دراسة العالم الإسلامي المعاصر وهو ما التفت إليه الاستشراق الأمريكي حينما أنشأ الدراسات الإقليمية أو دراسات المناطق، وله كتاب بعنوان (المحمدية) ثم أعاد نشره بعنوان (الإسلام) وله كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم
الرسول أنه مصلح اجتماعي عكس ضرورات البيئة العربية في مكة
قام جب بعقد دراسات مقارنة ، والمقارنات منذ القديم تستهدف شيئاً أساسياً وهو تصوير الرسول أنه مصلح اجتماعي عكس ضرورات البيئة العربية في مكة . ويقول جب gib : " إنه نجح لكونه أحد المكيين " بمعنى أنه عبَّر عن الحاجيات المحلية ،وقد ذهب في كتابه " المذهب المحمدي " ان محمداً صلى الله عليه وسلم صنعته بيئته الخاصة بمركزها الثقافي والديني والتجاري ، وبحكم مركزها من العالم وصلتها بأرقى شعوبه .
ويقول " إن محمداً صلى الله عليه وسلم ككل شخصية مبدعة قد تأثر بضرورات الظروف الخارجية المحيطة به من جهة ، ثم من جهة أخرى قد شق طريقاً جديداً بين الأفكار والعقائد السائدة في زمانه ، والدائرة في المكان الذي نشأ فيه ... وانطباع هذا الدور الممتاز لمكة يمكن أن نقف على أثره واضحا فى كل أدوار حياة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبتعبير إنساني : إن محمداً صلى الله عليه وسلم نجح ، لأنه كان واحداً من المكيين " .
الرد
وهذه خطة جرى عليها المستشرقون منذ قرون، يصفون النبي صلى الله عليه و سلم بهذه الألقاب، ليظهروه في مظهر المفكر العبقري الذي استطاع بعبقريته وقوة فكره أن يبتكر هذا الدين، وأن يقوم بإصلاح أوضاع المجتمعات العربية ويخرجها من الجهل والوثنية، ويثبت أسس الحضارة العربية الإسلامية الشامخة التي أثرت في الحضارة الإنسانية تأثيراً بارزاً. وتَابَعَ المستشرقين في هذه الخطة، عن جهل أو عمد أو غفلةٍ وسوء فهم لدلالة هذه الأوصاف، بعضُ الكتاب المسلمين في العصر الحديث، فكتبوا عن عبقرية الرسول صلى الله عليه و سلم ، تماما كما كتبوا عن عبقرية أبي بكر الصديق، وعبقرية عمر بن الخطاب، وعبقريات أخرى. وهذا حيف كبير في حق نبي اللَّه ورسوله.
إن النبي صلى الله عليه و سلم فوق أي عبقري، وأجلُّ من أي زعيم وأعظم من أي مصلح، لقد جمع من صفات هؤلاء خيرها وأفضلها وأعدلها، ولكنه فوقهم جميعاً، إنه نبيٌّ يوحى إليه، ورسول يبلغ عن ربه، وهذا ما لا يدرك ولا ينال، لا بالعبقرية ولا بالفكر ولا بالإلهام، هناك فرق كبير بين العبقري المصلح، وبين النبي المرسل. ولقد سبق كتَّابنا المعاصرين إلى إدراك هذا الفرق، العباس عم النبي صلى الله عليه و سلم ، رضي اللَّه عنه. ذلك أنه لما أسلم أبو سفيان بن حرب ليلة فتح مكة، وكان العباس قد سبقه إلى الإسلام، قال النبي صلى الله عليه و سلم للعباس : خذ أبا سفيان وقف به عند خطم الجبل، وذلك ليرى جيش الفتح، فمرت به كتائب اللَّه، وفيها الكتيبة الخضراء، كتيبة رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ، فلم يملك أبو سفيان نفسه أن قال :لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال له العباس : إنها النبوة يا أبا سفيان. قال : نعم، واللَّه إنها النبوة.
والذين كتبوا عن حياة النبي صلى الله عليه و سلم وسيرته من غير المسلمين، لا يؤمنون بنبوته، فمن ثم كتبوا عنه بوصفه عظيماً أو عبقرياً أو مصلحاً أو ملهماً، ولا يجوز للكتاب المسلمين أن يجاروهم فيما وصفوا به النبي صلى الله عليه و سلم من الأوصاف والألقاب التي فيها إخلال بمقام النبوة. وعليهم أن يقتدوا بالقرآن الكريم وبسيرة الصحابة وسلف الأمة الصالح.فالقرآن الكريم لم يصفه لا بالمصلح ولا بالعبقري، وإنما وصفه في كل المواضع التي ذكر فيها وما أكثرها، بالنبي أو الرسول ولا حاجة إلى عرض الآيات هنا، حتى إذا ذَكَرَهُ باسمه قَرَنَ به وصفَ الرسـالـة، كـما فـي قـوله تعـالى :{ مُحَـمَّدٌ رَسـُولُ اللــَّهِ. }(1) وقـولــه : { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }.
وكذلك الصحابة رضي اللَّه عنهم، ما كانوا أبداً ينادونه أو يصفونه بأي وصف أو لقب غير وصف النبوة والرسالة، ولم يرد في كتب السيرة ولا في غيرها، شيء من هذه الأوصاف التي يستخدمها المستشرقون ومن تابعهم من الكتاب المسلمين، لأن كل مؤمن يدرك أن النبوة فوق كل وصف وكل شارة أو لقب. ومن الواضح أن غرض المستشرقين هو إنكار نبوة محمد r، وإظهاره في مظهر المصلح أو العبقري، لأن هؤلاء تنتهي معهم أفكارهم، ويمكن أن يأتي مفكر أو مصلح آخر بما هو خير منها. ولذلك فهم ليسوا جديرين بالخلود، وأفكارهم ليست جديرة بأن يستمسك بها الناس بعدهم، كما يستمسكون برسالات الأنبياء.
ومن غريب الأمور أن يصر المستشرقون على وصف النبي صلى اللَّه عليه وسلم بهذه الأوصاف، مع أنه كان يتبرأ منها ويجرد نفسـه من كل قوة أو مزايا أرضية كما بينه القرآن الكريم في قوله : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ }.
وفي قوله :{ قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ }.ومن المعلوم أن العبقري والمصلح والبطل ـ بل وكل الناس ـ لا يرضى أن يأتي بالأعمال الجليلة ثم ينسب فضلها إلى غيره، فهذا شيء يتنافى مع طبائع البشر، فلو أن محمداً r ابتكر هذا الدين، وأتى بهذا المنهج القويم، وقام بهذه الأعمال الجليلة التي غيرت مجرى التاريخ وأنقذت البشرية من الجهل والضلال بعبقريته وقوة شخصيته، لما خالف هذه السنة البشرية، ولكان سعيداً بأن ينسب ذلك الفضل وذلك الشرف إلى نفسه، ولكنه صلى الله عليه و سلم عرف مقامه حق المعرفة، فنسب كل ذلك إلى ربه.
المقال السابق
المقال التالى