عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

 

 

 

 

 

وفي اليوم الذي رجع فيه رسول الله إلى المدينة ، جاءه جبريل عليه السلام عند الظهر ، وهو يغتسل في بيت أم سلمة ، فقال ‏:‏ أو قد وضعت السلاح ‏؟‏ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ، فانهض بمن معك إلى بني قريظة ، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم ، وأقذف في قلوبهم الرعب ، فسار جبريل في موكبه من الملائكة ‏.‏

 

 

   وأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مؤذناً فأذن في الناس ‏:‏ من كان سامعاً مطيعاً فلا يصَلِّينَّ العصر إلا ببني قريظة ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، وأعطى الراية علي بن أبي طالب ، وقدّمه إلى بني قريظة ، فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ‏.‏

 

 

 

 

   وخرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  في موكبه من المهاجرين والأنصار ، حتى نزل على بئر من آبار قريظة يقال لها ‏:‏ بئر أنَّا‏ .‏ وبادر المسلمون إلى امتثال أمره ، ونهضوا من فورهم ، وتحركوا نحو قريظة ، وأدركتهم العصر في الطريق فقال بعضهم ‏:‏ لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمرنا ، حتى إن رجالاً منهم صلوا العصر بعد العشاء الآخرة ، وقال بعضهم‏ :‏ لم يرد منا ذلك ، وإنما أراد سرعة الخروج ، فصلوها في الطريق ، فلم يعنف واحدة من الطائفتين ‏.‏

 

 

 

   هكذا تحرك الجيش الإسلامي نحو بني قريظة أرسالاً حتى تلاحقوا بالنبي(صلى الله عليه وسلم)  ، وهم ثلاثة آلاف ، والخيل ثلاثون فرساً ، فنازلوا حصون بني قريظة ، وفرضوا عليهم الحصار‏ .‏

 

 

 

   ولما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال ‏:‏ إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد(صلى الله عليه وسلم)  في دينه ، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم ـ وقد قال لهم ‏:‏ والله ، لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ، وأنه الذي تجدونه في كتابكم ـ وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم ، ويخرجوا إلى النبي(صلى الله عليه وسلم)  بالسيوف مُصْلِِتِين ، يناجزونه حتى يظفروا بهم ، أو يقتلوا عن آخرهم ، وإما أن يهجموا على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  وأصحابه ، ويكبسوهم يوم السبت ، لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه ، فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث ، وحينئذ قال سيدهم كعب بن أسد ـ في انزعاج وغضب ‏:‏ ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً ‏.‏

 

 

 

   ولم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ، ولكنهم أرادوا أن يتصلوا ببعض حلفائهم من المسلمين ، لعلهم يتعرفون ماذا سيحل بهم إذا نزلوا على حكمه ، فبعثوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  أن أرسل إلينا أبا لُبَابة نستشيره ، وكان حليفاً لهم ، وكانت أمواله وولده في منطقتهم ، فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجَهَشَ النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فَرَقَّ لهم، وقالوا ‏:‏ يا أبا لبابة ، أترى أن ننزل على حكم محمد‏ ؟‏ قال ‏:‏ نعم ، وأشار بيده إلى حلقه ، يقول ‏:‏ إنه الذبح ، ثم علم من فوره أنه خان الله ورسوله فمضى على وجهه ، ولم يرجع إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  حتى أتى المسجد النبوي بالمدينة ، فربط نفسه بسارية المسجد ، وحلف ألا يحله إلا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  بيده ، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً ‏.‏ فلما بلغ رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  خبره ـ وكان قد استبطأه ـ قال ‏:‏ ‏" أما إنه لو جاءني لاستغفرت له ، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه‏ "‏‏.‏

 

 

 

   وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة قررت قريظة النزول على حكم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ، ولقد كان باستطاعة اليهود أن يتحملوا الحصار الطويل ، لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار ومناعة الحصون ، ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء ، مع شدة التعب الذي اعتراهم ، لمواصلة الأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب ، إلا أن حرب قريظة كانت حرب أعصاب ، فقد قذف الله في قلوبهم الرعب ، وأخذت معنوياتهم تنهار ، وبلغ هذا الانهيار إلى نهايته أن تقدم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ، وصاح علي ‏:‏ يا كتيبة الإيمان ، والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم ‏.‏

 

 

 

   وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ، وأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  باعتقال الرجال ، فوضعت القيود في أيديهم تحت إشراف محمد بن مسلمة الأنصاري ، وجعلت النساء والذراري بمعزل عن الرجال في ناحية ، وقامت الأوس إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت ، وهم حلفاء إخواننا الخزرج ، وهؤلاء موالينا ، فأحسن فيهم ، فقال ‏:‏ ‏( ‏ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم‏ ؟ ‏‏)‏ قالوا ‏:‏ بلى ‏.‏ قال ‏:‏ ‏( ‏فذاك إلى سعد بن معاذ ‏) ‏‏.‏ قالوا ‏:‏ قد رضينا ‏.‏

 

 

 

 

   فأرسل إلى سعد بن معاذ ، وكان في المدينة لم يخرج معهم للجرح الذي كان قد أصاب أكْحُلَه في معركة الأحزاب‏ .‏ فأُركب حماراً ، وجاء إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ، فجعلوا يقولون ، وهم كَنَفَيْهِ ‏:‏ يا سعد ، أجمل في مواليك ، فأحسن فيهم ، فإن رسول الله قد حكمك لتحسن فيهم ، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً ، فلما أكثروا عليه قال ‏:‏ لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى إليهم القوم‏ .‏

