ـ حين أراد عمر بن الخطاب أن يصف عبادة بن الصامت قال: “رجل يعد في الرجال بألف رجل، قال عنه ابن الخطاب هذه العبارة حين أرسله مدداً لعمرو بن العاص في فتح مصر، إذ كان طويلا فارع الطول، أسمر البشرة، ويعد ابن الصامت من السابقين إلى الإسلام، إذ كان من رجال البيعة الأولى ومن بني عوف بن الخزرج الأنصاري، أي من الأنصار الذين نصروا وآووا وبذلوا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله. وقد كان عبادة بن الصامت خير مسلم في معاملته وجهاده، إذ شهد كل الأحداث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعب دوراً مهماً في إخراج يهود بني قينقاع، حلفائه في الجاهلية من المدينة، كما وقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم يؤازره ويناصره ضد اليهود والمنافقين، وفي حروب الردة كان فارساَ ومجاهداً في سبيل الله.
ـ ويرى علماء التفسير أن عبادة بن الصامت أنزلت فيه الآيات من 51 إلى 53 من (سورة المائدة) والتي يقول فيها الحق “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين”. ونزلت الآيات عندما انتصر المسلمون في غزوة بدر الكبرى، فآلم هذا النصر اليهود وشرعوا في التحرش بالمسلمين، وحدث ذات مرة في سوق بني قينقاع أن قدمت امرأة من العرب بحلي لها فباعته، وجلست إلى صائغ السوق، فجعلوا يراودونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع. وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، فحضر مسرعاً إلى السوق ثم قال: يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من نقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم. قالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أّنا نحن الناس. وبعد ذلك أرسلوا إليه عبد الله بن أُبي بن سلول فكلمه فيهم، فلم يجبه فقال: يا محمد أحسن في مواليّ، وكانوا حلفاء الخزرج فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له الرسول أرسلني وغضب الرسول حتى رأوا لوجهه ظللاً، ثم قال: ويحك أرسلني. قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصرهم في غداة واحدة؟. إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك. وعندما علم عبادة بن الصامت بما كان من أمر اليهود وأمر عبد الله بن أبيّ، جاء مسرعاً إلى النبي وقال: يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم، كثيراً سلاحهم، شديدة شوكتهم، وأنا أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، ولا مولى لي إلا الله ورسوله.
فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: لكن لا أبرأ من ولاية يهود إني رجل لابد لي منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يا أبا الأحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت؟.. فهو لك دونه.
فقال: إذن أقبل.
فنزلت الآيات في قوله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين”.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب يزيد بن سفيان إليه: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأرسل إليه عمر، معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء، فأقام عبادة بحمص فاستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح، عندما سار لفتح “طرطوس” ففتحها، وكان أول من ولي قضاء فلسطين من قبل عمر بن الخطاب.
وكان ممن جَمَعَ القُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ
.فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، كَتَبَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَيْهِ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ كَثِيْرٌ، وَقَدِ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ، وَيُفَقِّهُهُم.
فَقَالَ: أَعِيْنُوْنِي بِثَلاَثَةٍ.
فَقَالُو:هَذَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ - لأَبِي أَيُّوْبَ - وَهَذَا سَقِيْمٌ - لأُبَيٍّ -.
فَخَرَجَ الثَّلاَثَةُ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: ابْدَؤُوا بِحِمْصَ، فَإِذَا رَضِيْتُم مِنْهُم، فَلْيَخْرُجْ وَاحِدٌ إِلَى دِمَشْقَ، وَآخَرُ إِلَى فِلَسْطِيْنَ.
وروي أنه أُهديَت لعُبادة بن الصامت هديةٌ، ومعه في الدار اثني عشر أهل بيتٍ، فقال عُبادة: (اذهبوا بهذه إلى آل فلان فهم أحوج إليها منّا) فما زالوا كلّما جئتُ إلى أهلِ بيتٍ يقولون: (اذهبوا إلى آل فلان، هم أحوج إليه منّا) حتى رجعت الهدية إليه قبل الصبح. |