توبة الله عليهم
قال وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا ، وذهب نحو صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا ، وسعى ساع من أسلم ، حتى أوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس ; فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت ثوبي فكسوتهما إياه بشارة والله ما أملك يومئذ غيرهما ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاني الناس يبشرونني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله ، فحياني وهنأني ، ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره . قال فكان كعب بن مالك لا ينساها لطلحة .
قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ، ووجهه يبرق من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ، قال قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال بل من عند الله قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر . قال وكنا نعرف ذلك منه . قال فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي إلى الله عز وجل أن أنخلع من مالي ، صدقة إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك . قال قلت : إني ممسك سهمي الذي بخيبر وقلت : يا رسول الله إن الله قد نجاني بالصدق وإن من توبتي إلى الله أن لا أحدث إلا صدقا ما حييت ، والله ما أعلم أحدا من الناس أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أفضل مما أبلاني الله والله ما تعمدت من كذبة منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي .
وأنزل الله تعالى : " لَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا ". . . إلى قوله " وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ". قال كعب فوالله ما أنعم الله علي نعمة قط بعد أن هداني للإسلام كانت أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فإن الله تبارك وتعالى قال في الذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد قال " سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنّ اللّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ "
قال وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر هؤلاء الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فعذرهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ، حتى قضى الله فيه ما قضى ، فبذلك قال الله تعالى : " وَعَلَى الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا "
وليس الذي ذكر الله من تخليفنا لتخلفنا عن الغزوة ولكن لتخليفه إيانا ، وإرجائه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه .
المقال السابق