 

 

 

 

   ولما انتهى سعد إلى النبي(صلى الله عليه وسلم)  قال للصحابة ‏:‏ ‏( ‏قوموا إلى سيدكم‏ ) ‏، فلما أنزلوه قالوا ‏:‏ يا سعد ، إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك ‏.‏ قال ‏:‏ وحكمي نافذ عليهم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ وعلى المسلمين ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ وعلى من هاهنا‏ ؟‏ وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  إجلالاً له وتعظيمًا‏ .‏ قال ‏:‏ ‏( ‏نعم ، وعلي‏ )‏ ‏.‏ قال ‏:‏ فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ‏:‏ ‏" ‏لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات "‏‏.‏

 

 

 

 

   وكان حكم سعد في غاية العدل والإنصاف ، فإن بني قريظة ، بالإضافة إلى ما ارتكبوا من الغدر الشنيع ، كانوا قد جمعوا لإبادة المسلمين ألفاً وخمسمائة سيف ، وألفين من الرماح، وثلاثمائة درع ، وخمسمائة ترس ، وحَجَفَة ، حصل عليها المسلمون بعد فتح ديارهم ‏.‏

 

 

 

 

 

   وأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  فحبست بنو قريظة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة ، ثم أمر بهم ، فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً ، وتضرب في تلك الخنادق أعناقهم ‏.‏ فقال من كان بعد في الحبس لرئيسهم كعب بن أسد ‏:‏ ما تراه يصنع بنا ‏؟‏ فقال‏ :‏ أفي كل موطن لا تعقلون ‏؟‏ أما ترون الداعي لا ينزع‏ ؟‏ والذاهب منكم لا يرجع ‏؟‏ هو والله القتل ـ وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة ، فضربت أعناقهم ‏.‏

 

 

 

 

   وهكذا تم استئصال أفاعي الغدر والخيانة ، الذين كانوا قد نقضوا الميثاق المؤكد ، وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة كانوا يمرون بها في حياتهم ، وكانوا قد صاروا بعملهم هذا من أكابر مجرمي الحروب الذين يستحقون المحاكمة والإعدام ‏.‏

   وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير ، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله عنها كان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة الأحزاب ، فلما أتي به ـ وعليه حُلَّة قد شقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا يُسْلَبَها ـ مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، قال لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ‏:‏ أما والله ما لمت نفسي في معاداتك ، ولكن من يُغالب الله يُغْلَب ‏.‏ ثم قال ‏:‏ أيها الناس ، لا بأس بأمر الله ، كتاب وقَدَر ومَلْحَمَة كتبها الله على بني إسرائيل ، ثم جلس ، فضربت عنقه ‏.‏

 

 

 

   وقتل من نسائهم امرأة واحدة كانت قد طرحت الرحى على خَلاَّد بن سُوَيْد فقتلته ، فقتلت لأجل ذلك ‏.‏

   وكان قد أمر رسول الله بقتل من أنْبَتَ ، وترك من لم ينبت ، فكان ممن لم ينبت عطية القُرَظِي ، فترك حياً فأسلم ، وله صحبة ‏.‏

   واستوهب ثابت بن قيس ، الزبير بن باطا وأهله وماله ـ وكانت للزبير يد عند ثابت ـ فوهبهم له رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ، فقال له ثابت بن قيس ‏:‏ قد وهبك رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  إلى ، ووهب لي مالك وأهلك فهم لك ‏.‏ فقال الزبير بعد أن علم بمقتل قومه ‏:‏ سألتك بيدي عندك يا ثابت إلا ألحقتني بالأحبة ، فضرب عنقه ، وألحقه بالأحبة من اليهود ، واستحيا ثابت من ولد الزبير بن باطا عبد الرحمن بن الزبير، فأسلم وله صحبة‏ .‏

 

 

 

 

   واستوهبت أم المنذر سلمي بنت قيس النجارية رفاعة بن سموأل القرظي ، فوهبه لها فاستحيته ، فأسلم وله صحبة ‏.‏

  وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول، فحقنوا دماءهم وأموالهم وذراريهم‏.‏

   وخرج تلك الليلة عمرو بن سعدي ـ وكان رجلاً لم يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ـ فرآه محمد بن مسلمة قائد الحرس النبوي ، فخلى سبيله حين عرفه ، فلم يعلم أين ذهب ‏.‏

   وقسم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  أموال بني قريظة بعد أن أخرج منها الخمس ، فأسهم للفارس ثلاثة أسهم ، سهمان للفرس وسهم للفارس ، وأسهم للراجل سهماً واحداً ، وبعث من السبايا إلى نجد تحت إشراف سعد بن زيد الأنصاري فابتاع بها خيلاً وسلاحاً‏ .‏

 

 

 

 

 

   واصطفى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  لنفسه من نسائهم رَيْحَانة بنت عمرو بن خُنَافة ، فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه ، هذا ما قاله ابن إسحاق‏ .‏ وقــال الكلبي‏ :‏ إنه(صلى الله عليه وسلم)  أعتقها ، وتزوجها سنة 6 هـ ، وماتت مرجعـه مـن حجة الـوداع ، فدفنها بالبقيـع ‏.‏

 

 

 

 

   ولما تم أمر قريظة أجيبت دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ رضي الله عنه ـ التي قدمنا ذكرها في غزوة الأحزاب ـ وكان النبي(صلى الله عليه وسلم)  قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فلما تم أمر قريظة انتقضت جراحته ‏.‏ قالت عائشة


                      المقال السابق





Bookmark and Share


أضف تعليق